السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اخوتي أخواتي
كم كنت أودّ أن أكون بينكم في مراسم أربعينية الرئيس الشهيد محمد مرسي وتعرفون مشاعري تجاهه لكن الأقدار شاءت غير هذا بوفاة رئيس الجمهورية الأستاذ الباجي قايد السبسي هذا اليوم الخميس 25 يوليو. وعدا تقديم التعازي لأهله ولأصدقائه وللشعب التونسي فإن واجبي كرئيس تونس السابق حضور جنازته وهو ما سيمنعني من المشاركة معكم.
اعذروا إذن غيابي واسمحوا لي ولو من بعد، أن أرحب بكم جميعا في هذا اللقاء وذلك باسم المجلس العربي وباسم رفاقي الأساتذة أيمن نور وتوكل كرمان وعماد الدايمين وأحمد طعمة وباسمي الخاص.
نقف اليوم خاشعين لذكرى أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا من طرف شعب حررته ثورة 25 يناير المجيدة من أغلال قرون وقرون من الاستبداد هل ثمة رجل يمكن له أن يفاخر في مصر بتكريم كهذا وهل قتل لأنهم لم يتحملوا أنه هو الذي تُوج مساره النضالي بدعم من الله ورضاه بهذا التاج المكلل بالشرف الأثيل ؟
أيها الاخوة والأخوات
وأنا أبحث عن العبارات لكتابة هذا التأبين تساءلت أي كلام قد يستهجنه فقيدنا وروحه الطاهرة حاضرة بيننا.
قطعا لا أظنه كان يرضى بالكلام المبتذل الذي يقال عن كل الموتى وقد اكتشف المؤبن والمستمعون ما خفي من صفات مذهلة لم يتغنى بها الكثيرون إبان حياة الفقيد والأمر في اسوأ الأحوال تصنّع لا يغني ولا يسمن من جوع وفي أحسنها اعتراف جاء بعد الأوان .
قطعا أنا على يقين أنه كان سيكره منا أيضا أنين الألم وشكوى المظلوم والبكاء على الأطلال والدعاء على من جرّعوه إلى آخر قطرة علقم الخيانة والغدر والتنكيل.
كأني به يأمر بصوته الهادئ ألا نرتكب في حقه وحق كل الشهداء الأبرار شيئا من هذا القبيل. ماذا إذن؟
خشيتي الأخرى أن أقوّله ما أريد كما يفعل من لا حياء لهم .
الأمل الوحيد في ألا أخطئ المرمى اختيار كلمات ومعاني لا تخون أفكار وقيم رجل صادق لم يخن يوما قضية أو أحدا على عكس من نكلوا به وذلك استنادا على معرفتي برجل جمعتني وإياه صدف تاريخ أمتنا في مرحلة من أدق مراحله.
استنادا لهذه المعرفة ولحدس أرجو ألا يخيب، أجزم بأن الرئيس الشهيد لا يريدنا لا في هذه الأربعينية ولا بعدها في سائر الأيام والسنين:
-أن نبكي لموته وإن فاضت قلوبنا بالحزن والألم.
-أن نغضب لظروفها ولآلام نقدّر اليوم كم كانت رهيبة وهو يعاني العزلة والاهمال والتشفي طوال ست سنوات عجاف.
-أن نحقد على صغار النفوس الذين لم يذلوا إلا أنفسهم عندما عاملوا فارسا بدناءة ستبقى وصمة عار في جبين من لم يرتقوا يوما لأخلاق الفرسان.
-أن ننغمس في أحلام أو مشاريع الانتقام نضع أنفسنا في مستوى من لم تحركهم إلا أخسّ الغرائز.
ما أنا متأكّد منه على العكس من كل هذا:
-أن الرئيس الشهيد يريدنا أن نحتفي بالثورة المباركة التي أخرجت الشعب المصري ولو لفترة وجيزة من قرون طويلة من استبداد أقلية فاسدة عنيفة استأثرت دون حق منذ آلاف السنين بالثروة والسلطة والاعتبار.
– ما أنا متأكّد منه على أنه يريدنا أن نحتفي بالحرية التي ذاق طعمها شعب لن ينسى أبدا كم الحرية حلوة المذاق.
– ما أنا متأكّد منه على أنه يريدنا أن نحتفي بأموات رابعة وكل الذين ضحوا بحياتهم لتحيا مصر وقد خرجوا من الحياة أبطالا ودخلوا الآخرة شهداء.
– ما أنا متأكّد منه على أنه يريدنا أن نحتفي وأن نفاخر ببطولات المقاومين السلميين المكدسين في سجون مصر وهم يواصلون صبره على الأذى وإصراره على مبادئه وتمسكه إلى آخر نفس بكرامته وكرامة كل الذين يمثلهم أحسن تمثيل.
– ما أنا متأكّد منه على أنه يريدنا أن نحتفي بتجذر وتواصل روح المقاومة عند الشعب المصري والشعب الفلسطيني والشعب السوري والشعب اليمني والشعب الليبي والشعب التونسي وكل الشعوب في العالم التواقة لنظام سياسي يضمن العدل والحرية لجميع المواطنين.
كم منعشة ومحببة صورة انتشاء روحه الطاهرة وهي ترفرف على جحافل شعوب المواطنين وقد غزت شوارع الجزائر والسودان وتونس، هذه الشعوب التي خيل للسذج والمتوهمين أنها تقبلت رسالة الثورة المضادة بالخضوع الأبدي وإلا فسيتم سحقها بالعنف الأعمى …وها هي تعود للهدير كالنهر المتدفق الذي لا يوقفه سد من القش والطين.
-ما أنا متأكّد منه أيضا أنه يريدنا أن نحتفي باستشهاده وهو لم يغادر الدنيا إلا وقد أدى واجبه تجاه ربه وشعبه ووطنه أحسن أداء. أي نجاح أعظم من هذا النجاح وأي حياة أكثر اكتمالا من هكذا حياة؟
أيها الاخوة والأخوات
منعوا أهل قريته من تشييع جنازته فشيعتها الجماهير الغفيرة للأمة العربية والاسلامية داخل القلوب الملآنة تعاطفا وحبا وامتنانا .
أرادوا حصره في مصريته فخرجت الجماهير الغاضبة في الرباط والجزائر وتونس تصرخ لا إله إلا الله محمد رسول الله مرسي شهيد الله وقاتله عدو الله.
حاولوا حصره في اخوانيته فتجاوبت معه أفئدة كل انصار العدل والحرية سموا علمانيين أو ليبراليين أو ديمقراطيين أو إسلاميين .
عزموا على فسخ اسمه من التاريخ فكانوا بأعمالهم المشينة بالانقلاب وما ارتكبوا من ظروف السجن والوفاة سبب دخوله هدا التاريخ من اوسع أبوابه.
وإنها فقط بداية الارتدادات التي ستتواصل سنينا بل عقودا بل قرونا على جريمة دولة نكراء لقتلة برداء القانون وهم أفظع القتلة على مرّ التاريخ.
اخواني أخواني
تذكروا آخر كلماته قبل الانقلاب المشؤوم وأنه أوصى بأن تتواصل الثورة سلمية وسلمية فسلمية.
موقف يراه البعض في أحسن الأحوال طوباوية زائدة على اللزوم وفي أسوأ الحالات سذاجة وضعف.
كيف لا يسود مثل هذا الاعتقاد المسمّم المسموم وقد نشأنا جميعا في مجتمع يخلط بين العنف والقوة ويعلم أطفاله منذ نعومة أظافرهم أن “السيف أصدق أنباء من الكتب” وأن ” العاجز من لا يستبد”.
ما يمثّله الرئيس الشهيد قطع مع عقلية مريضة ممرضة وهو يتمسك بكونه الرئيس لمصر قبل وبعد الانقلاب المشؤوم لا حبا في المنصب وإنما للتأكيد أنه لا تغيير ما بأنفسنا من تخلف وهمجية إلا بالمرور من عهد شرعية القوة إلى عهد قوة الشرعية …من مفهوم متخلف للقوة بما هي ممارسة أفراد ومجموعات لأقصى قدر من العنف لإخفاء العجز عن حلّ المشاكل إلى مفهوم متقدم للقوة بما هي القدرة على ضبط الغرائز الوحشية الكامنة في أعماقنا جميعا والقدرة على التحاور والتفاوض وإيجاد حلول للمشاكل لا مشاكل للحلول .
هل سيسمع حكام مصر الرئيس الشهيد وهو يقول عبث ما فعلتم معي وعبث ما تفعلون مع آلاف المساجين السياسيين… المسألة مسألة لتقفوا أمام عدالة الأرض قبل عدالة السماء ولكم فيما يحدث بالقرب منكم زمانا ومكانا تذكيرا ينفع المتوهمين؟ هل سيسمعون النصيحة بفتح صفحة جديدة مع خصومهم ومع شعوبهم أم هل أن على القلوب أقفالها؟
هم حكموا على أنفسهم بأن يعيشوا ويموتوا خائفين والأدهى والأمر أنهم حكموا على الملايين بالعيش والموت تحت راية الخوف.
ومن ثمة لا خيار لنا غير مواصلة الطريق الذي مشى عليه الرئيس الشهيد لتحرير الشعب من الخوف والظلم والفشل المحتوم الذي هو دوما نقطة الوصول الاجبارية لكل نظام استبدادي.
تذكروا العبارة الشهيرة لكارل ماركس: “ثمة شبح يقض مضجع الرأسمالية واسمه الشيوعية”. تأكدوا اليوم أن هناك شبح سيقض مضجع الاستبداد في كل الوطن العربي وليس فقط في مصر اسمه محمد مرسي.
للرئيس الشهيد لا شيء لنا نقوله له اليوم وغدا سوى شكرا لما قدمت وعفوا عما لم نقدّم.
رحم الله فقيد العروبة والإسلام
رحم الله كل الشهداء الأبرار
أعان الله أسرى الاستبداد وعائلاتهم على الصمود إلى أن يأذن الله بالفرج
ولا بدّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اشكركم على احداث هذ ا الموقع
اريد ان اعرف كيف اتصل بالموقع
كيف اتصل بالموقع