الأغبياء الخطرون مرّة أخرى
الخميس 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010
الهجوم الذي استهدف كنيسة سيدة النجاة وسط بغداد يوم الاثنين 1 نوفمبر والذي أدى إلى مقتل 52 مصليا ورجال شرطة عراقيين
جريمة أدانتها الحكومات الغربية بصوت واحد . كان الأمر منتظرا ولو أنه لا أحد جعلها يوما وصية على المسيحيين العرب ولا حتى إخوتنا المسيحيين أنفسهم .
كان من الأفضل أن تدينها كل الحكومات العربية بصوت أوضح وخاصة كل السلطات المعنوية والشخصيات الإسلامية وألا يترك أمر الاستنكار للموظف الأول للجامعة العربية والكل يعلم مدى مصداقية أو إشعاع الرجل والمؤسسة. الفظيع في الجريمة النكراء عدد الضحايا الأبرياء وأيضا قتلهم لمجرّد كونهم مسيحيين. لكن الأفظع من كل هذا ما تدل عليه الجريمة أي قدرة التخريب الهائلة التي يتوفر عليهم اليوم من أسميتهم الأغبياء الخطرين.
هؤلاء ظاهرة مشينة لا يخلو منها دين : مجانين التكفير عندنا ، القس الأمريكي ترّي جونز الذي هدّد بمناسبة ذكرى 11/9 بحفل حرق المصحف الشريف ، الحاخام الإسرائيلي باروخ مارزل الذي أفتى بتحريم كراء المنازل للفلسطينيين ناهيك عن الحاخامات الذين أفتوا بقتلهم ، الكهنة الهندوس الذين كانوا وراء حرق جامع أيوديا…الخ .
الجزء الأول المكون لهذه الشخصيات هو الغباء . أي تفسير آخر – عدا التآمري – لفهم الحجة التي تذرّع بها أصحاب مجزرة كنيسة سيدة النجاد أي الثأر لامرأتين تقول الجماعة إنهما تحولتا إلى الإسلام وتم احتجازهما ضد إرادتهما ، مهددة بأنها ستبيد المسيحيين العراقيين في حالة عدم تحريرهما . هل يمكن لعاقل أن يثأر لدينه بهذه الكيفية علما وأنه لا مكان لمفهوم كهذا في أي دين .؟ وبخصوص الحجة يجب العودة للمعركة التي تشير إليها أي النزاع السخيف الدائر في مصر حول السيدتان المصريتان وهما زوجتا كاهنين اختفت إحداهما في عام 2004، واختفت الأخرى في يوليو/تموز من العام الجاري. ويقال أنهما اختطفتا عقابا لهما على اعتناق الإسلام وهاهم المدافعون عن الدين الحنيف يتصدون ” للمظلمة الكبرى ” بقتل أكثر من خمسين مصلّ بريء في بلد آخر .
كل هذا ينضح بغباء سميك لا علاج له ولا شفاء منه يدلّ على الانحطاط الذي أصبح جزء من شعبنا يعاني منه وقد تداخلت الطرق وضاعت المفاهيم واختلط الحابل بالنابل في العقول والقلوب . المضحك المبكي في الأمر أنه في الوقت الذي يتقاتل فيه المساكين والفقراء و” الغلابة ” من المسلمين والأقباط على تفاهات، يتواصل سلب الفريقين ممن لا يضيعون وقتهم في السفاسف وإنما في تكديس الكنوز والهرب بها إلى حيث المكان الأمين. لكن أليس هذا هو الدليل الساطع على غباء الأغبياء وهم يخطئون في تحديد سبب المصائب المتساقطة على رؤوسهم متوجهين بنقمتهم للضحايا مثلهم لا للجلادين.
وهؤلاء الناس خطرون لأنهم مثل شرارة النار التي ترمى على الحطب اليابس وهذا الحطب اليابس القابل للالتهاب بسرعة مخيفة هو عمق تشبثنا كلنا بمقدساتنا لأنها أكثر من اعتقادات ومباني وطقوس وإنما إحدى أهمّ دعامات هويتنا الفردية والجماعية .ومن ثم خطورة الرجّة التي تصيبنا عندما يفجّر مسجد أو كنيسة أو كنيس أو معبد فالرسالة الموجهة بهذا التدمير متعددة الأبعاد : لا نحترم فيكم شيئا أو أحدا لأننا في قرار أنفسنا لا نعتقد أنكم بشر وإنما أبالسة خارجون على المقدس الذي لا يعرفه سوانا…ما ترونه أنتم مقدسا ندنسه نحن لنثبت لكم أنه ليس أكثر من حجر على حجر أو من حبر على ورق ..
لا غرابة في حدة ردّ الفعل على اعتداء يتوجّه إلى الأعماق وهو ينكر علينا إنسانيتنا التي لا نعبّر عنها إلا من خلال معتقدات وطقوس مثلما لا نعبر عن مشاعرنا إلا بلغة وكلمات ليست تلك التي يستعملها الآخرون .
عنف أعمى يفجّر عنفا أعمى إنها المعادلة التي طبعت دوما بطابعها الدموي الحروب الدينية وهي كما نعرف الكلّ أكثرها شراسة والرهان ليس ما يملك الآخر من مال وسلطة وإنما ذاته لا غير.
السؤال منذ قديم الزمان هو ما الذي نستطيع فعله نحن القابلون باختلافاتنا العقائدية والعرقية والسياسية والشخصية والفاهمون أن الخيار هو التفاوض السلمي لتعايش في مصلحة الجميع أو الحرب الأزلية. لاشيء تقريبا ، فهذا الجنس من الآدميين مثل الحشائش المضرّة التي تنبت باستمرار مهما ناشدت الأديان والأخلاق وعلّمت ودعت ، ربما لأنهم يمثلون الجزء الأظلم في ما يسميه المتنبي شيم النفوس والبعض الآخر الطبيعة البشرية .
الشيء الوحيد الذي نقدر عليه لعب دور رجال المطافئ . ما أن يشعلوا حريقا إلا ووجب على العقلاء المسارعة لتطويقه حتى لا يمتدّ ملتهما الأخضر واليابس . مأساة كنيسة سيدة النجاة ببغداد لم تظهر فقط حيوية الأغبياء الخطرين لكن للأسف الشديد وهن رجال المطافئ العرب والمسلمين الذين لم يهبوا هبة رجل واحد للتضامن الصادق والشجب غير البروتكولي والمسارعة بالوعظ والإرشاد لأمة يبدو أحيانا كأنها فقدت حقا بوصلتها.
معذرة يا إخوتنا المسيحيين ورحم الله كل الضحايا الأبرياء.شيعة وسنة ومسيحيين ويهود وهندوس وكل من تشاركوا في مأساة الانتماء لآدمية لم تصبح بعد الإنسانية . *********