ملاحظات الدكتور منصف المرزوقي حول مشروع الدستور
السبت 6 تموز (يوليو) 2013
من رئيس الجمهورية إلــــــــى السيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي والسادة والسيدات أعضاء المجلس الوطني التأسيسي
الأحد 30 جوان 2013
تحية وسلاما وبعد
ردا على مشروع الدستور الذي تفضلتم ببعثه إليّ طبقا للقانون ، تجدون مرفقا ملاحظاتي على النص كرئيس للجمهورية وكحقوقي وكمواطن ، بغية المساهمة في إثراء نقاش المجلس التأسيسي الذي كان وسيبقى صاحب القول الفصل في كتابة الدستور.
وبالمناسبة اسمحوا لي أن أثمّن الجهد الجبار الذي أثمر النص الذي بين أيدينا وأن آسف لكل المشاكل التي صاحبت عرضه على الجلسة العامة آملا أن تتجاوز كل الأطراف خلافات طبيعية وأن يسود جو التوافق في كل المراحل القادمة حتى نستطيع .تحسين نص نريده أن يكون دعامة نظام سياسي ومجتمعي للأجيال القادمة
وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام
رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي
حول فصول مشروع دستور الجمهورية التونسية ( 1 جوان 2013)
1-هوية تونس ودولتها
2-علاقة الدين والدولة
3-حقوق الأشخاص، حرياتهم واجباتهم
4-السلطة القضائية
5-السلطة التنفيذية
6-الأحكام الانتقالية
1- هوية تونس ودولتها
قضية الهوية مركزية في نص مؤسس. وإن نتفق تمام الاتفاق على صيغة الفصل الأول – حتى ولو كان من الأسلم لغويا القول أن تونس بلاد حرة الخ، بدل دولة ، فإنه من الضروري مراجعة صياغة الفصلين الثاني والخامس . الفصل الثاني :” تونس دولة مدنية ، تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون ’’ تونس لا تختزل في دولة أو نظام لأنها شعب بتاريخه وثقافته وأرض بحدود معترف بها ودولة اتخذت لها نظاما جمهوريا لذلك نقترح أن تعاد الصياغة
’’الجمهورية التونسية دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون ’’ الفصل الخامس ’’ الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي تعمل على تحقيق وحدته وتتخذ كافة التدابير لتجسيمها ’’ . أن تونس ككل وذلك أيا كان أي نظامها السياسي هي الجزء من …. من المستحسن أن نكتب المغرب الكبير لأنه المصطلح المستعمل في البلدان الشقيقة
لا يتوقف انتماؤنا بما هو التعبير عن هويتنا اليوم وغدا عند حدود المغرب الكبير ويجب أن نتصوره كجملة من الدوائر المنطلقة من النواة الصلبة لتونسيتنا وهي من الأقرب إلى الأبعد المغرب الكبير– الأمة العربية – الامة الاسلامية – الاتحاد الافريقي – الأمم المتحدة
ومن ثم الاقتراح بإعادة كتابة الفصل كالتالي
’’ تونس جزء من المغرب الكبير ومن الأمة العربية وتعمل على تحقيق وحدة الشعوب المغاربية كمرحلة من تحقيق وحدة الشعوب العربية وهي جزء من الأمة الإسلامية والشعوب الافريقية والأمم المتحدة وتعمل على تحقيق أقصى قدر من التعاون والتنسيق مع مؤسساتها ’’. *
2- علاقة الدين والدولة
النقاش حول العلاقة مطبوع دوما بخوفين شرعيين : خوف الطرف الإسلامي أو المحافظ من أن يقع النيل من مكانة الدين ودوره والحال أنه مع اللغة العربية العمود الفقري للمجتمع… وخوف الطرف الحداثي أو التقدمي، النيل من الحقوق والحريات والحال أن الهاجس منع عودة الاستبداد بأي قناع تستّر .
من حق كل طرف أن يدافع عن مركزية قضيته ومن واجب الطرف المقابل أن يعتبر مخاوف الآخر مشروعة وأن تصاغ الفصول ذات الصلة بكيفية تطمئن الجميع .
إن الفصل الأول الذي يقول بوضوح أن ’’ تونس دولة حرة ، مستقلة ، ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها ’’ هو أحسن وفاق وصل إليه آباؤنا وعلينا مواصلته وهو كاف بوضوحه وتصدّره أول فصل للدستور لتطمين كل من يخشون الانتقاص من مكانة الاسلام.
لكن هناك احترازات على صياغة الفصل الذي ينظم العلاقة بين الدين والدولة. الفصل 6 ’’ الدولة راعية للدين ، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية حامية للمقدسات ضامنة لحياد
المساجد ودور العبادة والتوظيف الحزبي’’ إن كلمة راعية لا تليق وهي تعود بنا إلى صور الراعي والرعية والدين أسمى من أن يرعى ولو من طرف الدولة . ثمة داخل حدود الوطن دين الأغلبية وهو الإسلام وديانات أخرى تمارسها أقلية سواء من المقيمين الأجانب أو من التونسيين الذين لهم ديانة أخرى مثل اليهودية . وبما أن مبدأ المساواة مركزي في كل دستور ديمقراطي فمن واجب الدولة حماية حقوق كل من يعيشون داخل حدودها أكانوا من الأغلبية أو الأقلية.
تاريخيا مساجدنا تهتم بكل شؤون المسلمين ومنها الشؤون السياسية ولا يجوز منعها من وظيفة اضطلعت بها على مرّ العصور، لكن لنا الحق في رفض أن تكون مكانا للتجييش ضدّ سلطة شرعية أو مرتعا للصراعات الحزبية. لكل هذه الأسباب نقترح إعادة صياغة الفصل كالتالي : ’’ الدولة حامية للإسلام ولسائر الديانات المتواجدة في تونس، محترمة لاستقلاليتها ، كافلة للجميع حرية المعتقد والضمير وممارسة شعائرهم الدينية ، ضامنة تحييد المساجد عن الصراعات الحزبية.’’
3- حقوق الأشخاص، حرياتهم، واجباتهم
الحقوق العامة
3-1 إن أغلبية الناس، إما لا تتمتع أصلا بالحقوق المذكورة في الدستور أو تتمتع بها بصفة جزئية وأن انتهاكها هي الحالة الغالبة.
هذه الانتهاكات إما نتيجة وضع موضوعي مثل قلة إمكانيات الدولة والمجتمع كما هو الأمر في حالة الفقر أو هي نتيجة ممارسات الدولة أو مجموعات مرتبطة بمصالح معينة أو أشخاص .
يجب إذن عدم الاكتفاء بأن الحق النقابي ( الفصل 35) أو في الثقافة ( الفصل 41) أو في الماء ( الفصل 43) …مضمون من قبل من ؟ وضدّ أي منتهك ؟.
الاقتراح إعادة صياغة كل فصول ’’ المضمون’’ بكيفية أكثر وضوحا .مثلا
’’ تلتزم الدولة في حدود إمكانياتها بالدفاع عن حق ….وحمايته من أي انتهاكات من أي مصدر كان وتطويره والارتقاء به إلى أعلى مصاف ممكن ’’
3-2- إذا كانت كل الحقوق متساوية في الأهمية فإن هناك حقوق مفصلية تتداخل فيها كثير من الحقوق ومن ثم أهمية
صياغتها بإتقان شديد وعلى رأسها الحق في الصحة . اقتراحنا بخصوص الفصل 37
’’ تكفل الدولة الحصول على الحق في الصحة وتوفر الظروف اللازمة للحصول عليه وهي البيئة السليمة والتعليم والغذاء الكافي والسكن اللائق والماء الصالح للشرب وظروف العمل الآمنة والسلامة المهنية. و تؤمن خدمات الصحة العمومية. تضمن الدولة التغطية الصحية للجميع من خلال التأمين الصحي الالزامي للعاملين والمتقاعدين ومن المصادر العامة لتأمين الفئات الفقيرة ضمن قيم التآزر الوطني و العدالة الاجتماعية. تتولى الدولة بالاشتراك مع منظمات المجتمع المدني وضع الآليات اللازمة لمراقبة تنفيذ الحق في الصحة. ’’
3-3 -كل الأشخاص سواسية أمام الحقوق لكن هناك شرائح من السكان تستدعي اهتماما خاصا لثقلها العددي أو لتعرضها الأوسع للانتهاكات مثل النساء وهن نصف المجتمع وأكثرهن عرضة للفقر، أو الأطفال وهم ثلثه ، أو ذوي الاحتياجات الخاصة . لذلك يجب أن تصاغ الفصول المتعلقة بحقوق هذه القطاعات بكثير من التدقيق . ومن ثم الاقتراحات التالية
الفصل 45 :’’ تضمن الدولة حماية مكاسب المرأة وتعمل على تطوير حقوقها خاصة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي وعلى تحقيق المساواة بينها وبين الرجل وتتخذ كل الاجراءات لحمايتها من كل أصناف العنف.’’
الفصل 46 :’’ تضمن الدولة حقوق الطفل وتسعى لتجسيمها على أرض الواقع عبر سياسات ترمي لحمايته من الفقر والجهل والمرض والاستغلال والعنف وتعمل على توفير كل شروط الحياة الصحية والكريمة لينمي كل طاقاته في كنف الحرية . تحدث لجنة دستورية مختصة بالدفاع عن حقوق الطفل وتعهدها وتطويرها. ’’ الفصل 47 : تتكفل الدولة في حدود إمكانياتها بتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة وتحميهم من كل تمييز وتشجع كل المبادرات الرامية لإدماجهم في المجتمع عبر دعم مؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بهم .
ب- حق الحياة تخصيصا
تونس للأسف الشديد ليست بين ال 137 دولة ( على 193 في الامم المتحدة ) التي ألغت عقوبة الإعدام وليست أول دولة مسلمة ملغية وقد سبقتها تركيا.
نحن نستطيع اقناع شعبنا الذكي بأن اغلبية الشعوب لم تنخرط عبثا في إلغاء العقوبة وإنما لاكتشافها أنها سلاح فتاك استعمل دوما للتخلص من الخصوم السياسيين وترويع الأقليات ، أنه لا علاقة لوجودها باستتباب الأمن حيث نرى أن نسبة الجريمة في ارتفاع أين توجد العقوبة وفي انخفاض أين ألغيت …خاصة أنه يتضح أن 10 في المائة من الذين أعدموا حتى في الدول الديمقراطية كانوا ضحايا أخطاء قضائية لا تدارك لها .
تواجه كل هذه الحجج الدامغة بالقراءة الحرفية للنص المقدس، والحال أنه بوسعنا دون الدخول في تناقض معه، أن نقرّ بأن الحرية التي منحنا إياها الله قد أسيء استعمالها وبالتالي يمكننا التخلي عنها طواعية خاصة وأن الله أنذرنا بأن’’ من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا’’ ( صدق الله العظيم)- وكم من مرة قتلت الإنسانية جمعاء أكان ذلك بفعل الدكتاتوريات المجرمة أو بالأخطاء القضائية.
إذن وبانتظار إنضاج نقاش مجتمعي سينتهي لنفس النتائج التي انتهت إليها أغلب شعوب الأرض، ودون الدخول في نقاشات عقدية يمكن أن تطول ولا تفضي للوفاق، ومن باب ترك الباب مفتوحا ، فإننا نقترح إعادة كتابة .الفصل 21 : ’’ الحق في الحياة مقدّس ، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون ’’
وتعويضه ب ’’ ’’الحق في الحياة مقدّس ’’.
ج-الحريات
قبل التعرض للصيغ التي فيها اختلاف نودّ الذهاب إلى لبّ الموضوع أي الجملة الشهيرة ’’ بما يضبطه القانون ’’ لقد أفرغت هذه الجملة على مرّ الدساتير حقوقنا من كل مضمون وكأن مهمة القانون أن يأخذ باليمنى ما يعطينا الدستور باليسرى . الأخطر من هذا أن الجملة تنبع من عقلية ( وترسخها) تجعل القانون مرادفا للإكراه الضبط وتعداد مجالات المنع والعقاب إنه ما نراه مغلفا بذكاء لكنه واضح في صياغة الفصل 48 ’’ يقرر القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها ولا يتخذ القانون إلا لحماية حقوق الغير او لمقتضيات الأمن العام او الدفاع الوطني والصحة العامة وتسهر الهيئات القضائية على حماية الحقوق والحريات من أي انتهاك.
الصيغة المقترحة
’’ مهمة القانون إيصال الحقوق لأصحابها وحماية الحريات الفردية والجماعية ولا يُستعمل للحدّ من ممارستها إلا في حالات تعدي هذه الممارسات على حقوق الآخرين الفردية والجماعية كما نصّ عليها هذا الدستور ’’ * بخصوص الحريات، يجب توضيح الخلفيات التي تحكم تعاملنا معها. ثمة دوما مخاوف غير مشروعة من قبل من يملك السلطة أن تصبح خطرا عليه . ثمة مخاوف مشروعة أن تؤدي إلى تصرفات غير مسؤولة من بعض الأطراف الاجتماعية والسياسية و يمكن أن تشكل خطرا على استقرار المجتمع وأمنه
الردّ بديهيتان :
من يمارس الحكم لمصلحة الجميع ووفق القانون والقيم لا يخشى من أصلح أداة للحكم الرشيد.
كل تجاوزات الحرية وسوء استعمالها لا شيء بالمقارنة مع إيجابياتها.
هناك دوما مرحلة طبيعية بعد نهاية الاستبداد يختلط فيها الحابل بالنابل وتحصل كثير من التجاوزات لكن من طبيعة الأنظمة المجتمعية كالإعلام أن تصل إلى نوع من التوازن تعطي فيه الإيجابيات على السلبيات التي لا تختفي أبدا ، لكنها تضعف شيئا فشيئا لا أخطر إذن من التعلل بهذه السلبيات للحد من الحريات ومهمة الدستور أن يراهن على نضج شعبنا وقدرة مؤسساتنا على الوصول بسرعة لمرحلة التوازن وأن تترك الحريات تنظم بعضها البعض لتصل إلى المرحلة الأنضج عندما تصبح القاعدة الأولى مستبطنة في النصوص والتصرفات: لا تحدّ حرية إلا عندما تؤدي ممارستها إلى التعدي على حقوق وحريات الآخرين.
انطلاقا من هذه الملاحظات نقترح إعادة صياغة كل الفصول المتعلقة بالحريات وخاصة التي تتعلق بحرية الرأي والتعبير والبحث العلمي والنشر والإبداع الفني ( الفصل 30 و31 و32 ) كالتالي تضمن الدولة ممارسة حرية ( الرأي ، التعبير، النشر، النفاذ للمعلومات عند الجهات الرسمية، ، البحث العلمي ، الإبداع الفني .) وتتخذ كل التدابير لتسهيل ممارستها ولا تضع أي قيد عليها طالما لم تهدد حقوق وحريات الآخرين المضمونة بهذا الدستور
* د-الواجبات
عودتنا الدكتاتورية على مواجهة مطلب الحقوق بمطلب الواجبات وكأنهما موضوعان مختلفان ومتناقضان والحال أنهما وجهان لنفس قطعة النقد .عودتنا حالة التسيب على تصرفات مبنية على شعار لا يرفع ولكنه يمارس هو ’’ الحقوق حقوقي والواجبات واجباتكم ’’ . ومن ثمة ضرورة تذكير المواطنين والمؤسسات الذين هم طرف اساسي في هذا العقد الاجتماعي بضرورة الاضطلاع بواجباتهم خاصة وأن الدستور فصل واجبات الدولة .
يجب إضافة فصل يتعلق بهذه الواجبات ’’ تعمل الدولة بالتربية وبالقانون على حثّ وإلزام كل الأشخاص وكل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية على الاضطلاع بواجباتهم تجاه المجتمع المتمثلة في تمكين الآخرين من التمتع بنفس الحقوق والحريات التي يضمنها لهم هذا الدستور “
4-السلطة القضائية
خطران يفسران صعوبة كتابة الفصول ذات الصلة .
الأول أن نقصّر في إرساء قضاء مستقل وهو ركن أساسي من النظام الديمقراطي المنشود.
الثاني أن نعبّد الطريق لجمهورية القضاة والكل نعلم أننا نأتي بهم مجتمع تشقه الصراعات السياسية والشخصية ومن مؤسسة لها ماض في خدمة الدكتاتورية وفي أحسن الأحوال في السكوت عنها.
هكذا نفهم لماذا جعل الفصل المكوّن للمحكمة الدستورية نصفها مسمى من طرف الحزب الأغلبي في مجلس الشعب (بصفة مباشرة عبر رئيسي الحكومة وغير مباشرة عبر رئيس مجلس الشعب ) مع الحق في الاختيار بين من يقترحهم رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للقضاء عبر آليات الانتخاب ( داخل مجلس يملك فيه الحزب الحاكم الأغلبية مباشرة أو عبر التحالفات).
نحن بداهة أمام محكمة تؤدي طريقة تركيبها لوضعها تحت سيطرة من ستدعي مراقبتهم ، علما وأن تركيبتها بالطريقة المقترحة قد تؤدي في حالة عدم توافق سياسي إلى تأخير بعثها. من خبروا مثلي صعوبات تكوين الهيئة المستقلة للإعلام يتصور بسهولة أننا قد نفوق حتى الإيطاليين الذين لم يتفقوا على تركيبة المحكمة إلا بعد عشر سنوات. بدل اعتماد منهجية بطيئة وخلافية و تضرب مصداقية ودور مؤسسة مركزية يجب أن نفكر في طريقة تسمية سريعة تضمن استقلالية فعلية دون السماح للمؤسسة بالانزلاق واستبدال شرعية الانتخابات بحكم أناس غير مسؤولين أمام الشعب .
ومن ثم اقتراح تغيير الفصل 15 كالتالي ’’ تختص المحكمة الدستورية حصريا في تقديم الاستشارة حول دستورية القوانين قبل عرضها على مجلس الشعب وفي البتّ في دستوريتها بالرفض أو بالقبول بعد موافقته عليه . تتكون المحكمة الدستورية من تسعة أعضاء من ذوي الكفاءة الذين لا تقلّ خبرتهم عن عشرين سنة ثلثاهم من المختصين في القانون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد ويعين كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ثلاثة أعضاء على أن يكون ثلثاهم من المختصين في القانون ويجدد ثلث أعضاء المحكمة الدستورية كل ثلاث سنوات ويسدّ الشعور الحاصل في تركيبة المحكمة بالطريقة المعتمدة عند تكوينها مع مراعاة جهة الترشيح . ينتخب أعضاء المحكمة من بينهم رئيسا ونائبا له من المختصين في القانون.’’
ب- القضاء
1 – يجب أن تكون هناك إحالة واضحة وصريحة إلى المعايير الدولية لاستقلال القضاء مثلما كان منصوصا عليه في الصيغة السابقة لمشروع الدستور.
2- بالنظر إلى الأهمية الرمزية للتسمية فالمقترح هو الرجوع إلى تسمية “المجلس الأعلى للسلطة القضائية”.
3-. إن الاقتصار على تحجير التدخل في سير القضاء دون إقرار صريح لتجريم هذا الفعل غير كاف، لأن نظام الاستبداد كان يمارس البطش عبر عدد من الآليات من أهمها التدخّل في القضاء. كما يُقترح وضع إطار لسنّ أحكام تشريعية خاصة لتقادم هذه الجريمة.
4-. إن الجدوى من وجود مجالس قضائية خاصة بكل فرع من فروع القضاء هو ألا يصدر القرار المتعلق بنقلة القاضي أو تأديبه عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بل عن مجلس القضاء الذي يرجع له القاضي المعني بالنظر
5- ينبغي على القضاء العسكري أن يقتصر على النظر في الجرائم العسكرية المرتكبة من العسكريين دون غيرهم.
6-استكمالا لمنظومة مكافحة الفساد، يقترح التنصيص على إحداث هيئة موحدة للرقابة الإدارية والمالية، بما يترتب عنه توحيد كافة هيئات الرقابة الموجودة حاليا في إطار هيئة واحدة تتولى إجراء الرقابة الإدارية والمالية على جميع الهياكل العمومية دون استثناء.
5-السلطة التنفيذية
توازن – اختصاص – تنسيق
إن النقاش الدائر بحدّة حول توزيع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يعكس تواصل مشروعين متناقضين الرئاسي والبرلماني ،واعتبار ما سنصل إليه تنازلات مؤقتة ومفتكّة سيقع مراجعتها يوما للعودة حسب موازين القوى السياسية إلى نظام رئاسي او برلماني.
بمثل هذه العقلية لا يمكن إلا الوصول لتوافقات عرجاء منذرة بتنازع مقبل بين رأسي السلطة التنفيذية قد يكون مصدرا للبلاء على البلاد.
إن ما يجب أن يحكم خياراتنا هو أننا بصدد خلق نظام سياسي ينطلق من تجربتنا التاريخية التي أظهرت أن شعبنا عانى وقد يعاني من استبداد دخل عبر بابين الأول حزب أغلبي في نظام برلماني تغوّل على الدولة والمجتمع والثاني شخص تغوّل على الحزب المتغوّل ثم على الدولة والمجتمع .
إن دور الدستور حماية الأجيال المقبلة من مثل هذا الرئيس المتجبّر وهذا مضمون في الدستور عبر الفصول التي تحدد سلطاته وتجعله مسؤولا جزائيا بعد انتهاء مهمته وقابلا للعزل وغير قادر على الترشح أكثر من مرتين متتاليتين. لكن لا شيء في المقابل للحذر من تعوّل الحزب المنتصر في الانتخابات ومن يقود الحكومة . فبقدر ما هناك قيود على الرئيس رغم أنه منتخب من الشعب – وبالضرورة على برنامج يحاسب عليه – تطلق أيدي رئيس الحكومة في كل المجالات بتعلة أن له برلمان يراقبه والحال أنه يملك الأغلبية إلى درجة أن رئيس الجمهورية مطالب بأن يكون في ’’ انسجام ’’ مع السياسة التي يقررها رئيس الحكومة.
إذا أردنا توازنا حقيقيا فلا بدّ من مراجعة توزيع السلطات ووضعها في إطار ضروريات أخرى . فهاجس منع تغول الشخص والحزب لا يجب أن ينسينا أننا أمام شرط ضروري لكنه ليس شرطا كافيا. فحتى تدور دواليب الدولة يجب تفادي تداخل الصلاحيات فما لرئيس الدولة يجب أن يكون له حصرا وما لرئيس الحكومة يكون له كليا .الضرورة الثانية هي التنسيق والتشاور وهذه وظيفة لا تمارس إلا بمشاركة رئيس الجمهورية في المجالس الوزارية مما يمكنه أن يبدي رأيه ويكون على علم بكل شؤون الدولة دون أن يعطيه هذا الحضور حق البتّ ضدّ أو بدل المجلس . وبالمقابل تمكن مشاركة رئيس الحكومة في مجلس الأمن الوطني الذي يتباحث في السياسة الخارجية والدفاعية من الاطلاع على الملفات التي من اختصاص رئيس الجمهورية دون أن يعطيه هذا الحق في البتّ فيها ضد أو بدل رئيس الجمهورية.
المقترحات
1-دور رئيس الجمهورية في صورة تعطل جهاز الدولة بسبب الخلاف بين البرلمان والحكومة في إطار مبدأ التوازن بين السلط المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من التوطئة، والذي يعد من المبادئ التوجيهية لباقي الأحكام الدستورية، ينبغي أن يمنح الدستور لرئيس الجمهورية سلطة حل مجلس نواب الشعب وذلك في صورة طلب الحكومة منحها الثقة وتصويت المجلس على رفض منحها، حيث إن الخلاف بين البرلمان والحكومة متى استفحل يمكن أن يؤدي إلى شلل تام في جهاز الدولة لا يمكن تجاوزه في بعض الصور إلا عبر حل البرلمان والاحتكام إلى الشعب مباشرة. والمقترح أن تُسند هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية بناء على اقتراح معلل من رئيس الحكومة.
2. بخصوص صلاحية تمثيل الدولة المخولة لرئيس الجمهورية بموجب الفصل 76:
إن عبارة “تمثيل الدولة” تحتاج توضيحا لتجنب كل قراءة شكلانية قد يُستنتج منها أن تمثيل الدولة هي عملية تشريفاتية تفرغ هذه المهمة من مضمونها وتجعل عمل رئيس الجمهورية ومستشاريه بلا جدوى، خاصة أنه لا يتمتع حسب هذه القراءة بسلطة القرار ولا حتى بحق متابعة نشاط مختلف الوزارات في حدود ما له اتصال بالعلاقات الخارجية للدولة.
الاقتراح إعادة صياغة النص ليكون المقصود به من تمثيل الدولة كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وهو ما يجعل لرئيس الجمهورية كتلة اختصاص في مجال العلاقات الخارجية، تمنحه الإشراف على عمل مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة في هذا المجال، فينبغي على هذه الوزارات أن تطلعه على أنشطتها وأن تستأذنه في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة وأن ترفع إليه تقارير حول نشاطها كما هي مطالبة بتنفيذ البرامج التي يتفق عليها رئيس الجمهورية مع ممثلي الدول الأجنبية أثناء استقباله لهم أو استقبالهم له. ويدخل في ذلك القيام بعدة مهام مثل النظر في تسليم المجرمين الأجانب ومنح الجنسية التونسية والنظر في السياسات الخارجية في المجالات المالية والاقتصادية والاستثمارية…
والمستحسن استعمال عبارة أكثر وضوحا في الدلالة على أن المقصود هو أن رئيس الجمهورية هو صاحب الاختصاص في مجال العلاقات الخارجية، إشرافا وتأطيرا وقيادة.
3- علاقة رئيس الجمهورية برئيس الحكومة : إن الإشارة في مشروع الدستور إلى أن رئيس الجمهورية يرسم السياسة
الخارجية “في انسجام مع السياسة العامة للدولة” قد تجعل من رئيس الجمهورية مجرد منفذ للسياسات العامة للدولة التي يضبطها رئيس الحكومة، حال أن انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب يخوله التصرف بحكمة في إطار الخيارات الوطنية ومصلحة البلاد. والأوْلى أن يشترك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في رسم السياسة العامة للدولة بما في ذلك السياسة الخارجية.
4. الرقابة على صلاحية رأسي السلطة التنفيذية في مجال التعيينات:
لا يضمن مشروع الدستور المعروض علينا مبدأ التوازن الوارد في التوطئة بدرجة كافية، حيث إن رئيس الجمهورية يمارس سلطة التعيين في الوظائف العليا العسكرية لكنه يخضع إلى رقابة اللجنة البرلمانية المختصة في حين لا يخضع رئيس الحكومة إلى نفس الضوابط. وتفاديا لتعطيل عمل أجهزة الدولة، يقترح أن يتم إحداث لجنة برلمانية تتولى متابعة التعيينات في كافة الوظائف العليا بقطع النظر عن جهة التعيين، على أن ترفع تقريرا إلى المجلس بجلسته العامة والذي يحق له مساءلة رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة عن سياسته في مجال التعيين.
5. بخصوص الصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية بموجب الفصل 77
1.5. سكت مشروع الدستور عن منح رئيس الجمهورية سلطة اتخاذ النصوص الترتيبية في بعض المجالات التي لها اتصال وثيق بسير مصالح رئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها. والمقترح أن ينص على منحه هذه الصلاحية في ما يتعلق بتنظيم مصالح رئاسة الجمهورية حتى لا تؤول هذه الصلاحية إلى رئيس الحكومة.
2.5. وكذلك الشأن بالنسبة لإحداث المؤسسات العمومية الخاضعة لإشراف رئاسة الجمهورية أو التابعة لها أو الملحقة بها وتنظيم سيرها وضبط القوانين الأساسية لأعوانها.
3.5. كما يقترح منح لرئيس الجمهورية ضبط الأنظمة الأساسية للأسلاك العسكرية كما ينص عليه الفصل 6 من قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية حاليا.
4.5. في ما يتعلق بسلطة اتخاذ القرارات الفردية يُقترح التنصيص على أن سلطة رئيس الجمهورية تشمل التعيينات والإعفاءات ومنح الترقيات والمكافآت بأنواعها بالنسبة للأعوان الخاضعين لسلطته. ويشمل ذلك الترقيات الاستثنائية المنصوص عليها بقانون الوظيفة العمومية وغيره من القوانين الخاصة.
5.5. تعيين الوزراء المكلفين بالقطاعات التي تهمه الاقتراح أن لا يقتصر الأمر على تشاور رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية في خصوص من يتم اقتراحه لتولي منصبي وزير الدفاع الوطني ووزير الشؤون الخارجية. فالأوْلى هو إما أن يقع منح رئيس الجمهورية حق الاعتراض على تعيين من يقترحه رئيس الحكومة لهذا المنصب أو إقرار تقديم مرشح مشترك مع رئيس الحكومة بالنسبة لهذه الوزارات. وفي هذه الحالة ينبغي على رئيس الحكومة اقتراح مرشح بديل قبل المرور إلى مجلس نواب الشعب.
5-6 اتخاذ المراسيم : حسب مشروع الدستور، لا يقع حل مجلس نواب الشعب إلا في حالة واحدة وهي حالة عجزه عن الموافقة على تشكيل الحكومة، بما يعني أن الحكومة القائمة هي مجرد حكومة تصريف أعمال. ومنطقيا، لا يمكن لرئيس حكومة تصريف أعمال أن يتخذ قرارات إدارية هامة، ومن باب أولى وأحرى لا يكون مؤهلا للقيام بالوظيفة التشريعية التي تخرج أصلا عن اختصاصه. والمقترح أن توكل مهمة اتخاذ المراسيم إلى رئيس الجمهورية خاصة أنه يتمتع بمشروعية يستمدها من كونه منتخبا مباشرة من الشعب. إن الفصل 69.في الفقرة الأولى تحتوي إخلالا خطيرا قانونيا، إذ لا يمكن في حالة “حلّ المجلس” “لرئيس الحكومة” (و الحكومة لم تشكّل بعد) أن يتّخذ مراسيم.
5-7 – حق المبادرة التشريعية لرئيس الجمهورية في ما يتعلق بالمعاهدات والاتفاقيات. إن احتكار رئيس الحكومة لصلاحية عرض مشاريع قوانين المصادقة على المعاهدات لا يتماشى مع اختصاص رئيس الجمهورية في مجال العلاقات الخارجية وتمثيل الدولة. فيفترض أن تكون هذه الصلاحية حكرا على رئيس الجمهورية أو أن تكون هذه الصلاحية مشتركة بين رئيس الجمهورية والحكومة. ويمكن اشتراط التوافق بينهما على مشاريع قوانين المصادقة على المعاهدات المعروضة على المجلس النيابي.
5-8 رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء
إن اختيار نظام سياسي تكون فيه السلطة التنفيذية برأسين لا يتنافى مع رئاسة مجلس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية. ومن جهة أخرى، الاقتراح مزيد توضيح الأحكام المتعلقة بصلاحية رئيس الجمهورية في تحديد جدول أعمال مجلس الوزراء الذي يرأسه، لاسيما في صورة صدور الدعوة عنه، وأيضا في تنفيذ القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء المنعقد برئاسته. *
6-الأحكام الانتقالية لا يمكن للدستور أن يدخل حيز التنفيذ حال نشره لأن هذا يعني مثلا أن تعطى لرئيس الجمهورية صلاحيات واسعة والحال أنها لن تكون شرعية إلا لمن انتخبه الشعب ولا يمكن أن يبقى معلقا وأن تمارس سلطات ضدّ مبادئه في فترة انتقالية قد تدوم أشهرا طويلة .
ومن ثمة الاقتراح
في مجال الحريات والحقوق والواجبات يدخل الدستور حيز التنفيذ حال ختمه .
في مجال تنظيم السلطات التنفيذية والتشريعية يدخل الدستور حيز التنفيذ حال انتخاب رئيس الجمهورية ومجلس الشعب.
في مجال اختصاص المؤسسات الدستورية يدخل الدستور حيز التنفيذ حال انتخابها .
إبان هذه المرحلة الانتقالية يتواصل العمل بمقتضيات التنظيم المؤقت للسلطات ويواصل المجلس التأسيسي مهامه التي تنتهي بانتخاب مجلس الشعب ولا يحق له في الأثناء أن يصدر أي قانون يتعارض مع نص الدستور .
****
والله وليّ التوفيق