المنصف المرزوقي “للقدس العربي”:
كنت سأعرض على القادة المغاربيين فكرة الحريات الخمس للبدء بتحريك الجمود
اجرى المقابلة في سوسة بتونس نزار بولحية
بحلول الرابع والعشرين من الشهر الجاري يكون قد مضى عام كامل على اعلان الرئيس التونسي الاسبق المنصف المرزوقي الانسحاب من الحياة السياسية في بلاده. ورغم قلة ظهوره الاعلامي و الظروف التي فرضتها جائحة كورونا فقد قبل الدكتور المرزوقي وبكثير من رحابة الصدر ان يستقبلنا في بيته في سوسة على الساحل الشرقي لتونس للحديث حول عدة القضايا والملفات تخص تداعيات قراره ترك العمل السياسي المحلي ودور المجلس العربي الذي يرأسه وامكانية شغله لمنصب في احدى المنظمات الدولية و قراءته للانتخابات الامريكية وموقفه من قضية الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم و تصوره لمسار التطبيع مع الكيان الاسرائيلي ورايه في مخرجات الحوار الليبي في تونس ومستقبل الوضع في الجزائر ثم رؤيته لحل القضية الصحراوية التي لاتزال تكبل الاتحاد المغاربي والمتمثل في ضرورة منح الصحراويين الحكم الذاتي ضمن المغرب وداخل المغرب الكبير كما قال ليختتم حديثه بتوجيه دعوة للسلطات السعودية بمناسبة استضافتها قمة العشرين لاطلاق سراح سجناء الرأي والسجناء السياسيين المعتقلين لديها ويجدد التأكيد في الختام على ان الحرب ضد الاستبداد العربي بدأت ولن تتوقف الا بزواله.
وفيما يلي نص المقابلة :
القدس العربي : اعلنت قبل عام من الان انسحابك من الحياة السياسية في تونس واكدت بالمقابل انك لن تتخلى عن الدفاع عن قضايا الشعب التونسي. لكن ما حصل هو ان من تصفهم بالمنظومة القديمة استغلوا ذلك لابعادك تماما لا عن المشهد السياسي فحسب بل حتى الاعلامي . وطوال عام كامل لم تظهر تقريبا الا في وسائل الاعلام العربية والدولية مع غياب عن الاعلام المحلي.كما ان السلطات الحالية لم توجه لك اي دعوة لتقدم افكارك ومقترحاتك حول الحلول الممكنة للازمات التي تمر بها تونس مثلما فعلت مع مسؤولين سابقين. فكيف تنظر الى ذلك وهل تعتبر ان اعلانك الانسحاب من الحياة السياسية كان هدية على طبق لمن ارادوا ابعادك عن الشأن العام في تونس ؟
المنصف المرزوقي : السؤال متعدد الابعاد. اولا فيما يخصني انا انسحبت من الحياة السياسية الحزبية بمعاركها وصراعاتها ومشاكلها التي اخذت الكثير من وقتي وجهدي لكني لم انسحب من الحياة السياسية في المطلق باعتباري مواطنا اعيش في هذا الوطن واتابع الامه واعتبر نفسي مسؤولا عنه مثل كل المواطنين خاصة اني دفعت خمسين سنة من اجله ولذا فلن اتخلى عنه . لكني الان خارج لعبة الصراع على السلطة ويمكنك ان تقول انني في موقع ” ستاند باي ” ، اذا وقعت تهديدات على الدستور او على النظام الديمقراطي او تهديدات خارجية فانني انذاك ساتدخل بكل قوة . فهذا وطني ولن اتخلى عنه ابدا
اما مسالة تغييبي فهذا شيء طبيعي فهناك قوى سياسية واعلامية تريد ان تمسح ذكراي تماما من الوجود وكانه ليس انا من ادخل” النظافة ” الى قصر قرطاج و من حارب الفساد ومن مهر الدستور ووقع عليه . ان هؤلاء يريدون فسخي من الذاكرة وهذا ما اعتبره تصرفا صغيرا . واريد فقط ان اذكر اني لما استلمت الرئاسة بادرت بزيارة الاستاذ احمد المستيري في بيته لاخبره اننا سنواصل السير على نهج نضالاته من اجل تونس . كما زرت عدة مناضلين اخرين في بيوتهم . يعني انني لم ادعي ابدا ان التاريخ بدأ معي بل كنت مجرد حلقة من ذلك التاريخ . لكن هناك ناس تدعي الان ان التاريخ بدأ معها وانها الشخصيات الوحيدة في البلاد وانا غير معني بما تقوله. اما بالنسبة للاعلام فساكون صريحا معك انا اعتبر ان الاعلام التونسي قد اضر كثيرا بي وبالثورة وبكل ما أؤمن به وانا آسف لذلك لاني ناضلت من اجل حرية الراي والتعبير وكنت اول ضحايا للاعلام الحر الذي ناضلت من اجله. وانت تعلم انه ورغم كل ما جناه علي هذا الاعلام فاني لم ارفع قضية باي صحافي . لكن لدي احتراز كبير من الاعلام التونسي في الوقت الحالي ولست مستعدا الان للتعامل معه. ان هناك نوعا من الحاجز النفسي بيني وبين هذا الاعلام الذي لعب دورا مخربا وهداما وساهم في تشويهي واسقاطي في الانتخابات وضرب الثورة وهو اليوم احد اكبر المشاكل في تونس وطالما لم يتم اصلاحه فلن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في البلاد.
القدس العربي : تترأس منذ ست سنوات المجلس العربي او ما كان يعرف بالمجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية. هل تعتقد ان ما يقوم به المجلس الان يجد صدى حقيقيا في الشارع العربي او يؤثر في مسار الثورات والانتفاضات التي تحصل في بعض الاقطار العربية ؟
المنصف المرزوقي : لقد اسسنا المجلس العربي أنا والأخت توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام وأيمن نور ابرز معارضي السيسي وعضدي الأيمن كما يقال عماد الدايمي ليجمع نخبة من الناس الذين يفكرون في الثورة ويجتهدون لاستنباط افكار للمستقبل . يعني انه ليس حزبا او مجموعة لقيادة الجماهير بل هو عبارة عن مختبر للتفكير الاستراتيجي العربي . وقد بدأنا في العمل ونظمنا اجتماعا كبيرا في اسطمبول منذ سنتين وحددنا التوجهات الكبرى لهذا العمل الفكري وللاسف الشديد جاءت جائحة كورونا واوقفت العمل مؤقتا ونبحث في صيغ جديدة .
القدس العربي : يتحدث البعض عن امكانية ان يسند اليك منصب دولي هام كأن يتم تعيينك مبعوثا امميا في احدى مناطق النزاعات في العالم . فهل هذا وارد ؟
المنصف المرزوقي : في الوقت الحالي لم يعرض علي شيء من هذا القبيل . لكني مستعد ان اخدم حقوق الانسان والديمقراطية في الوطن العربي وفي افريقيا وفي اي مكان في العالم. غير ان كل شغلي الان هو التفكير والاعداد لكتاب سميته “المراجعات” اراجع فيه نفسي وتجربتي وابحث فيه عن الفكر السياسي في القرن الحادي والعشرين واراكم فيه تلك الخبرة التي اكتسبها على مدى خمسين عاما في المعارضة والصراع مع الاديولوجيات القومية والوطنية والديمقراطية وساحاول ان اجمع كل ذلك كي تستفيد منه الاجيال المقبلة . وكما قلت لك انا دائما على اهبة الاستعداد للدفاع عن الوطن وخاصة اذا وقع تهديده داخليا او خارجيا.
القدس العربي : لنتحدث الان عن الانتخابات الامريكية . لقد ابديت نوعا من التفاؤل بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن . فهل تعتقد اننا سنشهد بالفعل انعطافة في السياسة الامريكية تجاه عدة قضايا في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية ؟ وهل سيكون بوسع بايدن ايضا ان يسحب البساط من تحت اقدام الطغاة العرب ويوقف الحماية التي كان يوفرها لهم ترامب مما يفعلونه بشعوبهم ؟
المنصف المرزوقي : انا انظر للمسألة من عدة مستويات. و اولها مستوى العالم فانا لا احصر نفسي في كوني عربيا مسلما. فانا انتمي للانسانية ولهذا فليس هناك شك في ان بايدن اصلح مليون مرة من ترامب من ناحية مصلحة البشرية . ويمكن القول ان تسعة وتسعين بالمئة من الاشياء التي تجعلني افضل بايدن هي قبوله باتفاقية باريس حول المناخ . وربما لا يفهم الكثيرون اهمية قضية المناخ . ثم في الجانب الحقوقي هل يمكن ان تقارن بين شخص عنصري معاد للعرب والمسلمين والسود وشخص آخر يقول انه سيرفع الحظر عن دخول المسلمين لامريكا ويصرح انه ضد العنصرية ؟ فهل هناك انسان عاقل يساوي بين الاثنين ؟ ان المشكل هو ان العرب لا يفكرون الا من زواية واحدة . لكني اقول انه فقط لاجل قضية الاحتباس الحراري والعنصرية داخل امريكا فان الافضلية لبايدن. اما بالنسبة للقضية الفلسطينية فكيف يقول البعض انهما وجهان لعملة واحدة ؟ الهمّ فيه ما تختار كما يقال وعربيا او انتخب ترمب لرأيت التهاب الثورة المضادة على الأقل سيحاول المستبدون التخفيف من غلوائهم وربما يؤدي هذا لسراح بعض المعتقلين .
القدس العربي : في علاقة بالانتخابات الامريكية هل تتوقع حصول اضطراب او حتى فوضى من هنا الى حلول موعد تسليم السلطة في البيت الابيض في يناير المقبل ؟
المنصف المرزوقي : انا لا اقرأ الفنجان . انا فقط اتابع ما يجري في امريكا بشكل دقيق. لقد كان هناك تخوف من حصول فوضى ابان الانتخابات لكن هذا لم يحصل مما يدل على ان الديمقراطية الامريكية قوية .غير ان هناك الان من يحاول التشكيك في النتائج. وخلافا لما قد يعتقده البعض لا يجب ان تنسى ان ترامب ليس رئيسا عربيا اي ديكتاتورا يتحكم في كل شيء. فامريكا دولة مؤسسات وهو لا يملك دوليب الدولة وبالتالي فلا خوف من حصول فوضى وسيطرد شر طردة وسننتهي من هذا الكابوس ومن هذا النوع من الزعماء الشعبويين. وانا ارى ان هزيمة ترامب هي هزيمة الشعبوية وهذا جيد ويدل على ان للديمقراطية لازالت لها مخالب وانياب.
القدس العربي : لننتقل الان الى قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم هل تعتقد ان الرد على تلك الاساءة يكون بمقاطعة البضائع والمنتجات الفرنسية لان الطبقة السياسية الفرنسية كما يرى البعض لن تغير مواقفها من المسالة ما لم تشعر بان المصالح الاقتصادية لفرنسا قد باتت مهددة بشكل من الاشكال ؟
المنصف المرزوقي : انا اخذت موقفا واضحا وصريحا في هذا الموضوع وادنت تلك الرسوم وتحملت مسؤوليتي . واستغرب كيف ان الزعماء العرب لم يتحدثوا عن ذلك. هذه النقطة الاولى اما النقطة الثانية فهي انني دائما ما اقول اننا لسنا في حرب مع فرنسا ولكننا في حرب مع اليمين الفرنسي المتطرف . وهذا اليمين المتطرف الفرنسي يتغذى من الحركات الاسلامية المتطرفة وهي بدورها تتغذى منه. وبالتالي فلا يجب ان نسقط في فخ المزايدة بين التطرفين لبعث الانشقاق والفرقة بين الشعوب . وانا اعتقد انه يجب على الحكومات العربية والاسلامية ان تكون واضحة وصريحة في التعبير عن رفضها المس بالمقدسات وان تبلغ فرنسا ذلك . وبالمقابل فاننا يجب ان نتحكم اكثر في اعصابنا وان لا نرد او ندخل في مناكفات او مزايدات قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه .
القدس العربي : الاعلان عن عودة التنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي هل سيكون برايك مبررا لالتحاق دول عربية اخرى بقطار التطبيع واقتناعها بما قاله وزير خارجية البحرين الاربعاء الماضي في مطار بن غوريون من انه “حان الوقت لان ننتهج سياسات اخرى للتوصل الى حل شامل يحقق الازدهار والنماء للجميع”؟
المنصف المرزوقي : ان أكبر خديعة يقوم بها هؤلاء هي محاولة ايهام الراي العام بانهم يسعون الى السلام . وانا اقول هذا ليس سلام بل استسلام . من لا يريد السلام؟ . نحن نريد السلام بانهاء معاناة الفلسطينيين وفك الحصار عن اخوتنا في غزة لكن ليس بالاستسلام. والقضية اذن ليست التطبيع او عدم التطبيع وبين قوسين فلفظ التطبيع خاطئء. فما معنى التطبيع ؟ هل كانت لنا علاقات طبيعية في السابق لنعود الان اليها ؟ ان القضية كما قلت هي اما سلام او استسلام. ونحن مع السلام اما هؤلاء فهم مع الاستسلام. نحن نريد سلاما حقيقيا مبنيا على احترام حقوق الشعب الفلسطيني اما هؤلاء فهم مستعدون لرميها والاستسلام مقابل توفير الحماية لهم . واذا نظرت الى الاسباب التي تدفع دولا كالبحرين والامارات الى الاستسلام فستجد انهم يساومون امريكا بورقة فلسطين لتحميهم من البعبع الايراني ومن الثورات العربية . هذه هي كل القصة. اما نحن فلسنا بحاجة الى تلك الحماية ويجب ان نستمر في القول نعم للسلام لا للاستسلام.
القدس العربي :دعنا نتحدث الان عن ليبيا . كيف تنظر الى الاعلان في اعقاب جلسات منتدى الحوار الليبي في تونس عن تنظيم انتخابات عامة في ليبيا في ديسمبر من العام المقبل . هل ترى ذلك ممكنا في ظل حالة الانقسام التي تشهدها و حدة الاستقطابات والتدخلات الخارجية فيها ؟
المنصف المرزوقي : لا اعتقد ان ذلك الحل سيكون ممكنا. وللاسف الشديد فان ما حصل هو ارجاء المشكل . والاكيد هو ان هناك اطرافا اقليمية ستتدخل فحفتر والعراب الاماراتي الذي وراءه لن يسمحا مثلا بذلك. وللاسف بالنسبة للشعب الليبي فالطريق ما زالت طويلة للوصول الى السلام. وهذا بفعل التدخلات الخارجية. والاستنتاج الذي يدل عليه ذلك هو اننا اصبحنا امة تحت الوصاية . فهناك الان تقريبا ثلاث او اربع دول عربية غير موجودة فعليا كدول مستقلة اي تحت الوصاية المباشرة. فمن يتحكم في القرار الليبي اليوم للاسف هي الاطراف الخارجية واخوتنا الليبيون هم ضحايا لفقدانهم استقلالهم اما اغلب الدول العربية الاخرى فهي تحت الوصاية المقنعة . والمعركة اليوم في الدول العربية هي وبالقدر نفسه استعادة الاستقلال الوطني ومحاربة الاستبداد .
القدس العربي : بخصوص الملف الصحراوي وبعد التوتر الاخير وما حصل في منطقة “الكركارات” لاحظنا نوعا من الصمت الرسمي في بلدين مغاربيين هما تونس وموريتانيا.هل ترى الامر مبررا ؟ وهل تعتقدان مثل ذلك الموقف قد انهى فعليا اخر فرصة لاعادة احياء اتحاد المغرب العربي ؟ ثم هل ترى ان تمسك تونس وموريتانيا بالحياد في هذا الملف بالذات مازال الان مناسبا ؟
المنصف المرزوقي : انت تعلم الى اي مدى انا مغاربي سعيت واسعى الى الدفع بهذا المشروع . لكن من الواضح ان هناك قوى مصممة على اجهاضه . وبالتالي فكلما تقدمنا ووجد حل معقول للمشكل الصحراوي في اطار الحكم الذاتي داخل المغرب واتحاد مغاربي كبير الا تقوم قوى معينة بنوع من الضربات الارهابية لمنع ذلك. والناس التي تتحمل مسؤولية افشال المشروع المغاربي هي التي تقف وراء عمليات البوليزاريو الاخيرة التي لا هدف من وراءها الا منع اي تقارب او تحقيق للحلم المغاربي . وانا لدي امل في ان التغيير الذي سيحصل في الجزائر بتغيير القيادت وبالحراك وبالديقراطية سيأتي بجيل جديد من الحكام تكون لهم الشجاعة والوطنية ليفهموا ان هذه السياسة التي ضيعت علينا اربعين عاما يجب ان تنتهي وانه ينبغي علينا اليوم ان ندخل في عملية ايجابية للتقارب بين الشعوب . فلا يمكن ان نضحي بمستقبل مئة مليون مغاربي لاجل مئتي الف صحراوي في حين ان هؤلاء يجدون انفسهم معززين ومكرمين داخل اتحاد مغاربي وضمن الحكم الذاتي في الدولة المغربية. نحن نريد توحيد الدول ولا نريد اعادة التقسيم. لانه ان قبلنا بذلك فمالذي سيمنع غدا من المطالبة بتقسيم الجزائر او تونس ؟. لقد كنا للاسف الشديد رهائن لدى مجموعة في النظام الذي ثار ضده الشعب الجزائري. واملي الكبير في ان الجيل الجديد من الحكام الجزائريين الذي سياتي به الحراك والديمقراطية هو من سيسعى الى انهاء هذه المشكلة وان نبني اتحاد المغرب الكبير الذي لن يكون بالبوليزاريو وبتقسيم المغرب.
القدس العربي : لكن هل ترى ان الحياد التونسي والموريتاني في ملف الصحراء مازال له معنى ؟
المنصف المرزوقي : لا ليس لم يعد له معنى و لم يعد ممكنا . ان مستقبلنا في الاتحاد المغاربي . والاتحاد معطل بسبب هذه المسالة . طيب كيف نتجاوزها ؟ هناك حل وهو الحكم الذاتي داخل المغرب ثم بناء اتحاد مغاربي اوسع يضم الصحراويين وباقي مكونات الشعوب المغاربية .
القدس العربي : هل تقول اذن بناء الاتحاد المغاربي يمر من خلال قبول كل الاطراف بحل المشكل الصحراوي في اطار الحكم الذاتي للصحراء داخل المغرب ؟
المنصف المرزوقي : طبعا بالضبط. وهذا هو موقفي دائما وابدا .
القدس العربي : لكنك خلال فترة حكمك لم تقل ذلك بوضوح. لقد ظل الموقف الرسمي التونسي في تلك المسالة حتى حين كنت رئيسا محافظا على الحياد .
المنصف المرزوقي : لا لا… من بداية الثورة الى حين رحيلي عن الحكم كان موقف النظام الجزائري القديم مني ومن تونس سلبي وسلبي جدا حتى لا اقول اكثر. لماذا ؟ لانهم كانوا يعرفون ان موقفي وموقف تونس هو عدم الايمان بالرؤية الجزائرية لملف الصحراء .
القدس العربي : عفوا ولكننا لم نسمع منك خلال مدة حكمك اي تصريح بذلك .
المنصف المرزوقي : كنت اسعى خلال فترة حكمي الى جمع القادة المغاربيين وطلبت منهم الاجتماع في تونس . وقد قبلوا كلهم عدى قادة الجزائر وكنت افكر في ان اعرض عليهم في ذلك الوقت عدة مقترحات . وهي اولا مسالة الحريات الخمس اي حرية التنقل والاقامة والعمل والتملك والمشاركة في الانتخابات البلدية للمغاربيين في الدول الخمس ثم ايجاد حل لقضية الصحراء في اطار الحكم الذاتي. و كانت هناك فكرة تروج في ان يكون للجزائر منفذ على المحيط الاطلسي ان وافق المغرب بالطبع . كل هذه الأفكار في إطار حسن النوايا كان بوسعها تحريك الملف في مصلحة الشعوب والدول لكن الحسابات الخاطئة والأحقاد القديمة غلبت للأسف
القدس العربي : قبل خمسة شهور تقريبا قلت لي ان الحراك الجزائري قد حقق مطالبه . الان وفي ظل الظروف الحالية هل مازلت تعتقد في ذلك ؟
المنصف المرزوقي : ان مطلب الحراك كان بالاساس انهاء احتقار الذكاء الجزائري والكرامة بخصوص إعادة ترشيح شخص كان عجزه لا يخفى على أحد وانهاء سيطرة مجموعة معينة . وهذا اعتقد انه تحقق وعندي قناعة ان بعبع الدولة المخابراتية العسكرية في الجزائر قد انتهى وانه مات في عقول وقلوب الجزائرين وانهم لم يعودوا يشعرون بالخوف من الدولة العميقة . ولدي قناعة ان الجزائر في السنوات العشر المقبلة ستكون جزائر مختلفة بحكم تجدد الطبقة السياسية. وانا لدي ثقة تامة في الشعب الجزائري سيقدم لنا في السنوات العشر المقبلة قيادة سياسية جديدة ستبني الاتحاد المغاربي وستفتح الباب للاحلام التي امني بها نفسي منذ سنوات .
القدس العربي : تستضيف السعودية السبت المقبل قمة العشرين التي تعقد هذه المرة افتراضيا وعن بعد. كيف تنظر لمثل هذه الاجتماعات وهل تراها مجدية ؟
المنصف المرزوقي : ربما سيكون النفع الوحيد لهذه القمة هو اطلاق سراح لجين الهذلول وبقية المناضلات وكذلك والشيوخ والعلماء المعتلقون ومنهم الشيخ العودة . واذا لم يطلق النظام السعودي سراج مجموعة كاملة من المعتقلين السياسيين اسلاميين وعلمانيين فتكون بالفعل معرة لقادة الدول الغربية المشاركة في القمة لان حضورهم معناه انهم يوافقون على السياسات القمعية وهذا سيضرب مصداقيتهم اكثر فاكثر لدى اربعمئة مليون عربي . وانا أمل أن تبادر السلطات السعودية بإطلاق سراح كل المعتقلين قبل القمة .
القدس العربي : قلت لي في مناسبة سابقة ان الثورات العربية مستمرة . لكن ما نراه الان في الواقع هو ان الاستبداد العربي متواصل. هل مازال لديك امل في صحوة مقبلة للشعوب العربية ؟
المنصف المرزوقي : ارجع لما كان يقال مثلا في 2009 في برنامج الاتجاه المعاكس من ان الشعوب العربية انتهت لكن بين عشية وضحاها قامت الثورة. ثم في 2013 عادت الدكتاتورية في مصر وقال البعض ان الربيع العربي مات وصار ما صار في تونس واليمن وسوريا وليبيا . لكن ماذا حصل بعدها ؟ انتفاضة في السودان ولبنان والجزائر والعراق . والان يقولون الشيء نفسه . انتظر وسترى في العشرية الثانية للثورة موجة ثالثة نفس البلدان وبلدان أخرى . ان المسار قد انطلق وهو يشبه مسار انطلاق المعركة ضد الاستعمار. فهل توقفت تلك المعركة لانه حصل تعطل في بلد ما . لقد تواصلت الى ان خرج الاستعمار . نحن الان في الوضع نفسه. ان الحرب ضد الاستبداد بدأت هي لن تتوقف الا بزواله .