تونس 2010
الجمعة 1 كانون الثاني (يناير) 2010
سنة مرت ونذكر أننا تبادلنا أول يوم فيها التهاني والتمنيات بأن تكون 2009 أرحم بآلامنا وأرفق بآمالنا ، ومرت الأيام والشهور دون أن نرى في الظلمة الخانقة ولا بصيص نور بل وكأن هذه الظلمة زادت سوادا تنذر بأن الآتي أعظم.
وفي مثل هذه الحالة يبدو تبادل التهاني والتمنيات لتكون سنة 2010 أرحم بآلامنا وأرفق بآمالنا، طقسا سحريا لا معنى له، اللهم إلا إذا كان سخرية مريرة من كل ما نتمنى وكل ما نسعى إليه.
لم تفعل سنة 2009 إلا تعميق الإحباط والشعور بالعجز واليأس والملل وحتى بالقرف عند الكثيرين تجاه كل ما يحصل في أرجاء الوطن العربي وفي بلدنا تونس تحديدا، ومن ثم تكاثر المستسلمين أفرادا وجماعات.
على مستوى الدولة- أو ما بقي منها- كان الموقف ولا يزال: لا صلح ولا إصلاح ولا مصالحة …..والشعار” اشرب وإلا طيّر قرنك”.
على مستوى المعارضات ، كان الموقف ولا يزال : لا ، المعارضة ليست جبهة سياسية للسعي للحكم واستنفار الناس للوصول إليه وإدخال الإصلاحات قبل خراب البصرة، وإنما لمدّ الأيادي للسلطة الحاكمة إلى الأبد…أيادي التسول ….أما الشعار فهو فرّق حتى لا تسد .
على مستوى الشعوب وفي ظل التفكك العام للدولة والمجتمع المدني الموقف: لا ثقة في حكم أو معارضة أوفي أحد ،والشعار يا فرد دبّر رأسك…. وحتى فرّ فرّ
عما سنتحدث السنة المقبلة إن لم يكن في نفس المواضيع التي عافتنا وعفناها وما الذي سنفعله أكثر من دورة أخرى في نفس الحلقة المفرغة ؟ …خاصة من أين سيستمد ما بقي من مناضلين القوة لمواجهة سنة قد يتفاقم فيها قمع الاستبداد وتشتت المعارضين وتحلل المجتمع إلى غبار أفراد .
الردّ مرة أخرى عند شاعر الشعب والأمة : من إرادة الحياة.
إن من تكلف عناء قراءة التاريخ، سواء كان تاريخ الأفراد العظام أو تاريخ الشعوب والحضارات ناهيك عن تاريخ الحياة نفسها، لا يفاجأ بشيء قدر مفاجأته بما وراء كل تاريخ عظيم.من إيمان….. من صبر….من ثبات…. من إصرار… من طاقة على تحمل الألم …من رفض للاستسلام …من نهوض بعد كل كبوة…من استفاقة بعد كل نوبة ضعف… من قدرة على استيعاب الإخفاق…من تمسك بالأمل وليس وراءه أي وهم…من عناد المحاولة بعد المحاولة بعد المحاولة بعد المحاولة بعد المحاولة بعد المحاولة بعد المحاولة بعد المحاولة بعد المحاولة بعد المحاولة…من تمسك بالطريق السوي ولو كان المشي بين سندان الرمضاء ومطرقة الشمس.
هذه القوة الجبارة التي تسمح بمثل هذه القدرة على الصمود أمام الألم والفشل،سنة بعد سنة بالنسبة للأفراد ، جيلا بعد جيل بالنسبة للشعوب والحضارات ، أجناسا حية بعد أجناس حية بالنسبة للطبيعة ، هي التي سماها شاعر الشعب والأمة إرادة الحياة.
إنها نفس الإرادة الجبارة التي تسكن في أعماق كل واحد منا . هي التي تجعلنا نبرأ من جراح الروح والجسد. هي التي تجعلنا ننهض كل صباح لمواجهة كل تحديات الوجود ..هي التي تجعلنا متشبثين بهذا الوجود إلى آخر نفس رغم كل ما نشتكي منه ونعاني.
لن أتمنى لكم أخوتي أخواتي في بداية هذه السنة العصيبة الجديدة غير أن تنتبهوا لإرادة الحياة التي حبانا بها الله…أن تجدوا الطريق لخزانها الهائل الذي هو داخلكم …أن تغرفوا منها قوة الصبر والعزيمة والإصرار والأنفة والشجاعة حتى نصل بوطننا برّ النجاة لنعيش فيه إن شاء الله، نحن والأجيال القادمة مواطنون لا رعايا….لتصبح تونس وكل بلاد العرب يوما وطنا للإنسان