27-1-2021
مقابلة مع جريدة القدس العربي
مع الصحفي حسن سلمان
بعد عشر سنوات من سقوط نظام بن علي، ماذا أثمر “الربيع التونسي”؟ بمعنى آخر: هل نعيش اليوم “تعثرا ديمقراطيا” أم “ثورة غير مكتملة” أم عودة لـ “الثورة المضادة”؟
ردّدت أكثر من مرة أن الثورة حققت أهدافها: الإطاحة بالدكتاتورية، وضع أسس دولة قانون ومؤسسات عبر الدستور الذي وضعته وكل المؤسسات المستقلة التي أنشأها، إطلاق الحريات الفردية والجماعية، الشروع في استرجاع الأموال المنهوبة، مصادرة كميات هائلة من ثروات الفاسدين، أخيرا إعادة السلطة للشعب بتنظيم أولى الانتخابات الحرة والنزيهة في تاريخه. للأسف وأيضا لظروف اقليمية ودولية واخطاء من حكومة الترويكا عادت الثورة المضادة للسلطة بعد أن ضمنت تحييد النهضة بانتخاب قائد الثورة المضادة السبسي وحزبه في انتخابات 2014 . هذا التحالف بين النهضة ولنقل الجناح المعتدل من النظام القديم هو الذي يحكم تونس إلى اليوم بما معناه: حاسبوا الثورة على ما أنجزت من 17 ديسمبر 2010 إلى 21 ديسمبر 2014 وحاسبوا الثورة المضادة على ما تبع إلى اليوم.
كيف تفسرون الاحتجاجات المتواصلة اليوم في مناطق عدة في تونس: هل هي بوادر لـ “ثورة جديدة” في ظل فشل الحكومات المتعاقبة على إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي؟ أم هي محاولة من أطراف سياسية مدعومة من الخارج لجرّ البلاد نحو الفوضى في ظل التجاذبات السياسية المتواصلة بين أقطاب الحكم والمنظومة السياسية عموما؟
تونس اليوم في ورطة غير مسبوقة وهي ضحية صراع متزايد الخطورة بين برلمان يمثل الشرعية الانتخابية والدستورية لكنه فاقد لكل شرعية أخلاقية سياسية في عيون الناس وبين تحالف موضوعي بين الشعبويين والشق المتطرف من الاستبداديين لا هدف له إلا إلغاء دستور الثورة
و العودة للحكم الفردي أي لحكم العائلة والمقربين والأجهزة .
كل هذا في طار وضع كارثي والبلد منكوب بجوائح كرونا والفساد والفقر وبدون أدنى أفق .
المطلوب اليوم من رئيس الجمهورية الكف عن التحريض على الدستور والقيام بدوره كمستأمن عليه وكرئيس الجميع لا كقائد فريق ضد فريق وعليه ترك الحكومة تعمل وعلى الحكومة التي زكاها البرلمان مؤخرا أن تعمل لتحسين وضع التونسيين وعلى البرلمان أن يستعيد احترام الشعب وأن يسرع بقانون انتخابي جديد يحلّ أكبر مشكلة تعترض قيام نظام ديمقراطي مستقرّ.
وإلا فالثلاثي الحاكم غير جدير بالمسؤولية . أيتخاصم طاقم السفينة على الصلاحيات والتشريفات والسفينة بصدد الغرق ؟
في ذات السياق، حذرتم من دعوات الانقلاب على الدستور والعودة إلى النظام الرئاسي، كما حذرتم من عودة الديكتاتورية، هل كانت هذه رسالة موجة إلى الرئيس قيس سعيد وأنصاره؟ أم لجهات أخرى؟
أزمة تونس في تعطل الاقتصاد وتعدد وتتابع الحكومات والعقلية المطلبية التي تسود في المجتمع وتراجع قيمة العمل واستشراء الفساد وهو من أهم بقايا حكم السبسي الذي استهل رئاسته بقانون ما سماه المصالحة الوطنية والحال أنه كان المصالحة مع الفساد ومن يومها انتشر الفساد الذي حاربته الثورة فعليا كالنار في الهشيم . ثم تسمع أناسا يختزلون كل هذه العوامل في غياب النظام الرئاسي كما ليس هو الذي حكم تونس نصف قرن وهو الذي قادنا للهاوية. صدق من قال من لا يعرف التاريخ مجبر على تكراره وأصدق منه الذي قال : لكل داء دواء إلا الحماقة أعييت من يداويها .
بعد فترة استمرت لأكثر من عام أعلنتم خلالها الانسحاب كليا من الحياة السياسية، كيف تقيمون تلك الفترة؟ وماذا أثمرت (مشاريع فكرية أو غيرها)؟ وهل تفكرون بالعودة للحياة السياسية عبر مشروع جديد وتحالفات جديدة تعيد خلط الأوراق داخل المشهد التونسي، وخاصة في ظل دعوة المراقبين لعودة رجالات تونس (وأنتم من بينهم) لتوحيد الصفوف وإنقاذ الأوضاع المتردية في البلاد؟
فعلا، كل الشخصيات التي تتمتع بقدر عالي من التجربة السياسية ولعبت دورا هاما في الثورة رمت المنديل وانسحبت أمام المشهد المقزز للساحة السياسية الحالية. لكنني أعتقد أنه لا يجوز لها ترك تونس تغرق. هذا يعني تشكل جبهة سياسية جديدة تحت راية دستور الثورة والمشترك الوطني لمواجهة حركة بالغة الخطورة تتشكل من تحالف الشعبويين والجزء الفاشي من النظام القديم ستنتهي إن نجحت بمرحلة خطيرة من الفوضى تتبعها بسرعة عودة الاستبداد وتعود تونس للمربع الأول .
نعم يجب لقوى الثورة أن تعيد تنظيم الصفوف لحماية تونس من انقلاب على الديمقراطية من قبل الحلف الاستبدادي -الشعبوي أو من تعفن متواصل في ظل تحالف النهضة وجزء آخر من النظام القديم الفاسد…وفي الحالتين النتيجة خراب تونس.
لا مهمّة اليوم أهمّ من إنقاذ تونس من ”المنقذين” .
-إذا لم يتم أو لم ينجح الانقلاب الذي يحلم به ويدعو إليه البعض، على قوى الثورة ترميم ورص الصفوف والاستعداد الجدي هذه المرة للاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي ربما يتسبب تعمق الأزمة في حدوثها قبل 2024.
– في حالة حصول الانقلاب على الشرعية والدستور وأيا كانت الوسيلة والمبررات، لن يكون لنا من خيار آخر غير العودة للمقاومة المدنية الشعار عادت الأفعى فلنعد لها بالنعال. يومها سيجدوني في الصف الأول.
كيف تصفون الأوضاع في العالم العربي بعد عشر سنوات من الربيع العربي، هل نحن أمام إجهاض حلم التغيير مع استمرار حكم العسكر في مصر وسوريا؟ أم بوادر لربيع جديد في الجزائر والسودان وغيرها؟
الثورة ليست زرا يُضغط عليه فتمر الشعوب من الظلمات إلى النور وإنما منعطف يأخذه التاريخ في اتجاه جديد.
حصل المنعطف في العقول والقلوب ألا وهو ضرورة وضع حد لاستئثار أقلية عنيفة فاسدة بالسلطة والثروة والاعتبار.
وقعت المعركة الأولى التي ستتلوها معارك ومعارك إلى أن تنتهي الحرب كما انتهت في كل أماكن الأرض أي بإصلاحات جذرية على نظام توزيع الثروة والسلطة والاعتبار.
كيف تنظرون إلى الأزمة التي تعيشها ليبيا منذ 10 سنوات؟ وهل يفضي الاتفاق الأخير الذي تم توقيعه أخيرا في المغرب إلى حل المشكلات العالقة بين الفرقاء الليبيين، وخاصة مع تواصل التدخل الخارجي في البلاد؟
أتمنى ذلك بالطبع لكنني أشك كثيرا في تحقيق المصالحة الوطنية فما بالطبع لا يتغير ولا أظن محور الشر السعودي الاماراتي المصري سيقبل بهزيمته وبضياع كل استثماراته في حفتر. ما سيجبرهم على الأمر مواصلة صمود الشعب الليبي وتحقيق أهداف ثورة فبراير المجيدة.
توقعتم في حوار سابق أن تشهد بلدان الخليج وخاصة السعودية موجة جديدة من الربيع العربي. برأيكم، لماذا تأخر الربيع السعودي؟ وهل سيؤدي إلى انهيار النظام الملكي وقيام دولة ديمقراطية، أم سيتم إجهاضه من قبل قوى الداخل والخارج؟
تذكروا مقولة الفيلسوفة الألمانية هانا أرندت: ”في الدكتاتوريات كل شيء على ما يرام إلى الربع ساعة الأخيرة”.
كل الصمت الذي ترون هو صمت الآليات التي تنخر ببطء في الأعمدة التي ترفع البنيان الذي يبدو موجودا إلى الأزل.
حالما تكمل الآليات الصامتة عملها ترى المبنى ينهار فجأة أمام الأفواه المفتوحة دهشة خدعتها المظاهر.
الخيار أمام كل الأنظمة مهما بدت عصية على التغيير: الإصلاح او الثورة.
ما يمكن أن يحدث فيما بعد صراع طويل مرير بين الثورة والثورة المضادة إلى الوصول إلى مرحلة موت القديم نهائيا ووقوف المولود الجديد على رجليه.
بما أن أغلب النظريات الفكرية في العالم جاءت كرد فعل على حروب أو أزمات أو حراك دولي معين، ما هو نوع الفكر أو الثقافة التي أنتجها الربيع العربي؟
هذا سؤال سيرد عليه المؤرخون وليس السياسيون أو الصحفيون. ما يمكن أن أقوله إنني أرى طفرة من الابداع الفكري والفني لا نقدره حق قدره ونحن وسط التيار لكن من سيأتون بعدنا سيندهشون لجودة ما انتجته آمالنا وآلامنا.
ما هو مستقبل اتفاقيات التطبيع بين بعض الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي؟ وكيف ستنعكس على واقعنا العربي المتخبط؟
سيفرّق المنظرون في العلوم السياسية بين نوعين من التطبيع الناجح كالتطبيع بين المانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وكان تطبيعا بين نظامين شرعيين وشعبين ملّا من التقاتل وفي كنف الاحترام والمصلحة المتبادلة
والتطبيع الفاشل كالتطبيع بين أنظمة عربية مطعون فيها وإسرائيل في غياب أي دعم شعبي وبدون أي مراعاة لحقوق الشعب الفلسطيني ويافطة السلام لا تخفي إلا الاستسلام.
اعتبرتم قبل أيام أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، حالة شاذة في الديمقراطية الأمريكية، كيف تنظرون إلى انتخاب جو بايدن رئيسا جديدا للولايات المتحدة؟
إنه انتصار الديمقراطية على أكبر هجوم شعبوي تعرضت له في تاريخها. وإن كان هذا الانتصار ظاهرة إيجابية ودليل على قوة الديمقراطية فالإنذار هو أيضا ظاهرة يجب أن تسترعي الانتباه.
أن ينتخب أكثر من سبعين مليون ناخب شخصا مثل ترمب دليل على أن هناك كما يقول شكسبير ”خمج في مملكة الدنمارك قل في مملكة العمّ سام ”.
وهل سنشهد تغييرا جذريا في السياسية الأمريكية تجاه العالم العربي؟ هل تتوقعون أن يتعامل بادين مع ظاهرة الربيع العربي كما فعل الرئيس الأمريكي السابق، بارك أوباما (على اعتبار وجود تقارب كبير بين الرجلين)، أم سينتهج سلوكا مغايرا عبر دعم الثورات العربية ضد الأنظمة المستبدة؟
لنقل إن الأمور لن تتطور إلى الأسوأ. تصور لو أعيد انتخاب ترمب!!! كل الدكتاتورين في المنطقة كانوا سيزدادون تصعيدا وغلوا في القمع. ما عدا هذا لا أتوقع تغييرا جذريا حتى ولو أنني سمعت مباشرة من الرجل وهو نائب الرئيس أوباما صيف 2014 كلاما لطيفا عن الربيع العربي. ثوابت السياسة الأمريكية في دعم اسرائيل والأنظمة العميلة لا تتغير أبدا أيا كان الرئيس كلما ما هناك الفرق في أسلوب الفرض.