إلى الأخوة والأخوات أساتذة التعليم الثانوي في يوم إضرابهم
الاربعاء 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2010
كم أنشد آباؤنا
قف للمعلّم ووفّه التبجيل كاد المعلّم أن يكون رسولا
أما اليوم فإن البيت يمكن أن يكتب
قف للمعلّم ووفّه التنكيل……كاد المعلّم أن يكون شحاذا.
اسمحوا لي وأنتم تقفون للدفاع عن حقوقكم وكرامتكم أن أقول لكم باسمي الخاص وباسم زملائي في المؤتمر من أجل الجمهورية وأعتقد باسم كل التونسيين، إلى أي مدى نحن مدينون لكم بكل ما تفعلون للوقوف في وجه مدّ التجهيل والتضليل واحتقار التعليم والثقافة وذلك منذ استيلاء الجهلاء على مقاليد الدولة وبثهم في المجتمع سمومهم ومن أخطرها أنه لم يعد للتعليم أي دور في رفع الناس إلى أعلى المراتب.
عندما يتفحص المرء مطالبكم (سن التقاعد إلى 55 سنة بسبب مشقة مهنة التعليم ، القانون الأساسي رفضت السلطات الحوار حوله مع النقابة ، الزيادة في المنح الخصوصية ومنحة مراقبة وإصلاح الامتحانات الوطنية ،إحداث منحة مشقّة ، إعادة المطرودين مثل محمد المومني وعلي الجلولي ومعز الزغلامي زكية الضيفاوي اضافة الى مطالب قطاعية أخرى ) يكتشف كم هي شرعية وفي نفس الوقت كم هي مرتبطة بوضع لا يمكن حصره في هذه المطالب.
ألم يطرد الأساتذة الأجلاء لغياب الحريات النقابية والسياسية ؟ أليس الوضع المادي المزري لرجال التعليم جميعا مرتبط بسياسة نظام الاقتصادية والاجتماعية ؟ ألا ترفل العصابات الحاكمة في الرفاهة بينما نرى نزيفا متواصلا في المستوى المعيشي لكل من يعمل؟ أليس انهيار التعليم في كل المستويات هو أخطر ما يهدد شعبنا الذي بنى انطلاقته على تقديس التعليم ؟ ثم أليس ما يعرفه القطاع هو ما يعرفه القطاع القضائي والأمني الخ ؟
ما تعرفونه كلكم بداهة أنه لا حلّ لقضاياكم في ظلّ هذا النظام السياسي الذي يقوده جهلة فاسدون مفسدون يحتقرون العلم والثقافة ويحتقرون أكثر الفقراء المثاليين أمثالكم الذي يضحون بأعمارهم في خدمة أنبل مهمّة.
ثمة من سيسارع للقول أنه لا يجوز خلط النقابي بالحزبي والسياسي . ليسمح لي مع كامل الاحترام لرأيه وكامل الاعتراف للنقابي بأن يكون مستقلا عن الحزبي والسياسي أنه لا علاج ظرفي وقطاعي ومحلي لإشكالية عامة مثلما لا علاج لمرض السلّ بدواء الحمّى ودواء السعال .
هنا اسمحوا لي وأنتم أهل المعرفة أن أذكركم بالفرق بين التحزّب والتسيّس .
أما المفهوم الأول فله وجه مظلم عندما يعني ركوب بعض الأشخاص وبعض المجموعات على مطالب اجتماعية لاستغلالها طمعا في الوصول للسلطة ومغانمها.
وله وجه مضيء عندما يعني تجميع أشخاص لطاقتهم لخدمة قضية وطنية لا لاستخدامها. شتان كما يقول صديقي عبد الرءوف العيادي بين من له قضية ( بمعنى الدارجة ) وبين من له قضيّة (بمعنى الفصحى).
التسيّس شيء جد مختلف حيث يعني الوعي بأن المشاكل التي نعاني منها كأفراد وكمجموعات مرتبطة بطبيعة النظام السياسي.
يفهم ترك التحزّب لكن كيف يترك التسيّس ، على الأقلّ حتى لا يواصل الجهلة الفاسدون المفسدون احتقاركم وهم يعتقدونكم أجبن من القدرة على طرح التشخيص الحقيقي الذي يعرفه الجميع ؟ من لا يعي إلا إذا كان مبصرا مصمما على ألا يرى أنه لا حلّ لمشاكل الأساتذة والقضاة والمحامين والتجار والفلاحين والشباب في ظلّ مثل هذا النظام المشين الذي سنخجل يوما أنه حكمنا يوما وحكمنا طول هذا الوقت .
فليكن يومكم هذا يوما نضاليا من أجل كرامتكم وكرامة مهنتكم لكن أيضا وداخل أعماقكم يوما من أيام المقاومة المدنية هدفها الآني تركيع السلطة الغاشمة وهدفها الحقيقي رميها في أقرب وقت ممكن في سلة مهملات التاريخ .
نضالكم هو نضالنا ومن ثمّ فمساندتكم ليست واجبا وشرفا وإنما ضرورة حياتية لنا جميعا وأنتم مع كل المربين المؤتمنون على أهم موارد الوطن: أطفالنا.
مع بالغ المودة والفخر والتضامن
د. منصف المرزوقي