في الجزيرة-نت
عن اضطرار الناس للياذ بالتمرّد في سيدي بوزيد
dimanche 26 décembre 2010
هناك فكرة بالغة الأهمية في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن ضرورة احترام الحقوق الشخصية والسياسية والاقتصادية الاجتماعية الواردة فيه أمر ضروري حتى “لا يضطرّ الناس للياذ بالتمرد ” أي أن حقوق الإنسان هي في آخر المطاف الضمان الأول والأخير للسلم المدني وبالطبع للسلم الدولي .
إذا اعتبرنا ما يحصل منذ أسبوع في سيدي بوزيد والبلدات المحيطة بها مثل خرشف والمكناسي والمزونة وجلمة ومنزل بوزيان وسيدي بن عون وقبل هذا في السنتين والأشهر الأخيرة في مدن عديدة مثل الرديف وقفصة والشابة وبن قردان،والمنصف ، فالاستنتاج المنطقي أن حكام تونس لم يقرءوا الإعلان جيدا أو فهموه خطأ والدليل على ذلك توسّع التمرّد من نخب قليلة معزولة في العاصمة إلى مناطق تمتدّ رقعتها يوما بعد يوم.
هنا يجب على المتتبع للأحداث أن يتصوّر ما التعليمات الخفية التي اتبعوها لكي نصل هذه النتيجة . ربما حصلوا على وصفة سرية كيف تدفع الشعوب للياذ بالتمرّد حتى ولو كانت أكثر من الشعوب مسالمة ونفورا من كل أنواع المواجهة مثل الشعب التونسي.
لا تسألوني من مدبّج هذه الوصفة ولماذا أخذ بها حكام يفترضوا فيهم الحدّ الأدنى من الذكاء والمسئولية، فهذا سرّ من أهمّ أسرار السياسة ولا أظن حتى ويكيليكس قادر على كشف خباياه .
الشيء الثابت عندما ينظر المرء للأسباب التي دفعت بالناس إلى التمرد اليوم في سيدي بو زيد وغدا في أي مدينة تونسية أو عربية أخرى أن النظام التونسي ( والعربي بصفة عامة) طبق بحذافيرها هذه الوصفة ومن أهم وصاياها الشيطانية :
1-اعتبر السلطة غنيمة حرب تتقاسم خيراتها مع الأولى بالمعروف لا مسئولية في عنقك أنت وذويك وانهب أنت وعائلتك أموال الشعب في وضح النهار ولا تحاول حتى التقية فالناس كما تطمئنك دوما أجهزتك البوليسية أجبن من أن يثوروا في وجهك
2- عاملهم من كبيرهم لصغيرهم وحتى في أضيق حاشيتك بأقصى قدر من الاحتقار زيّف إرادتهم عبر انتخابات المسخرة ومرّغ كرامتهم في الوحل ولسان حالك يقول اعلم أنكم تعلمون أنني أزيف وأستولي زورا وبهتانا على قراركم وسيادتكم ولكنني أعلم أنكم أجبن من أن تثوروا في وجهي .
3-اكذب ليلا نهارا في كل موضوع وكل لحظة بخصوص إنجازاتك العظيمة فعامة الناس حسب مصادرك وتجربتك الشخصية سذج بلهاء أغبياء أما الذين في قلوبهم مرض فقلّة لا يلتفت إليها ، وإذا خرجوا عليك يوما فأحلهم على تقارير البنك الدولي وشهادات نادي دافوس التي تظهر كم هم جهلة لا يعرفون في أي بحبوحة عيش يتخبطون
4 -امنع أي تواصل بين الناس .اخترق بالمخابرات أو حطّم بالقوة مؤسساتهم من أحزاب وجمعيات ونقابات ليبقى الشعب غبار أفراد يواجهون آلة القمع فرادى معزولين.
5- اضرب ضربا قاصما للظهر النخب التي تفوقك بأشواط على صعيد الفكر والأخلاق واستبدلها بنخب مزيفة تدين لك بالموضع الذي تحتلّه وقد غاب طوعا أو غيّب قسرا أشراف وشريفات البلاد.
6- استعمل القمع على نطاق واسع وخاصة التعذيب وتدبّر أمرك بحذق لكي يسمع الناس بكل الموبقات التي ترتكبها داخل السجون ومخافر الشرطة فيأتيهم الهلع والرعب وقمة الفنّ أن تحشر في السجون أبرياء تعلم ويعلمون ويعلم القضاة أنهم أبرياء حتى يستبطن الجميع أن حتى الأبرياء يذهبون للسجن فما بالك الذين تراودهم الأفكار ” الهدّامة” . لا تتردّد في رميهم بالرصاص الحي فالدولة -وهي أنت- لها الحق في قتل محمد العماري وغيره . أليس شعارك وشعار كل الطغاة واحد كألف ( أنت ) وألف كأفّ ( هم جميعا على بكرة أبيهم) ؟
7-منّ عليهم بالفتات وذكّرهم دوما أنهم دونك لا يساوون شيئا. عاملهم كمن يدعو لوليمة شواء ، اللحم له ولعائلته والرائحة الشهية للضيوف.
8 إذا تململوا، موّه عليهم م بالإجراءات الكريمة التي أمرت بها لتخفيف الاحتقان. قم مثلا بعملية رصد لكل البطالين في المناطق المحرومة ( قائمة صالحة للمخابرات يوما ما) وأعدهم بمنحة ب150 دينار لمدة 18 شهر أملا في تجاوز الأزمة . خصص في لحظة كرم وأريحية 15 مليون دينار للتنمية في ولاية سيدي بو زيد ولا تنتبه أن كل الناس تعرف في تونس أن طائرتك الخاصة وحدها تكلّفت 400 مليون دولار .
9- أطلق مليشيات الحزب لتسرق وتضرم النار حتى تستطيع اتهام سكان سيدي بوزيد وغيرها من المدن المتمرّدة بالعنف والفوضى وحتى تتمكن من التقدم بمظهر من يعيد الأمن لنصابه واستقرارك العزيز : استقرار المقابر والمستنقعات.
10- لضمان تواصل المدد الخارجي من ديون ستتركها كارثة عظمى للأجيال المقبلة وهو المنفذ الوحيد الباقي لك لشراء وفاء البوليس السياسي وأصحاب المناصب الحساسة، عمّق ولائك وعمالتك لأولياء نعمتك الأجانب فهم حصنك الأخير
* يبقى الآن مواجهة عواقب سياسة ذات نتائج على الأمد القصير لكنها كارثية على الأمد الطويل . ماذا سيفعل نظام طبق الوصايا الشيطانية أمام تفجر عواقب الاحتقار والفساد والقمع والتزييف ووصول اليأس بالشباب على حد تفضيل الانتحار على البقاء على قيد الحياة في جنة تقارير المنظمات الصديقة ؟
لننظر للوضع الذي تؤدّي إليه دوما سياسة دفع الناس للتمرّد بكل الوسائل
1- سلطة معزولة خائفة مرتبكة وقد أصبحت كل أوراقها بائرة في السوق . فلا أحد يصدق أكاذيب مفضوحة ووعود الإصلاح والنظام يعدّ للتمديد والتوريث في وضح النهار حتى الحماة الأجانب نفذ صبرهم من عملاء لا يحفظون الحدّ الأدنى من المظاهر ولا يبيضون الوجه بل يمكن أن يشكلوا بغبائهم وجشعهم خطرا على الاستقرار المنشود . أضف لهذا أن البوليس لم يعد يخيف كثيرا بل يمكن القول أنه هو الذي يعيش حالة الخوف
ليس لمثل هذا النظام من خيار غير سياسة ربح الوقت والأداة الدواء الذي كان الداء مما يعني أن علينا انتظار مزيد من القمع فمزيد من الاختناق فانفجارات جديدة قد تقع لأتفه الأسباب نتيجة شدة وعمق الاحتقان. هل يمكن أن ” يهديه الله” ليفتح حوارا وطنيا ؟ مع من ؟ هذا نظام سحق كل القوى الممثلة وغير قادر للتعامل معها إلا عبر البوليس السياسي والقضاء المستغلّ إما الأمساخ التي خلقها لتلعب دور أحزاب ” معارضة” فهي لا تمثل حتى نفسها وإنما أسوأ ما في كل انتهازي التحق بها . ما أصدق مثالنا الشعبي لتصوير هذه الحالة : “عصفور يغنّي وجناحه يردّ عليه ”
2- مجتمع تغلي مراجله بالغضب ولم يعد يتحمل كل الاحتقار الذي يعامل به ومستعدّ للانتفاض لكنه بلا قيادة سياسية وقد منع النظام الخبيث كل تأطير يمكن أن يتحكم في الشارع لتوجيهه نحو احتجاجات سلمية .
النتيجة هوة غير قابلة للتجسير بين نظام لم تعد تربطه بالشعب الحقيقي أي صلة وشعب حقيقي حسم في السلطة ولا يريد شيئا غير نهايتها بأي وسيلة ولو بالعنف الأعمى .
في مثل هذا الوضع الصدام العنيف مؤجل لا ملغى وكل الوسائل التي يستعملها النظام لا تزيد إلا الحطب جفافا والحريق أسرع انتشارا .
ما ينتظر تونس وما ينتظر كل أقطار الوطن التي ترزح تحت أنظمة دفع الناس للياذ بالتمرد هو العنف والفوضى اللهم إلا إذا تحملت كل الأطراف مسئوليتها في تفادي الوصول إلى ما لا يحمد عقباه أولى المسؤوليات ملقاة على عاتق الوطنيين والشرفاء داخل دولة لا تختزل في نظام يعاضده بضع مئات من الأشخاص لا أكثر . هؤلاء الوطنيون الغيورين مطالبون اليوم بواجب الشرف تجاه أنفسهم وتجاه وطنهم مما يعني الالتحاق بالمقاومة المدنية ورفض طاعة كل أوامر بقتل المواطنين لضمان تواصل السلب والنهب والقمع والاحتقار والتزييف. قد يكون من الضروري تنبيه سلك الشرطة هنا أن كل ضحية تسقط بالرصاص ستعتبرها حركات حقوق الإنسان التونسية جريمة قتل مع سابق الإضمار يحاسب عليها يوما رئيس الدولة ووزير الداخلية وأمر البوليس في المنطقة والعون الذي أطلق النار. آن الأوان ليفهم الطغاة أن جرائم الدولة جرائم بالمعنى الصحيح وكونها ترتكب تحت غطاء الدولة وبحجج سهلة لن يمنع المجتمع في يوم من الأيام من محاسبة من استرخصوا الحياة البشرية إلى حدّ إطلاق الرصاص الحي على شباب اعزل لا يطالب إلا بحق العمل وبالكرامة.
ثاني المسؤوليات ملقاة على عاتق الأحزاب والتنظيمات التي يجب أن تنتهي من الجري وراء سراب إصلاح نظام ثبت مليون مرة أنه لا يصلح ولا يصلح والتنظم في جبهة ديمقراطية تتهيأ لتكون البديل السياسي . مثل هذه الجبهة مطالبة بأن تكون جد صارمة بخصوص أن للتونسيين حقوق غير قابلة للتصرف منها الحق في اختيار من يحكمهم وأننا لن نقبل أي دجل جديد حول مسار ديمقراطي يحدد مجهولون سرعته واتجاهه وفي نفس كل المرونة بترك الباب مفتوحا لرحيل الدكتاتور هو وعائلته. بالطبع لا محاسبة إلا إذا قبل الدكتاتور بنقل السلطة سلميا لأحد أعضاده يعد– ونكون له جميعا بالمرصاد- بتنظيم انتخابات عامة وحقيقية هذه المرة بعد فترة انتقالية لا تتجاوز ستة اشهر حتى نبني أخيرا دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية التي نسمع جعجعة كلماتها منذ عقدين من الزمان ولم نرى لليوم لها طحنا.
ثالث المسؤوليات ملقاة على الشباب وهو أن يحافظ على حياة نحن بأمس الحاجة إليها وأن لا يتوقف عن النضال السلمي لفرض التغيير وألا يقع في الفخّ الذي تعدّه له قوى الشرّ لاستدراجه للعنف رابع المسؤوليات ملقاة على عاتق منظمات المجتمع المدني الغربي للتدخل بحزم في قضية مساندة حكوماتها لأنظمة الاستبداد عندنا فالانفجار الحتمي على كامل الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط هو كل ما ستجنيه هذه الحكومات ذات النظر القصير والتي لا تخون فقط مبادئها بل حتى مصالحها على الأمد المتوسط والطويل بدعمها لأنظمة هي سبب كل العنف الذي نريد كلنا له حلا جذريا لا تسكينا يزيد الطين بلة عبر ما يسمى الحرب على الإرهاب.
إما تتحمل كل الأطراف مسؤوليتها وإلا فإن القرن الواحد العشرين سيكون قرن الثورات العربية كما كان القرن الثامن عشر قرن الثورة الفرنسية والأمريكية والقرن العشرين قرن الثورة الروسية والصينية وكل ما نشهده بداية البدايات . P.-S.