تونس ـ «القدس العربي»: قال الرئيس السابق منصف المرزوقي، إن تونس تغرق اليوم في الفساد والفقر والتداين الخارجي وانعدام الأمن والهجرة السرية، معتبراً أن «الخطب الشعبوية» للرئيس قيس سعيد لم تعد قادرة على إخفاء هذا الواقع.
ودعا إلى عقد مؤتمر وطني لكل القوى الديمقراطية يمهد لمقاطعة كبيرة للانتخابات الرئاسية، قبل الإعلان عن رفض نتائجها في حال قررت «الدولة العميقة الاحتفاظ بسعيد لخمس سنوات أخرى».
وقال المرزوقي، في حوار خاص لـ«القدس العربي»: «تونس منذ الانقلاب الذي جاء ”لينقذ البلاد من الفاسدين”، تغرق في الفساد والفقر والتداين الخارجي وانعدام الأمن والهجرة السرية، ولم تعد الخطب الشعبوية قادرة على إخفاء عين الشمس بغربال».
الدولة العميقة
وأضاف: «السؤال هو ماذا قررت الدولة العميقة، أي قيادات الجيش والأمن، والأمن الرئاسي؟ هل ستترك رجلاً غير سوي يدمر البلاد أم ستنقذ نفسها والبلاد ربما بدفع مرشح لها للانتخابات المقبلة، هكذا تتخلص من الحمل الثقيل دون الحاجة لانقلاب طبي كما وقع مع بورقيبة وتفادياً لثورة عارمة كما وقع مع بن علي».
وحول إمكانية تقدمه بمبادرة جديدة لتجميع القوى السياسية وإعادة الحياة للمشهد المتعثر في تونس، قال المرزوقي: «المهمّ اليوم بالنسبة لي هو مواصلة التجند لإطلاق سراح الأسرى السياسيين. انظر لقائمتهم ولقائمة المنفيين وستجد أنها قائمة فيها كل المرشحين الجديين لانتخابات رئاسية حقيقية، والأمر ليس صدفة».
وأضاف: «بخصوص هذه الانتخابات (الرئاسية) المجهولة التوقيت والظروف عمداً، يقولون لي إن كل الدراسات تثبت أن المقاطعة التي أدعو إليها منذ زمن طويل لم تطح يوماً بدكتاتور، أقول لهم: هاتوا حالة واحدة رحلت فيها الانتخابات بمنقلب حلّ البرلمان وألغى الدستور وكل مؤسسات دولة القانون واستولى على السلطات تحت حراسة الدبابات».
وتابع المرزوقي: «ناديت وما زلت أنادي بمؤتمر وطني لكل القوى الديمقراطية يمهد لمقاطعة نشطة (للانتخابات الرئاسية) ثم تعلن لا شرعية نتائجها إذا قررت الدولة العميقة تحت الضغط الخارجي الاحتفاظ بالمنقلب لخمس سنوات تدمير أخرى. أرجو أن يذكّر المثل الذي تعطيه أحزاب اليسار في فرنسا التي تجمعت في جبهة واحدة ضد زحف اليمين المتطرف أصدقائي الديمقراطيين في تونس أنه دون جبهة واسعة ضد الانقلاب فلن نصل لشيء».
وعلق على حادثة اقتحام منزله في تونس وسرقة محتوياته بالقول: «كنت أعلم عندما رفعوا الحراسة التي كان لي الحق فيها قانونياً كرئيس سابق، أنها دعوة للصوص: تفضلوا البيت بيتكم!».
وفيما يتعلق بتأثير فوز اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية الأوروبية على العلاقة مع تونس وخاصة في ملف المهاجرين، قال المرزوقي: «المنقلِب (في إشارة للرئيس قيس سعيد) هو اليوم الحارس الأمين المدفوع الأجر للحدود الأوروبية، لذلك أخشى ألا يعتبر الأوربيون إلا هذا الوجه للنظام للحفاظ عليه، متجاهلين كل الجوانب الأخرى، منها دوره في تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، أي في المحصلة تأخير الانفجارات وما يتبعها من تكثيف محاولات الهجرة».
«أوضاع مهاجرينا»
وأضاف: «أما أوضاع مهاجرينا فأخشى ما أخشاه أن الوضع سيزداد سوءاً بتقدم اليمين المتطرف، بحيث سيكون الخيار أمام شبابنا: القمع أمامكم والقمع وراءكم. لذلك، أؤمن أن انفجار براكين الثورات قدر محتوم بما أن كل السياسات الأوروبية والمحلية تكتفي بالتعامل مع الأعراض متجاهلة المرض الفتاك».
ومنذ ثمانية أشهر، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة، الذي تسبب بمقتل وجرح عشرات الآلاف وتدمير أكثر من 70 في المئة في بعض أحياء القطاع، في وقت لا يبدو فيه أن ثمة حلاً قريباً في الأفق.
وعلق المرزوق على ذلك بقوله: «الكرة في ملعب الإسرائيليين المهزومين عسكرياً وإعلامياً وأخلاقياً، فإما أن يتخلصوا بكيفية أو بأخرى من حكومة نتنياهو-بن غفير-سموتريتش ويقبلوا بوقف العدوان، وإلا فإن الحرب ستتواصل وستتسع إقليمياً، وآنذاك ليحفظ الله شعبنا المناضل لأن ملحمته ستتواصل، وكل الأمل أن تستيقظ هذه الأمة المشلولة من بهتتها، فلعل غضبها العارم يجبر أمريكا التي تدير اللعبة على ايقافها لمصلحتها ومصلحة الجميع».
مرحلة التطبيع المكشوف انتهت
وفيما يتعلق بحديث بعض الأنظمة العربية عن عودة التطبيع مع إسرائيل بعد توقف عدوانها على غزة، قال المرزوقي: «مرحلة التطبيع الوقح المكشوف اللا مبالي بالرأي العام الوطني انتهت. سيعود تطبيعاً خائفاً متوارياً، لكنه لن يذهب بعيداً بكل الأطراف؛ فغزة كسرت كل المعادلات، والشعب الفلسطيني عاد لاعباً أساسيا في الساحة الإقليمية والدولية، والشعوب العربية مثل البراكين التي تغلي ولا أحد يعرف متى ستنفجر».
وأضاف: «من كان يتوقع ثورات 2011 -ومن كبار الاستراتيجيين- توقع السابع من أكتوبر/تشرين الثاني. الشيء الوحيد الإيجابي في هذه الحرب هو هذا الدعم غير المتوقع من الأجيال الجديدة في الغرب -ومنهم يهود- مما يظهر أن هناك قيماً إنسانية حقيقية ويبشر ربما غداً بعلاقات أكثر ودية مع الشعوب الغربية».
وفيما يتعلق بسقوط شعارات «معاداة السامية» و»الإسلاموفوبيا» عقب حرب غزة، قال المرزوقي: «أهم من سقوط القوة الردعية لإسرائيل في هذه الحرب هو السقوط المدوي لقوتها الدعائية. فعندما تسمع اليوم نائب رئيس الكنيست يتهم عائلات الأسرى المتظاهرين بأنهم أذرع حماس، وقبله الاتهام المبتذل بمعاداة السامية لكل من يرفع صوته ضد المجازر، سواء أكانت الأمم المتحدة أو محكمة العدل أو محكمة الجنايات الدولية أو سياسيين وصحافيين يهوداً، لا تأتيك إلا كلمة واحدة: الإفلاس. ويقابله إفلاس آخر للذين شنوا حربهم على حماس من موقع الإسلاموفوبيا، واليوم يتفاوضون معها كما تفاوضوا من قبل مع ”إرهابي” طالبان والفيتكونغ (الفيتنام) وجبهة التحرير الجزائرية».
19 – يونيو – 2024