أهم ما جاء في مداخلة الرئيس التونسي الأسبق الدكتور منصف المرزوفي في ندوة شعاع لحقوق الإنسان حول واقع ومسقبل الحريات والديمقراطية في الجزائر المنعقدة عبر منصة الزوم يوم الجمعة 27/11/2020.
الكثير يتساءلون إذا حقق الحراك الشعبي مطالبه ام لا، بالنسبة لي أهم شيء الآن هو وجود الحراك، لأن تلك الصورة التي أعطاها الشعب الجزائري على امتداد أزيد من 50 جمعة مبهرة، حيث لم نكن نتوقعها أبدا، لأن الصورة التي كانت تبدو على الشعب الجزائري أنه ساكت وخامل في حين الثورات العربية بدأت في كل مكان والشعب الجزائري لم يتحرك، والناس كانت تتحدث عن غبار افراد وهي الكلمة المشهورة التي كان بورقيبة يصف بها الشعب التونسي، فجأة نكتشف في الجزائر شعباً مواطناً رائع ففي تلك الفترة أريد أن أذكر أنه كانت فيه مشاكل في فرنسا “السترات الصفر”، وكنا نرى الفرق بين هذا الحراك الجزائري البالغ التحضر والانضباط والهيبة والمهابة، بينما الفرنسيون كانوا يخربون.
بالنسبة لي أهم شيء حصل هذه السنة هو بروز هذا الشعب (شعب المواطنين) وهذا هو الشيء الرئيسي الذي عبره تظهر باقي الأشياء أنها ثانوية، يعني بروز الشعب الجزائري كشعب مواطنين هو الحدث الرئيسي والأساسي الذي وقع بالسنة الماضية، وابتداء من هذه اللحظة كل شيء سيتغير. لأنه مرة أخرى الشعب الجزائري ربما غير واعي لأنه في قلب المعركة، لكن أنا كملاحظ أرى من منظور الخارج فبقيت منبهرا رأيت الثورات العربية لكن بقيت منبهرا بأداء الشعب الجزائري الذي تشكل من مواطنين، وابتداء من هذه اللحظة الدولة هي التي يجب أن تتعامل مع هذا الوضع الجديد وكل شيء سينجر عنه هذا التغيير الهائل الذي وقع بالجزائر.
النظام الجزائري الآن لم تعد له أي طريقة للتعامل مع هذا الشعب الجدي، يعني هو تعامل طيلة مدة ما بعد الاستقلال على أنه يملك شعب رعايا وخائف، لكن الآن النظام في وضع لا يحسد عليه لأن كل الآليات التي ركبها طيلة هذه الستين سنة الآن أصبحت عديمة الفاعلية لأنه أمام شعب جديد، وهذا أهم شيء.
إن هذا الشعب الجديد لم يظهر من لا شيء، بل ظهر من المعاناة والحرمان والتجربة التي استنبطها وهو يشاهد الثورات العربية والتونسية والفلسطينية، وكل ذلك الزخم والتجربة نمت على امتداد 50 أو 60 سنة، لكن النظام بقي هو نفس النظام القديم بآلياته القديمة وتفكيره القديم وغريزته القديمة وهو حائر كيف يتعامل مع هذا الشعب الجديد، وهو لا يغير أساليبه وهنا يكمن التناقض الكبير ما بين شعب جديد ونظام قديم، شعب يغزو المستقبل وشعب بصدد الرحيل مع الماضي. وهكذا يجب أن يكون مفهوم الجزائريين أنهم هم المستقبل والتوجه لشعب المواطنين ودولة القانون والمؤسسات، هذه العملية بدأت ولن تتوقف، وهذا النظام هو نظام قديم متهالك وسيختفي شيئا فشيئا، وليس له القدرة على التعامل مع هذا الشعب الجديد وبالتالي فهذا النظام بالنسبة لي قضية محسومة وهو منتهي وسينتهي فقط قضية وقت عشر أو خمس سنوات لا أدري.
إن هؤلاء الشيوخ الذين بقوا بالحكم لأكثر من 50 سنة وبحكم العمر فهم سينقرضون وحتى النظام سينقرض بيولوجيا كما أنه انقرض سياسيا وأخلاقيا وفي المقابل عندنا شعب جديد أجيال جديدة أخذت على عاتقها أن تتحرك وبالتالي فالقضية محسومة.
الكلمة المفتاح في فهم عقلية المستبدين هي “الخوف”، الاستبداد يعيش ببث الخوف في الشعب، وهو لا يعيش إلا إذا كان الشعب خائفا، ولهذا نحن في تونس بالتسعينات أطلقتُ شعار “لاخوف بعد اليوم” لأني كنت أعرف أن مقتل النظام هو أنك تصبح لا تخاف، ابتداءً من اللحظة التي يرفض فيها الشعب الخوف حينها النظام الاستبدادي ينتهي، ولذلك هم اليوم في الجزائر يحاولون إعادة الخوف، شاعرين أن الخوف تلاشى ولذا سيحاولون مرة أخرى لعل وعسى، وبالتالي هي كلها سياسة ومحاولة للرجوع بالشعب إلى تلك المرحلة التي خرج منها عندما بدأ الحراك. وهذا خطأ لأن الشعب بداية من اللحظة التي يشعر فيها أنه قوي وأنه قادر على تغيير الأوضاع وعندما يرى الشعوب الأخرى قادرة على تغيير أوضاعها فالخوف ينتهي.
اليوم الخوف هو موجود بالأساس، يعني أن هذه التصرفات موجودة داخل النظام الغير قادر على الإصلاح وبالتالي فهو خائف من هذا الشعب، والذي يزيد الطين بلة أنه كل ما يريد الخروج من أزمة يزيد تعميق هذه الأزمة أي ” داوني بالتي هي الداء”. أريد التنبيه أيضا إلى وجود خوف داخل الخوف وهذه تجربتي في الحكم، حيث اكتشفت أن هذه الدولة غير متجانسة تعيش صراعات داخلية وينمو داخلها خوف شيئا فشيئا خاصة من الضباط الشبان والسياسيين والإداريين والقضاة الشبان منهم الذين يقولون ما دخلنا في هؤلاء الشيوخ الذين هم بصدد الانقراض وخوفهم من المغامرة بمستقبلهم في مواجهة شعبهم، حيث هناك خوف الأوليغارشية لأنها رفضت أن تسيطر على هذا الشعب الذي أصبح لا يخاف، ثم هناك خوف داخل المنظومة نفسها من أنها يمكن أن تحاسب غداً إذا نهبت ووقفت بوجه التاريخ.
بينما المفروض أنه عندما يصبح عندك شعب جديد هناك داخل النظام أجيال جديدة من الشرطة والجيش والقضاة الغير قابيلين أنهم يربطوا مصيرهم بمصير النظام، إذا فالحل الوحيد أمام النظام هو الدخول في نقاش موضوع تسليم السلطة تدريجياً ثم ينسحب تدريجيا وهذا ما ينظره العقل.
لكن للأسف هؤلاء الناس تعلموا العيش بالتخويف وبالخوف وبالتالي هم غير قادرين على الخروج من جدلية الخوف والتخويف، وبالتالي فلا حل امام الشعب غير مواصلة النضال بتحضر وبسلمية، وبذكر السلمية أنبهكم إلى شيء مهم وهو أن هذه المنظومات المستبدة تحاول أن تجر الشعب إلى مربع العنف، لأنها لا تستطيع أن تتحرك أو تتنفس إلا داخل هذا المربع، ومن ثم فمهم أن يبقى الحراك سلمي لأن هذه هي نهايتهم إذ لن يجدوا ما يفعلوه مع شعب سلمي في كل مناطق الوطن ولهذا فلا قدر الله إن انزلقت بعض الجهات إلى العنف فذلك سيكون أجمل هدية لهم.
الثورات العربية :
وقع التدخل في الثورات العربية بكيفية رهيبة من أطراف إقليمية ودولية كان لها دور كبير في إفساد هذه الثورات، فقد تدخل المال الإماراتي بتونس بطريقة رهيبة وتدخل الإيرانيون والروس في سوريا، وتدخل الفرنسيون أيضا في ليبيا و اليمن وغيرها، وهو ما يوضح وجود قرار دولي ينص على مراقبة هذه الثورات العربية في كل مكان كونها تشكل خطرا على مصالح القوى الدولية المعروفة، وبالتالي فالحراك الجزائري نفسه سيخضع لهذه التدخلات من محاولات الاختراق والضرب، لكن الحل يكمن في التشبك، لأن المشكلة في الثورات العربية هو أن الشعوب لم تتشبك مع بعضها، بينما الثورة المضادة كانت لها قيادة موحدة هي محور الشر الإماراتي السعودي الصهيوني، ثم التحق به المصري وله استراتيجية واضحة الإفساد، الدخول بالمال لضرب الحركة الشعبية، خاصة إذا وجد فيها حركة إسلامية، يعني هذه المطية باعتبار أنو الدمقرطة يمكن أن تأتي بالأسلمة، وبالتالي لن يقبل بها. ولهذا فعلى القوى الثورية أن تتشبك، عبر تبادل الخبرات، التضامن، المعلومات وهذا ضروري للحراك، الذي لا يجب أن يبقى حراك جزائري بحت، يجب أن تكون له صلة بإخوانه في ليبيا، مصر، تونس وفي كل مكان لأن هناك الكثير مما يمكن تعلمه من بعضنا البعض ومن خبرتنا بالميدان.
واضح أن الثورة التونسية التي تعثرت عندها خبرة وتجربة في الاختراق وفي المال الفاسد وفي دور الإمارات و… إلخ وبالتالي هذه الخبرة يجب أن نوصلها لاخواننا في الجزائر لكي ينتبهوا أنهم في بداية المسار، بينما نحن سرنا في نصفه، ولابد أن تكون هناك شبكة تمهد لأن تكون السلطات قريبة من بعضها البعض لأن إحدى مصائب هذا الاستبداد أنه فرق بين الشعوب، الاتحاد المغاربي والخليجي متوقفان، والأمل الوحيد لإعادة إحياء الاتحاد المغاربي والعربي يمر عبر أن لا تنغلق هذه القيادات الشابة على نفسها، والشعوب اليوم كلها يجب أن تتعلم من الحراك الجزائري نحن في عالم واحد وخصومنا واحدة وبالتالي علينا أن نتحد معا.
الربيع العربي لم ينته، أنا أشبهه بمعركة الاستقلال الثانية مثل الجزائر التي بدأت ثورتها الأولى عام 1954 لكن لم تنتهي بل تواصلت إلى غاية استقلال 1962 ومعركة الاستقلال الثانية انطلقت بالحراك ولن تنتهي إلا بالانتصار. أما فيما يخص الحريات فما يجب التنبيه إليه أن أخطر ما في موضوع الحرية هو ليس افتكاكها لأن الشعب الجزائري افتكها رغم القمع ورغم أنه سيحاول إيقاف زحف التراكتور التاريخي بأيديهم العارية، لكن أخطر شيء هو ممارسة الحرية فيما بعد بحسب تجربتي، حيث يجب أن نتعلم التحكم في هذه الحرية حتى لا تصبح نقمة، الحرية والمسؤولية مدرسة صعبة جدا أمام شعب ذاق قمع شديد على مدار 50 سنة ونفذ صبره قذ يجب أن تكون هذه الحرية في خدمة أهداف عامة وليس خاصة.
المرحلة الانتقالية:
موضوع النقاش لا يجب أن يكون هذا النظام المهترئ الذي هو في صدد الانهيار، الموضوع من الآن يجب أن يكون التفكير كيف سندير المرحلة الانتقالية وكيف سنضبط هذه الحريات وحرية الصحافة حتى لا يحدث للجزائر كما حدث مع إعلام العار التونسي الذي دمر الثورة، ويجب أيضا ضبط كيف ستكون الأحزاب سياسية وليس شركات سياسية، إذ يجب التفكير من الآن في كيفية تصريف الحرية بعدما تنتهي المعركة مع هذا النظام المهزوم.
تدخل النظام الجزائري لإسقاط الثورة التونسية:
نحن التونسيون كنا نغني النشيد الجزائري أكثر مما نغني النشيد التونسي، حيث لما جاء بوتفليقة إلى تونس في زيارة رسمية كنت أغني معهم النشيد الجزائري فتعجب بوتفليقة كوننا نحفظه.
خلال ثورتنا كنا أكدنا للحكومة الجزائرية أننا لا نريد التدخل في شؤونكم، إنما نريد أن تكتمل هذه الثورة التونسية في أحسن العلاقات مع بعض، لكنهم تآمروا علينا وكم وضعوا في وجوهنا العراقيل، فقد عانينا كثيرا من النظام الجزائري خلال ثورتنا، فوصلوا إلى درجة أنهم أطلقوا إشاعات عني حيث قالت المخابرات الجزائرية أنها اكتشفت أن منصف المرزوقي بعدما يخرج من اجتماع المجلس القومي يتصل بجماعات إرهابية عبر هاتف ثريا ويعطيهم معلومات عن أماكن تواجد الجيش التونسي.
ونحن لم نتدخل أبدا في شؤون النظام الجزائري لكن وجود ثورة في تونس كان يشكل عليهم خطراً، خاصة أن الشعب الجزائري كان يتابع ويراقب ثورتنا ويعجب بها، نحن استنبطنا ثورتنا من الثورة الفلسطسنية.
كما أن النظام الجزائري عمل على إسقاط ثورتنا وتعامل مع زعيم الثورة المضادة الباجي قايد السبسي، ولم يتعاملوا معي أبداً، إلا بكثير من الحذر، خاصة وأنهم كانوا يعتبرونني رجل المغرب وأنا لست كذلك، أنا مع الاتحاد المغاربي. الآن لما أرى سلال وأويحي الذي كان يكرهني كثيراً موجودين في السجن لا أشعر بالشماتة بل بالأسى عن هذا الوقت الضائع، كان يمكن أن يكونوا في أحسن حال في مصلحتهم ومصلحة الشعب لكن غرورهم أدى إلى هذه المصائب وأعتبرهم ضيعوا لنا ولهم كثيرا من الوقت وتسببوا في مآسي كثيرة.
القضية الصحراوية:
بالنسبة للصحراويين أعتبرهم رهائن خيار سياسي خاطئ للنظام الجزائري، هؤلاء الناس ما هو مستقبلهم؟، هل يمكن فعلا أن تتصور أن لهم مستقبل في إطار السردية الحالية الجزائرية التي تقضي بمعركة تحرر ضد احتلال مغربي ثم ستكون هناك دولة صحراوية؟، إن هذا كلام مردود على أصحابه فلن يكون هناك مستقبل لهذه القضية، وعليه يجب الخروج من هذه السردية لأنها كاذبة وترهن مستقبلهم، بينما هؤلاء الصحراويين عوض الركض على وطن لن يوجد يوما لأن ذلك سيؤدي إلى حرب طاحنة بالمنطقة لن يسلم منها أحد، فلهم إمكانية أن يكون لهم ثلاثة أوطان وليس وطن واحد، الأول هو الحكم الذاتي داخل الوطن المغربي، الثاني هو الوطن المغربي، والثالث هو الاتحاد المغاربي، لأنه عندما يصير عندنا اتحاد مغاربي فالصحراويين عوض أن يكونوا تحت الحماية أو الضغط في منطقة صحراوية بالجزائر، يكون عندهم الحق أن يستقروا في تونس أو يعملوا في ليبيا أو الجزائر والمساهمة في الانتخابات في بلدان الاتحاد المغربي وهكذا يكون لهم وطن مفتوح وجواز صفر مغاربي ويكونوا جزءً من الأمة وينالون الاحترام في كل مكان. فبماذا يساومون اليوم؟ وماهذا الوهم الذي يبيعه لهم النظام الجزائري ؟؟ وبالتالي فهذا النظام قد أجرم في حق شعبه والاتحاد المغاربي والشعب الصحراوي أيضا.
عوائق الانتقال الديمقراطي لدى الثورات العربية:
نحن الآن في بداية الصراع أي أننا في معركة الاستقلال الثاني وفي تونس بدأت معركة الاستقلال سنة 1881 أخذت 80 سنة والمعركة الثانية ستأخذ سنوات أيضا، كما كان محسوما انتهاء الاستعمار سيكون محسوما أيضا بإنتهاء الاستبداد اليوم، هذه الشعوب أصبحت شعوب مواطنين وليست رعايا بالتعليم والمواصلات والعدوى من الشعوب الأخرى التي لم تعد تقبل وجود نظام استبدادي. العوائق موجودة فعلا لكن المشروع انطلق وسيواصل رغم كل العقبات.
التضييق والقمع مقابل آمال الشعوب:
المنعرج أخذته الشعوب وتغلبت على الخوف، الأنظمة اليوم هي الخائفة والمتهالكة والتي تلعب ورقتها الأخيرة، التغيير قادم قادم ولا يمكن لأحد أن يوقف مسار التاريخ ومشروع الاستقلال، اليوم القضية بالنسبة للثوريين في كل مكان ليست الشك في الطريق الذي أخذوه بل عليهم استباق الأحداث، أي ماذا سنفعل بعد إسقاط الأنظمة وماذا سنفعل حتى لا يعود النظام من النافذة بعد طرده من الباب مثلما حدث في تونس واليوم الثورة المضادة هي التي تحكم بتونس منذ 2014، فأخطر مرحلة هي مرحلة البناء بعد إسقاط النظام.
- قوة الأنظمة الاستبدادية هي أنها تنظيم والقاعدة في التاريخ تقول أن 10 أشخاص منظمين قادرين أن يتغلبوا على ألف شخص غير منظمين وقاعدة التاريخ هنا هي التنظيم، والدولة قوتها أنها تملك أجهزة منظمة تستطيع أن تواجه بها جماعات غير منظمة، إذا لم ينظم الشعب الثائر نفسه بحجة الفوضوية الرومنطقية فهو سيعرض الحراك للخطر لهذا على كل الجهات الثائرة في كل مكان أن تهيكل نفسها تحت قيادة وقبول بعض الشخصيات الكبرى التي يجب أن تمثلها.
الحراك يجب أن تكون له غرفة عمليات فكرية تحظر قانون الأحزاب، المالية، الإعلام. كما يجب التعلم من التجربة التونسية الثرية بكيفية اختراق الديمقراطية حيث تم اختطاف الديمقراطية الحقيقية من طرف الغير ديمقراطيين وضرب بها الديمقراطيين. وعليه الجزائر يجب أن تتعلم من التجربة التونسية وتحمي الديمقراطية.