“لبيّك اللهم لبيك”. نُفخ في الصور للمثول أمام صاحب الأمر.
أقوام آتية من كل آفاق الفضاء الحسّي بإناثها وذكورها، بشيبها وشبابها، بأقزامها وعمالقتها، بمرضاها وأسويائها. تكاد تشعر بكثافة حضور كل من تدافعوا في هذه الساحة طوال القرون الغابرة. ربما يوجد بيننا أشباح لحجاج من المستقبل السحيق استعجلوا الحضور لا صبر لهم على طول الفراق. الثابت أن الشمل التأم منهيا ولو للحظة حالة التشتّت والتشرذم التي عانت منها عائلة ممزقة تاه أفرادها في خضم عالم الانبهار والرعب. فقبل أن يكون مكان الموعد مع الله هذا مكان الموعد مع أطفال الأم الذين أخذهم الطريق في كم من اتجاه والذي لا بدّ من حضورهم وقد وضعوا أسلحتهم جانبا لتتشكل الجوقة وبعدها نتقدّم إلى “الأب الذي في السماوات” متحدين ، مسالمين آمنين من بعضنا البعض نزفّ له بشرى نجاح تجربته .
تهمس “ما”: حدّثني… حدّثني عنها…الكعبة !
– أبصرتها من آخر الصفوف وظهري للباب من شدّة الاكتظاظ. مشهد ليس كمثله في عالم الآدميين. مشهد بحر، أمواجه الخرق البيضاء للملايين وعليها أخشاب الشيوخ والمرضى طافية والمرفأ مكعب أسود ….بحر أمواجه لا تتدافع نحو الشاطئ لتتكسّر على حاجزه وإنما تحاصره وتدور حوله لا تتوقف لحظة.
طواف الآدمي حول بيت ربّه طواف الكواكب حول الشمس…طواف القمر حول الأرض… طواف الشوارد حول نواة الذرّة… طواف الأحياء حول الموت وطواف الأموات حول الحياة…الحركة الدائرية التي هي أساس كل شكل هندسي كامل مكتف بذاته…من المخرج العبقري الذي وضع لوحة بمثل هذا الجمال والجلال؟
ذكريات الحج من كتاب الرحلة
[:ar]