باريس– وصف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي الحكومة الجديدة بأنها ضعيفة وغير شرعية ومبوبة للفشل.
وقال في حوار مطول مع الجزيرة نت إن الرئيس قيس سعيد يشكل خطرا على الوحدة الوطنية وعلى السيادة والاقتصاد.
وأضاف المرزوقي أن حل الأزمة التي سببها سعيد بقراراته هو أن يقبل بعودة البرلمان ليصيغ قانونا انتخابيا جديدا بهدف انتخاب برلمان جديد في إطار انتخابات تشريعية مبكرة حرة ونزيهة، تشرف عليها لجنة الانتخابات وحينها إذا حصل سعيد على الأغلبية في البرلمان يستطيع أن يقوم باستفتاء على تعديل الدستور.
وإلى تفاصيل الحوار…
- أولا ما تعليقك على قرار الرئيس قيس سعيد سحب جواز سفرك الدبلوماسي؟
ما وقع اليوم هو أكبر دليل على دخولنا مرحلة الاستبداد المطلق من الباب الكبير، ودليل على أن هذا الرجل أصبح يمثل أكبر خطر على الدولة التونسية، وعلى كل الناس، وبالتالي المواجهة السياسية معه لم تعد ممكنة.
أنا حقيقة لا أستغرب ما وقع اليوم، ولم أعد أستغرب شيئا منه، هذه سابقة تاريخية لم تحدث حتى في زمن الاستبداد في عهدي بورقيبة وبن علي، ما حدث اليوم هو دليل على كل ما قلته سابقا وأقوله دوما من استبداد هذا الرجل المطلق، وتونس بوجوده ستواجه مرحلة صعبة.
أنا لا أغير رأيي في هذا الرجل، وهو عبارة عن منقلب ورئيس غير شرعي ولا أعترف بأي شيء يصدر منه، الإجراء الذي اتخذه هذا الرجل في حقي اليوم هو إجراء انتقامي بالأساس ولا يدخل في السياسة، وتونس اليوم تدخل نفقا مظلما ومرحلة خطيرة جدا من تاريخها.
- ما موقفك من الحكومة الجديدة التي أدت الاثنين الماضي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيد؟
أعتقد أن السؤال المركزي في هكذا حالات هو ماذا يتطلب الوضع الآن؟ يعني حين ننظر إلى خطورة الوضع الاقتصادي في البلاد وانهيار مستوى المعيشة والوضع الكارثي وتفكك البلاد سياسيا وتراجع الترقيم السيادي للبلاد، إذن في ظل هذه الظروف المطلوب هو حكومة وحدة وطنية وخبرات وقامات اقتصادية كبيرة حكومة عندها شرعية من طرف البرلمان حتى تستطيع التفاوض مع الجهات الخارجية.
في المقابل ماذا كان رد الرئيس حول الوضع؟ جاء بحكومة ضعيفة وأعضاء غير معروفين وليست لهم خبرة، حكومة غير شرعية من طرف البرلمان الذي هو غير موجود. حكومة مؤلفة من شخصيات كانت معروفة بولائها للنظام السابق وحزب التجمع. وأعتقد أن وضع امرأة على رأس هذه الحكومة هو بمثابة الشجرة التي تحجب الغابة وذلك حتى يصبح الحديث عن المرأة وليس عن الأزمة الاقتصادية الخانقة، ولكل هذه الأسباب حسب رأيي هذه الحكومة مبوبة للفشل وسيتفاقم الوضع السيئ للتونسيين أكثر.
تعيين نجلاء بودن كأول امرأة تونسية وعربية تتولى منصب رئيس حكومة.. هل هي خطوة تقدمية إيجابية يجب مباركتها والبناء عليها أو مجرد مغازلة للغرب والقوى التقدمية؟
تونس الآن تعيش أزمة سياسية واقتصادية ونفسية خانقة وهذا يتطلب الشخص المناسب في المكان المناسب. وبرأيي لا يهم أن تكون امرأة أو رجلا ولكن المهم أن تكون شخصية معروفة وقوية ولها خبرة في المجال الاقتصادي حتى تستطيع مجابهة الوضع الكارثي على المستوى الاقتصادي خاصة، هذا هو المهم اليوم. أن تكون امرأة هذه مسألة ثانوية جدا حسب رأيي، وأنا حين كنت رئيس حزب كان شعار هذا الحزب التشبيب والتأنيث وتداولت على أمانته العامة امرأتان لأنني أؤمن بالمرأة ومناصر لها ومدافع عن حقوقها.
ولكنني أعتبر هذه العملية نوعا من المغالطة والتغطية على الفشل السياسي ونوعا من الإلهاء عن الأزمة الحقيقية. اليوم الأدوية في المستشفيات أصبحت تتناقص والمواد الأولية في ارتفاع مشطط والناس بدأت تجوع، هذا هو جوهر الأزمة الذي يجب أن نتحدث عنه، وفي النهاية آسف أن تكون امرأة على رأس هذه الحكومة المبوبة للفشل.
- إلى أي مدى يمكن أن تسهم هذه التصريحات والتصريحات المضادة بينك وبين الرئيس قيس سعيد في تعقيد الأزمة أكثر وتقسيم الشارع التونسي بدلا من توحيده؟ وما الحلول برأيك؟
أنا قدمت خارطة طريق للأزمة في البداية ودعوت فيها إلى استقالة رئيس البرلمان ثم يقع انتخاب برلمان جديد نزيه بما أن البرلمان القديم مكروه من كل التونسيين ولم أطرح استقالة أو إقالة قيس سعيد، ولكن حين رأيت أن هذا الرجل متعنت ولا يريد أن يفعل أي شيء غيّرت رأيي وقلت إنه يجب على رئيس البرلمان أن يستقيل وتأخذ مكانه نائبته وهي التي تتولى رئاسة الدولة مؤقتا وقيس سعيد يجبر على الاستقالة لأنه حسب رأيي أصبح يشكل خطرا على البلاد. وأؤكد أن هذا هو موقفي الآن، وأعتبر أن هذا الرجل يشكل خطرا على الوحدة الوطنية وعلى الاقتصاد وعلى السيادة الوطنية.
وبخصوص التصريحات والتصريحات المضادة أعتقد أن قيس سعيد هو الذي شنج الجو ويقوم بالتصعيد كل مرة لأنه يتهم المعارضين بالحشرات ويقول عنهم إنهم مخمورون ويعتبر أن الذين خرجوا إلى الشارع يطالبون برحيله ليسوا جزءا من الشعب.
وبالنهاية كل التصعيد هو من الدكتاتور والدكتاتورية أما بالنسبة لي أنا فليس لي إلا أن أقف مع هذا الشعب وأدافع عن ثورته وديمقراطيته، قيس سعيد هو الذي قام بالانقلاب وليس أنا.
تقسيم الشارع والشعب ناجم عن خروج هذا الرجل عن الشرعية، قبل ذلك كانت البلاد موحدة، الانقلاب هو الذي قسّم الشعب وبالنسبة للحلول أنا قدمت خارطة الطريق التي أراها حلا لهذه الأزمة.
المنصف المرزوقي: قيس سعيد مشارك في العنف اللفظي لأنه يصف معارضيه بالحشرات والمخمورين (الجزيرة نت)
- ما موقفك وردك على التهم الموجهة إليك بإخلالك بواجب التحفظ والمس بمصالح البلاد؟
هذا الرجل (سعيد) حين جاء إلى فرنسا واستضافته قناة “فرانس 24” قال بالحرف الواحد إن تونس بلد غير مستقر ولا يجب الاستثمار فيه، هل هناك ضربة للاقتصاد التونسي أكبر من هذه؟ ولكن لا أحد أشار إلى هذا التصريح وقد ذهلت حين سمعت هذا التصريح، ثم يأتي هذا الرجل ومن معه ليطبلوا ويزمروا لكلمة قلتها وأخرجت من سياقها، وأريد أن أؤكد أنني قلت في كلمتي “لا تساندوا هذا الدكتاتور لأن مساندتكم للدكتاتور ضربة للديمقراطية وللشعب التونسي”.
لقد كان موقفي واضحا دائما وهو أنه يجب على الدول الغربية ألا تساند الدكتاتوريات. وهذا سيجعلنا كتونسيين نستطيع حل مشاكلنا وحل هذه الأزمة، وآنذاك تضمحل المشاكل الكبرى التي هي ناجمة عن الانقلاب والدكتاتورية ومنها مشاكل عدم الاستقرار والهجرة السرية. كل هذه المشاكل نستطيع حلها داخل استقلالية القرار الوطني، وهذا مهم جدا.
- وماذا عن تدخلك لإلغاء قمة الفرنكوفونية؟
أريد أن أُكذِّب -من خلال منبر الجزيرة نت- ما يتداول بشأن أنني تدخلت لإلغاء قمة الفرنكوفونية، أنا أكذب تكذيبا قطعيا هذا، فأنا لم أتدخل أبدا لدى الفرنسيين لإلغاء هذه القمة، ولم أتدخل أو أتصل بأي طرف، وكل ما فعلتُ هو أنني عبّرت عن موقفي وكتبت هذا في صفحتي على الفيسبوك، حيث قلت إن أي دولة ديمقراطية تقبل بحضور هذا المؤتمر يعني أنها تؤيد الانقلاب وهذا لا يجوز، نحن نعتبر هذا خيانة وطعنة في ظهر الديمقراطية التونسية التي وأدها هذا الرجل الذي ألغى الدستور وأغلق البرلمان بالدبابات.
وأنا أفتخر بهذا الموقف الذي اتخذته لأنه موقف الدفاع عن الديمقراطية في بلدي، وكل ما هو ضد الديمقراطية في تونس سأحاربه. ولكنني لم أقل إنني فخور لأنني تدخلت لدى الفرنسيين لكي يلغوا القمة، هذا فرق كبير ولا أعرف من أين تأتي الناس بمثل هذه الأكاذيب!
- هناك جزء من الشعب ووجهة نظر ترى أن هذه القمة يمكن أن تحمل الخير الكثير لتونس وتزحزح قليلا الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتنشط السياحة؟
أنا أعرف جدا هذه الاجتماعات لأنني حضرت فيها سابقا، هذه القمة ليس لها أي علاقة بالاقتصاد. وليس لها أي فائدة اقتصادية أو سياحية، هي فقط مجموعة تجتمع سنويا لمناقشة كيفية تطوير اللغة الفرنسية وتطوير العلاقات فيما بينها. وبالتالي المستفيد الوحيد من هذه القمة هو الدكتاتور والدكتاتورية التي ستستقوي أكثر وتطيل في عمرها، والحضور فيها (القمة) هو نوع من الاعتراف بها (الدكتاتورية).
- تتهمك بعض الأطراف السياسية المعارضة، بالتمترس بالخارج والاستقواء بالجهات الأجنبية للتعبير عن مواقفك، بينما كان من المفروض على حقوقي مثلك بتاريخه النضالي الطويل النزول إلى الشارع التونسي والانضمام إلى الجموع والتوحد مع الناس وليس الاكتفاء بالتيمم النضالي من بعيد.. ما ردك على وجهة النظر هذه؟
أقول لمن يتهمونني بهذه التهم أن يطلعوا على تاريخي النضالي. ومن ناحية أخرى أنا موجود في فرنسا لظروف عائلية وحينما دعوا الناس للنزول للشارع نزلت معهم في فرنسا ولكن لو أنني عدت لتونس ونزلت للشارع لقالوا إن المرزوقي يريد أن يركب على هذه الأحداث ويريد أن يعود للرئاسة وغيرها من التهم الجاهزة، أنا بقيت أدعم هذه الاحتجاجات دون أن أتمترس فيها لأنني أعرف هذه التهم الجاهزة التي تلاحقني دائما وتلصق بي كل مرة.
وهل تفكر في العودة إلى تونس والانضمام إلى الاحتجاجات خاصة إذا طالت الأزمة؟
طبعا.. طبعا.. بالنسبة لي أنا موجود في فرنسا لأسباب عائلية ولكنني أتحرى الوقت المناسب للعودة إلى تونس. وكما قلت آنفا إن أي انضمام لي الآن إلى الشارع التونسي سيُفسر على أنه ركوب للأحداث وأنا لا أريد أن أركب على الأحداث.
أنا مهمتي الأساسية هي إنجاح الديمقراطية وليس الدخول في حملة انتخابية. أنا مع الشارع قلبا وقالبا وأتابع الجماهير دائما بانتباه، وخرجت مع التونسيين إلى الشارع في فرنسا، وحينما أعود سأكون في الشارع مع الناس ولكن شريطة ألا يحسب ذلك على أنه ركوب على الجماهير للعودة إلى السلطة، لأن هذه هي التهمة الجاهزة التي تنتظرني.
- بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وإصرار الرئيس قيس في أكثر من مرة أنه لا عودة إلى الوراء وما قبل 25 يوليو/تموز، واحتكام الأطراف المناوئة لهذه الإجراءات إلى الشارع والتظاهر.. كيف تقرأ مستقبل هذه الأزمة؟ وما الحلول العملية لحلحلتها؟
دائما أمام أي تقاطع للطرق يحضر سؤال ما الذي يتطلبه الوضع وما الذي يجب فعله؟ ولكن ما الذي يجب على الرئيس قيس سعيد أن يفعله حتى تحل الأزمة، برأيي يجب عليه أن يقبل بما يسميه العودة إلى الوراء، هذه ليس عودة إلى الوراء ولكن يجب أن يعود البرلمان ويجتمع ويقبل البرلمان بصياغة قانون انتخابي جديد وانتخاب برلمان جديد في إطار انتخابات تشريعية مبكرة حرة ونزيهة تشرف عليها لجنة الانتخابات، وحينها إذا حصل قيس سعيد على الأغلبية في البرلمان يستطيع أن يقوم باستفتاء على تعديل الدستور. وكل هذا يحدث من داخل الشرعية البرلمانية وليس من خارجها، ولكن هذا الرجل لن يفعل هذا.
إذن ما الحل؟ هل نقبل بدكتاتورية جديدة؟! طبعا لا. نحن سنواصل النضال ضد الدكتاتورية من أجل عودة البرلمان والدستور والديمقراطية والقيام بانتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها وإلا فإن البلاد ستذهب إلى الفوضى، وأعتقد أن حل الأزمة عند قيس سعيد ولكن من داخل الشرعية وداخل البرلمان.
- هل لديك خارطة طريق واضحة وحل عملي للخروج من هذه الأزمة؟
الحل الوحيد هو عودة البرلمان، الذي يمكن أن يعطي الثقة لهذه الحكومة على ضعفها على الأقل حتى تستطيع أن تقاوم وتناقش وتفاوض الجهات الخارجية، لأنها من دون اعتراف بها ودون شرعية لا تستطيع ذلك ولن يقبل بها خارجيا.
وبعد ذلك يكون هناك برلمان جديد عن طريق انتخابات تشريعية مبكرة، ويطرح الدستور للتعديل أو التغيير مثلما يريد قيس سعيد، وإذا حصل على ثلثي التصويت في البرلمان يمر إلى الاستفتاء الشعبي، وإذا قبل الشعب تغيير الدستور أو تعديله فليكن ذلك، وإذا لم يقبل الشعب بتعديل الدستور وقتها يستقيل الرئيس قيس سعيد، ونقوم بانتخابات رئاسية جديدة وسابقة لأوانها.
بهذه الخارطة والكيفية نستطيع أن نخرج من الأزمة ولكن من داخل الدستور، وإذا رفض الرئيس سعيد هذا الحل فهو متمترس ومتشبث بالدكتاتورية، وعند ذلك للشعب الحق في مقاومة هذه الدكتاتورية كما فعل مع بن علي.
- ولكن العودة إلى البرلمان، هي نوع من التبييض للمنظومة البرلمانية والسياسية السابقة التي ملها الشعب وثار عليها وطالب برحيلها؟
لا بد من التأكيد على أن هذه المنظومة التي ملها الشعب وثار عليها، هي نفسها التي انتخبها ودعمها الشعب. يجب أن نكف عن اتهام كل الأطراف دون تمييز، الشعب هو الذي انتخب هذه المنظومة إذن فليتحمل مسؤوليته وخطأه ويتحمل فكرة أنه لم يحسن الاختيار. البرلمان لم يفرض على الشعب وإنما كان نتيجة عملية انتخاب من الشعب، وهذا يحدث في كل البلدان. فماذا نفعل؟ طبعا نذهب إلى انتخابات جديدة وننتخب برلمانا جديدا، ولا نغلق البرلمان ونحذف الدستور ونقول انتهت الديمقراطية. هذا لا يحدث في أي بلد ينشد الديمقراطية.
إذن وجب القيام بانتخابات جديدة، وعلى الناس أن يتحملوا مسؤوليتهم هذه المرة في عدم انتخاب الفاسدين، الانتخابات السابقة لم تكن مزيفة والشعب لم يضرب على يديه لانتخاب هذه المنظومة، ولذلك يجب على الشعب هذه المرة أن يختار جيدا ويفكر جيدا قبل أن ينتخب ويتحمل مسؤوليته كاملة.
المنصف المرزوقي: ثورة 14 يناير/كانون الثاني أخرجت أجمل ما فينا، بينما انقلاب 25 يوليو/تموز أخرج أسوأ ما فينا (الجزيرة نت)
- كيف كنت تنظر إلى المشهد البرلماني السابق وسط العنف اللفظي والجسدي والفوضى التي كانت مسيطرة تحت قبة المجلس؟
حقيقة كان المشهد يصيبني بالتقزز ولكن على الناس أن تعرف أن هذه الخصومات في البرلمان كانت علانية وكان هناك أناس مدفوعو الأجر مهمتهم هي تعكير الأجواء واختلاق المشاكل والعنف داخل قبة البرلمان. وفي نفس الوقت يجب على الناس أن تعي جيدا أن الصراعات التي تحدث اليوم في القصر لا أحد يستطيع مشاهدتها، اليوم هناك مراكز قوى داخل قصر قرطاج تتصارع ولا أحد يستطيع أن يعرفها أو يراها. الصراع في البرلمان كان واضحا وظاهرا للأعين تنقله الكاميرات، وأما ما يحدث في قصر قرطاج من صراعات خفية لا نعرفها ويمكن أن تتحكم في قرارنا ومصيرنا فهنا يكمن الخطر الأكبر، ولها كذلك تبعات أكثر وأبعد مما نتصور.
- لماذا برأيك بقي الموقف الرسمي الفرنسي من الأزمة التونسية يراوح مكانه، متسما بـ”الحذر” و”الارتباك” و”الغموض” و”اللاموقف”، على حد تعبير بعض المراقبين، بخلاف ردود فعل الإعلام الفرنسي وموقفه من هذه الأزمة، الذي كان مباشرا وصريحا وواضحا؟ وكيف تقرأ هذا الموقف وما بين سطوره؟
ما لاحظته أنا بخصوص الموقف الفرنسي الرسمي حتى في الفترة التي كنت فيها رئيسا، هو أن فرنسا لم تكن متحمسة كثيرا للثورة التونسية لا لشيء إلا لوجود الإسلاميين في هذه الثورة ووجودهم في الحكومة. هذا كان دائما يطرح مشكلا على الحكومة والسلطات الفرنسية، رغم أن الإسلاميين انخرطوا مع الثورة المضادة منذ انتخاب الباجي قايد السبسي وبالتالي لا يمثلون أي خطر.
وعلى كل حال بالنسبة لي أنا، ما يهمني هو أن نتمتع بعلاقات جيّدة مع كل البلدان، ولكننا في نفس الوقت لا نريدهم أن يتدخلوا في شؤوننا ولا أن يدعموا الديكتاتورية. وهذا هو مطلبنا الوحيد الذي أردده دائما، وأؤكد على هذا كثيرا، لا نريد أي تدخل لدولة أجنبية في شؤوننا ولا نريدهم أن يدعموا الدكتاتورية. فقط أن يتركونا نكمل مسارنا الديمقراطي.
وماذا عن الجانب البراغماتي المصلحي لفرنسا على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
للأسف الشديد كل الدول الغربية عن بكرة أبيها وليس فرنسا فقط، تقدم مصالحها الاقتصادية البراغماتية على مسألة حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية. وهذا يظهر جليا من موقف هذه الدول الغربية من الدكتاتورية القائمة في مصر، ولذلك لا نستغرب هذا الموقف الرسمي لفرنسا تجاه ما يحدث في تونس. ولكن دورنا نحن كحقوقيين وديمقراطيين أن نقول لا.. لمثل هذه المواقف والسياسات، ونعترض عليها، لأن هذا سيزيد من معاناة شعوبنا.
- هل تريد أن تقول إن الديمقراطية وحقوق الإنسان في الدول الغربية هي مجرد شعارات جوفاء؟
ربما هم يعتبرون أننا لا نحتاج هذه الديمقراطية أو شيئا من هذا القبيل، ولكن نحن أيضا نحتاج الديمقراطية وحقوق الإنسان وسنفرضها بنضالاتنا، أحبّ مَن أحب وكَرِه مَن كره.
- بعد ترحيبه الاثنين بالإعلان عن الحكومة واعتبارها خطوة إيجابية نحو انفراج الأزمة ودعوته على لسان أمينه العام المساعد إلى حوار تشاركي ووضع سقف زمني للإجراءات الاستثنائية، إلى أي مدى سيكون دور اتحاد الشغل الذي كان دائما ميزانا لتوازن القوى والبوصلة الأخيرة التي تحدد وجهة الصراعات والأزمات؟
سننتظر ونرى في المستقبل ولكن حسب رأيي لا بد دائما من التساؤل ماذا يتطلبه الوضع الحالي؟ اليوم نحن بحاجة إلى الخروج من الأزمة السياسية حتى نتفرغ للأزمة الاقتصادية التي ستعصف بالبلاد، والخروج من الأزمة يتطلب العودة إلى الشرعية، وإذا كان اتحاد الشغل أو أي قوى أخرى، تمشي في مسار الرجوع إلى الشرعية والاحتكام إلى الدستور وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية إذا تطلب الأمر فهذا جيد للبلاد، وإذا كانت المسألة مجرد ذر الرماد في العيون، فالناس ستكتشف بسرعة أن مشاكلها ستتفاقم أكثر وستخرج للشارع للاحتجاج.
- كيف سيؤول الوضع في تونس خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة وانعدام الحلول، وهل يكفي تشكيل الحكومة؟
صحيح هذا هو بيت القصيد فبعد أسبوع سيعاد تصنيف تونس في الترقيم السيادي ويبدو أن رئيس الجمهورية لا يفهم قيمة هذا التصنيف. وربما تتدحرج تونس إلى مرتبة دنيا وما يعنيه ذلك في أسواق المال من عدم قدرة الدولة على الاقتراض أو التحرك بسهولة واعتبارنا دولة تسير نحو الافلاس.
هذا كله لا يبشر بخير وسط الأخبار السيئة التي تأتي من تونس عن وصول القدرة الشرائية أدنى مستوياتها. وذلك كله لتوقف ماكينة الاقتصاد عن الدوران والاقتصاد لا يتحرك في غياب الاستقرار السياسي. وكل من يلعب بالاستقرار السياسي هو يلعب بقوت الناس. ولذلك أعتقد أن هذه الدكتاتورية وقيس سعيد اختار أسوأ وقت للدخول في هذه المغامرة السياسية في الوقت الذي يفترض فيه التعقل والوحدة الوطنية والابتعاد عن الاختلافات. بالنهاية الأزمة السياسية ستفاقم الأزمة الاقتصادية وبمرور الوقت كل التونسيين سينزلون إلى الشارع للدفاع عن قوتهم.
- بخلاف الشارع الذي خرج للاحتجاج ضد إجراءات الرئيس سعيد هناك شبه صمت لِطَيف كبير من الطبقة السياسية التونسية.. فما أسباب ذلك؟
بخلاف الشعب الذي بصدد رد الفعل على الانقلاب والدفاع عن مصالحه، الطبقة السياسية خائفة على مصالحها وهناك من هو طامع ولكن للأسف الشديد ردود الفعل ليست بالقوة التي أتمناها. أتمنى أن تكون هناك جبهة ديمقراطية حقيقية للوقوف ضد الانقلاب، ولإعداد البدائل، لأني شخصيا أعتبر أن هذا الانقلاب ليس له أي مستقبل.
- ونحن على أبواب ذكرى الثورة التونسية (17 ديسمبر/كانون الأول-14 يناير/كانون الثاني) وما يحمله هذا التاريخ من رمزية هل تعتقد أن الاحتجاجات في الشارع ستأخذ زخما أكبر؟
حسب رأيي أن الأزمة الاقتصادية هي التي ستجبر التونسيين على الخروج إلى الشارع وستجبر هذه الدكتاتورية على التراجع، هذا الرجل خارج عن الموضوع لأنه عوض معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، جاء بأزمة جديدة ليس لها أي معنى لإصلاح النظام السياسي والدستور. الناس اليوم لا يهمهم هذا كله، بل يهمهم قوت يومهم ومقدرتهم الشرائية التي في الحضيض. شيء مخيف هذا اللاوعي بخطورة الأزمة من قبل الرئيس سعيد وبمجانبة الرد الطبيعي على الأزمة الحقيقية.
- ما رمزية وخطورة لحظة حرق دستور الثورة التونسية من قبل أنصار الرئيس قيس سعيد، وإلى أي مدى تعتبر ردة فعل شعبية طبيعية أمام تعنت الطبقة السياسية وخروجها عن المسار الديمقراطي وعنفها اللفظي والجسدي تحت قبة البرلمان؟
صراحة عشت على مدى 3 دكتاتوريات من بورقيبة إلى بن علي وصولا إلى اليوم، ولم أر في حياتي عنفا يشبه هذا العنف الذي يمارسه أنصار قيس سعيد، إلى درجة اضطررت معها إلى غلق نافذة التعليقات في صفحة الفيسبوك الخاصة بي، وكل الناس التي تحترم نفسها أغلقت هذه النافذة خوفا من العنف اللفظي والبذاءة والتهجم والتحريض.
- هل حقا أصبحت تخاف على سلامتك الجسدية ووصلتك تهديدات؟
طبعا.. طبعا وصلتني تهديدات وهناك تحريض واتهام بالخيانة وتهديد بحرق بيتي في تونس، وهذا مؤشر خطير جدا. وهذه المليشيات التي توصف بالحشد الشعبي أخاف أن تُدخل البلاد في دوامة من العنف التي والحمد لله نجحنا في تجازوها في السابق. من هنا فإن عملية إحراق الدستور هي ترجمة حقيقية لهذا العنف اللفظي والجسدي ولغول العنف الذي يتهددنا، وليس لها أي علاقة بالعنف الذي كان يقع في البرلمان، فحين ننظر إلى كل برلمانات العالم نجد فيها مثل هذه الأشياء.
وهؤلاء الناس الذين أحرقوا الدستور هم أحرقوا رمز الثورة ويتحملون مسؤولية أخلاقية وتاريخية، والغريب أن رئيس الجمهورية لم يخرج للناس ويبين موقفه، ولم يدن هذا الفعل الشنيع وعملية الحرق. وبرأيي أن رئيس الجمهورية نفسه مشارك في العنف اللفظي لأنه يصف معارضيه وخصومه بالحشرات والمخمورين وإلى غير ذلك من القاموس المشجع على العنف، وهذا مخيف كثيرا.
- هل نحن أمام دكتاتورية البروليتاريا؟
البروليتاريا بالمفهوم الماركسي هي الطبقة الشغيلة (العاملة) التي لها مشروع سياسي، وشيء آخر غير الذي نراه اليوم في تونس من عنف، أنا دائما أقول إن ثورة 14 يناير/كانون الثاني (2011) أخرجت أجمل ما فينا بينما انقلاب 25 يوليو/تموز (2021) أخرج أسوأ ما فينا!
المصدر : الجزيرة
عبد المجيد دقنيش