“النظام هو الذي يهدد الأمن الاقتصادي التونسي”
الجمعة 18 حزيران (يونيو) 2010
قال المعارض التونسي منصف المرزوقي في حوار مع فرانس 24 إن القانون الذي يجرم التعرض لـ”الأمن الاقتصادي الوطني” عبارة عن مسخرة إضافية لمساخر نظام لا يستحي من أحد. وأضاف هذا الحقوقي، الذي يعيش في المنفى بفرنسا،أن نظام الرئيس بن علي هو الذي يهدد اقتصاد البلاد. طاهر هاني (نص)
صادق البرلمان التونسي قبل أيام على قانون يجرم التعرض لـ”الأمن الاقتصادي الوطني”. ما رأيك في هذا القانون ولماذا وافق عليه البرلمان؟
الكيان الذي أقرّ “القانون” ليس برلمانا وإنما هو تجمّع لأناس انتحلوا صفة ممثلي الشعب وهم أول من يعرفون أنهم ممثلو الدكتاتور الذي عينهم ليلعبوا لعبة السلطة التشريعية “المستقلة” في انتخابات صورية يعرف الكل أنها اعتداء على الديمقراطية وسيادة الشعب وكرامة المواطن. بالطبع لا أستثني نائبي “حزب التجديد” اللذان صوتا ضد القانون. تصويت هذين النائبين سيُقدم على أنه دليل على نضالية هذا الحزب ووجود الديمقراطية بينما هو أحسن دليل على مساهمة الحزب المذكور وغيره من الأحزاب الكارتونية في التزييف بلعب دور النشاز الديمقراطي دون أي خطر على النظام.
لماذا تمت موافقة “ممثلي” الشعب؟ لأن من عينهم طلب منهم ذلك. المضحك المبكي ليس هذا ولا حتى القانون نفسه، ما تقدّم به النظام هو الذي يهدد الأمن الاقتصادي التونسي. فمنذ انتصابه وفساده حديث القاصي والداني ودوره في خفض الاستثمار الداخلي معروف وكل المستثمرين يخشون من سقوط عائلات بن علي وصهره عليهم كالعقبان لمقاسمتهم كل ما يدرّ الأرباح. هذا القانون مسخرة إضافية لمساخر نظام لا يستحي من شيء ولا أحد.
تأمل تونس في الحصول على مرتبة “شريك متقدم مع الاتحاد الأوروبي”، هل تعتقد أن مثل هذه القوانين سيساعدها على تحقيق ذلك؟
الحكومات الغربية التي تحكم علاقة الاتحاد الأوروبي بالنظام التونسي أي الفرنسية والإيطالية والإسبانية تعرف جيدا طبيعة هذا النظام وهي تتشارك معه على الأقل في خاصية مهمة: ازدواجية الخطاب. هي مثله لا تتوقف عن التشدق بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ووراء الستار ما يحدد العلاقات “البزنس” وعلى وجه التحديد المهمات الأربعة الموكلة للنظام التونسي أي فتح الأسواق والتعاون الاستخباراتي في خصوص ما يسمى “الحرب على الإرهاب” والعلاقة مع إسرائيل ولعب دور الحارس للحدود الجنوبية المكلف بوقف سيل الهجرة الأفريقية والمغاربية وثمة أخبار تتحدث عن وجود محتشدات للأفارقة الذين ساقهم حظهم العاثر إلى تونس. النظام يعرف هذا جيدا. بقدر ما هو قاس صارم بلا رحمة مع الشعب، بقدر ما هو طيّع ذليل لأسياده، وهؤلاء سيجدون له كل المعاذير وسيمنحونه كل التسهيلات بهذا القانون الجديد أو بدونه.
اهل تحفظ حقيقة مثل هذه القوانين صورة تونس في الخارج كما يعتقد
النظام لتونسي أم تمس بسمعتها
تونس بلد ثلاثة آلاف سنة تاريخ وعشرة ملايين سكان والأجيال القادمة لن
تتذكر شيئا من هذا النظام الذي جلب لنا العار، فسمعتها كانت وستبقى بخير. أما سمعة النظام التونسي غير الشرعي غير المنتخب فستزداد بشاعة، لكن ما ضرّ الغريق من البلل؟ الكل يعرف طبيعة هذا النظام رغم ما أنفق وما جنّد من أبواق وهو كالجزار الذي يحاول إيهام الزبائن بجودة لحم تشتم رائحة تعفنه من أميال.
كيف تفسر هذا التصاعد في “الممنوعات”؟
بن علي مرتعب من حرية الصحافة خوفا من فتح ملفات التعاون مع الموساد [جهاز الاستخبارات الإسرائيلي] في اغتيال ابو جهاد وملفات الفساد لعائلته وعائلة زوجته وملفات القتلى تحت التعذيب وملفات الانتخابات المزيفة وكم من ملفات حساسة أخرى. هو مرتعب من الوضع الاجتماعي المتفجّر لأنه تحت أكذوبة المعجزة الاقتصادية، هناك أكثر من مئة ألف عاطل بشهادات جامعية ولا نتحدث عن الآخرين. هو مرتعب من انكشاف كل أكاذيبه بخصوص الديمقراطية وقد وضع البلاد منذ وصوله على مسار استبدادي لم يتوقف يوما. هو مرتعب من غد محمل بكل التهديدات وقد أغلق الأبواب على نفسه من الجهات الأربعة مثلما أغلقها على مجتمع لم يترك له الخيار إلا بين الموت البطيء والانفجار.
هذا القانون مجرّد حلقة من مسلسل خوفه المرضي واقتناعه بأنه لا يستطيع الحكم إلا بإرهاب الدولة. كثير مثله مشوا في هذا الخط ولم يصلوا بأنفسهم وبشعوبهم إلا للهاوية. هذا النظام وأزمته جزء من أزمة النظام السياسي العربي ككل ومصيره كمصير بقية الأنظمة: فقدان كل شيء وخاصة الشرف. مسألة وقت فقط