خطاب انطلاق الحوار الوطني
السبت 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
السيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي
السيد رئيس الحكومة
السيد الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل
السيدة رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية
السيد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
السيد عميد المحامين
السيدات والسادة رؤساء وممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمستقلين
الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
’’وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ’’ صدق الله العظيم
كرهنا يوم 6 فبراير وقد ُضربنا في الصميم بالاغتيال الجبان للشهيد شكري بلعيد .
كرهنا يوم 25 جويلية وقد ضُربنا في الصميم بالاغتيال الجبان للشهيد محمد البراهمي
كرهنا يوم 29 جويلية وقد ضُربنا في الصميم بالاغتيال الجبان لجنودنا في جبل الشعامبي
كرهنا هذه الأيام العصيبة التي مرّت علينا طيلة هذا الصيف المشحون وتونس تبدو كأنها سفينة في مهبّ الريح.
لكن تضحيات الشهداء وآلام العائلات التي كانت ولا تزال آلامنا، لم تذهب سدى .
فالمصائب الكبرى التي لا تكسر الشعوب تقوّيها وهذا ما حدث بالضبط. فبالرغم من قوى الشرّ ، أظهرت أخطر أزمات المرحلة الانتقالية كم هي عصية على الإغراق سفينة تونس .
مما خفّف من آلام فقدان شهدائنا ومن حسرتنا على كل الوقت الضائع، أننا كسرنا كل المخطّطات لضرب مسارنا الديمقراطي. لقد أظهرت الأزمة الأخيرة
مدى حكمة شعبنا وصبره ونفوره من كل أصناف العنف.
مدى انضباط جيشنا الأبي الحامي للحدود وللمؤسسات وللشرعية.
مدى فعالية أجهزتنا الأمنية التي تصدت بكل قوة لأعداء الدولة.
مدى مسؤولية الطبقة السياسية التي لم يتوقف داخلها الحوار لإيجاد حلّ وفاقي للأزمة .
مدى حرص المجتمع المدني على إيجاد حل سياسي عبر مبادرة الرباعي – المشكورة والمثمّنة -هي ووساطات كل محبي
الخير لهذا الوطن.
مدى حكمة القيادة السياسية وأعني قرار السيد رئيس المجلس التأسيسي بتعليق مؤقت يبقي الباب مفتوحا أمام عودة الاخوة
النواب المنسحبين وتجنيد السيد رئيس الحكومة كل وسائل الدولة لمحاربة الإرهاب.
مدى التزام جلّ دول العالم الشقيقة والصديقة بدعم مسارنا الانتقالي السلمي.
كل هذه العوامل التي بيّنتها هذه الأزمة الاخيرة والأزمات التي سبقتها مطمئنة ويجب أن تعمّق فخرنا بتونس وأن تقوّي ثقتنا بوطننا وبأنفسنا.
نعم كل هذه العوامل التي ابرزتها بكل وضوح الأزمة الأخيرة تجعلني جدّ متفائل بخصوص مستقبلنا القريب والأبعد. نعم إني على أشدّ القناعة أننا سنجد وفاقا سياسيا يمكننا من إتمام الدستور، من تعيين اللجنة المستقلة للانتخابات ، من تحديد موعد هذه الانتخابات بقانون ، من تعيين حكومة تمكن اللجنة المستقلة من كل ما تحتاج لتكون هذه الانتخابات نموذجية توفّر كل الضمانات لمراقبة نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
أيها الاخوة والأخوات
بقدر ما أنا فخور بوطننا وبثورتنا وبشعبنا ، بقدر أنا متفائل بنتيجة هذا الحوار ، بقدر ما أنا منشغل بخطرين يجب أن يكونا حاضرين بقوة في أذهانكم وأنتم تتحاورون .
الخطر الأول هو الإرهابي .
إنني أريد أن تعرفوا أن الخطر جدي حتى وإن كان تحت السيطرة ، أن هناك من يتجمعون وراء حدودنا وداخلها لزرع العنف والفوضى ، ظاهريا باسم معتقدات منحرفة وباطنيا لتحقيق أجندات خفية تتجاوزهم وتستعملهم لضرب كل حظوظ استتباب نظام ديمقراطي في أي أرض عربية .
إن الذين قتلوا شهيدينا وجنودنا ورجال أمننا اصبحوا -هم ومن يحركهم – خبراء في اختيار لحظة ضربنا. كلما قربنا من الحلّ كلما تدخلوا لإفشاله لذلك يجب على الطبقة السياسية- أكثر من وقت مضى – أن تواجه كل عملية إرهابية قد تحدث -لا قدر الله مجددا- موحدة.
كما يجب على الشعب أن يحافظ على هدوءه ورباطة جأشه وطول النفس فاستئصال جذور الإرهاب في بلادنا – كما هو الحال في كل البلدان-عملية ستكون شاقة طويلة إذ تتطلب علاجا ثقافيا واقتصاديا وأمنيا.
لكن ما هو المطلوب في هذا الظرف الدقيق إتمام هياكل الدولة الديمقراطية بأقصى السرعة حتى تصبح مكسبا قارا صلبا متينا لا رجعة فيه .
إنها نفس ضرورة الاسراع في التعامل مع الخطر الثاني ألا وهو الوضع الاقتصادي .
إنني مقتنع أنكم على أشدّ الوعي أن تطويل النقاشات ،أو الفشل فيها لا قدّر الله ،لا يعرض فقط أمننا الوطني للخطر وإنما يضرب حق مئات آلاف التونسيين في الرزق .فكل التونسيون يعلمون أن العجلة الاقتصادية شبه مشلولة نتيجة الوضع السياسي وأنه لا بدّ من حل سريع حتى نستطيع تدارك الوقت الضائع وتوفير المناخ الضروري لعودة الاستثمار الداخلي والخارجي الذي هو المدخل لحلّ الكثير من مشاكلنا الاقتصادية.
هنا اسمحوا لي أن أؤكّد على أن هذا الفصل الجديد من الحوار الوطني الذي لم ينقطع يوما داخل الطبقة السياسية بمكوناتها الثلاثة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمستقلين، ليس إلا حلقة من سلسلة قدرها أن تتواصل حتى بعد الانتخابات. فكلكم تعرفون أن سنة 2014 ستكون من أصعب السنوات اقتصاديا لأن ثمار عودة الصحة للاقتصاد لن تجنى إلا بداية من 2015 ،مما يعني أن واجبنا الوطني تحقيق السلم الاجتماعي قبل الانتخابات والاستعداد لما بعدها من الآن بخلق مناخ هادئ ومسؤول يبني غدا وحدة وطنية تتضافر داخلها كل الطاقات لكي نواصل مواجهة الصعاب موحدين .
أيها الاخوة والأخوات
لا أخطئ إن قلت أن عيون التونسيين والتونسيات مسلّطة عليكم ابتداء من الآن تنتظر منكم أن تحققوا تطلعاتهم ببناء الدولة القوية التي ستضمن الأمن ، والدولة الشفافة التي ستحارب الفساد وستقود الإصلاحات الاقتصادية الصعبة الضرورية ، والدولة الديمقراطية التي ستضمن الحقوق والحريات ونمط العيش الحداثي الذي ارتضته الأغلبية الساحقة لشعبنا.
أيها الاخوة والأخوات
لا أبالغ إن قلت أن عيون أصدقاء تونس في العالم مسلّطة عليكم والرسالة الصامتة لا تخيّبوا ظنّنا وأملنا في نجاح التجربة التونسية لأن نجاحكم سيعيد لحلم الربيع العربي ألقه وسيضيف للمشروع الديمقراطي بالثورة السلمية نجاحا آخر في هذا العالم الموبوء بالاستبداد والعنف.
لا تخيّبوا آمال شعب وأمة وكل أصدقاء الديمقراطية في العالم، عجلوا وعجلوا ثم عجلوا لأن أمن الوطن وحق مئات الآلاف من التونسيين في الرزق هو اليوم مسؤولية تاريخية ضخمة ملقاة على عاتقكم .
يسروا ولا تعسروا ييسّر الله عليكم ويوفقكم. تحيا تونس
السبت 5 اكتوبر 2013