حمة الهمامي بين موت السياسة وتجددها
mercredi 20 octobre 2010
سنة مرت على دخول حمة الهمامي السرية ، لكن متى خرج منها وهو الذي يقاوم الاستبداد منذ أكثر من أربعة عقود حتى لا أقول منذ ولد ؟
السؤال الذي لم يطرحه أحد هو لماذا اضطر مجددا للاختفاء هو الذي جبل على المواجهة حتى لا أقول على حبّ المواجهة هذه؟
طبعا الحادث المحدّد هو الاعتداء الجسدي الفظيع الذي تعرض له في المطار عقابا على الاستجواب الذي أعطاه للجزيرة وهو آخر فصول ما يمكن تسميته موت السياسة في تونس.
داخل نظام ديمقراطي،الأمر الذي يجب على الجميع الامتثال له هو حاور خصومك بالكلمات لا باللكمات. هل من الصدفة أن السياسة في اللغة الدارجة تعني الرفق والتأدب واللين ؟ طبعا لا ،إنها كانت وستبقى تدبير شؤون البشر بأقل ما يمكن من العنف. وبما أننا لسنا في عالم مثالي ولسنا ملائكة فإنه يمكن للخصومة أن تتفاقم ولا مجال للتفاهم بالحسنى . الأمر آنذاك بالنسبة لمن يملك السلطة اقبض على خصمك وفقا للإجراءات القانونية وأحله على القضاء وليطبق عليه القانون في إطار محاكمة عادلة ونزيهة.
لنتأمل الآن في هذا الاعتداء . هو وقع في مكان عمومي على مرأى ومسمع من الجميع. هو وقع ضدّ شخصية معروفة ومحترمة من الجميع. هو وقع على مرأى ومسمع من الشرطة الرسمية التي يفترض فيها حماية المواطنين .
ماذا وراء الستار ؟ أمر من أعلى هرم السلطة بالتنكيل الجسدي بخصم سياسي على مرأى ومسمع من الجميع وفي مخالفة واضحة وصريحة لكل الأعراف والقوانين. وراء هذا الفعل ووراء الأمر ، العقلية التي حكمت تونس منذ عشرين سنة : عقلية “البانيدية والباربوات” . إذا لم يخضع خصمك للتهديد فاعتدي عليه جسديا . أي عمل سياسي يمكن ممارسته مع نظام يطلق المنحرفين من السجون ليعتدوا على أشراف القوم ، أو يرمي بعاهرات عليهم يصرخن بالاغتصاب ن أو يلفق ضدهم أشرطة برنوغرافية الخ.
ليس من باب المبالغة القول أن بن علي دمّر السياسة في بلادنا مثلما دمّر كل مؤسساتها من قضاء وشرطة وأحزاب وإعلام .
مشكلة الرجل أن السياسة التي يفهمها كتضليل وكذب وتزييف وعنف جسدي لزبانيته تهشمت وستتهشّم على حمة الهمامي وأمثاله .
لكل هؤلاء السياسة أخلاق ومبادئ ونضال ضد البدائية والهمجية التي تمثلها عصابات حق عام استولت في غفلة من الزمان وبحادث مرور تاريخي غير مسبوق على دولة خير الدين .
سيرحل بن علي يوما وسيهرب زبانيته إلى حيث خزنوا سرقاتهم وسنعيد بناء كل ما خربوا ومن جملتها السياسة بمفهومها الصحيح كما يدركه الحس الشعبي وهؤلاء الهمج لن يكونوا إلا فاصلا في تاريخنا. تحية إلى كل المقاومين ،
تحية على صديقي ورفيق العقود من النضال . إنه شرف السياسة وضامن تواصلها وخاصة السدّ المنيع ضدّ الذين يتصورون أنها لا أخلاق أو لا تكون.