رسالة مفتوحة لمناضلي وقيادات النهضة والتكتل والتقدمي
الاربعاء 3 آب (أغسطس) 2011
كلنا نعلم أن 23 أكتوبر المقبل موعدنا مع أخطر امتحان في تاريخنا الحديث حيث سيتقرر هل نحن أهل للديمقراطية أم لجولة جديدة من الفوضى والإستبداد
!يا ما انتظرنا هذا المنعطف وكلنا ثقة أننا نضجنا منذ زمن بعيد للحرية والكرامة والمسؤولية
!يا ما دفع له شعبنا من باهظ الثمن طوال نصف قرن من الإستبداد
رحم الله الشهداء الذين قايضوا بحياتهم حق التونسيين في مثل هذا اليوم وعوّض بالخير والبركة وامتنان الأجيال كل من عرفوا طيلة نصف قرن ويلات السجون والنفي لكي لا تذلنا مجددا سلطة غاشمة برعت في تنظيم انتخابات علنية الإقتراع وسرية الفرز.
بديهي أن واجب التونسيين دولة وأحزابا ومواطنين ألا تضيع كل هذه التضحيات سدى ، ألا يتمخّض الجبل فيلد فأرا مشوها أي إنجاح هذا الامتحان التاريخي ،كل من موضعه وحسب مسؤوليته.
وبخصوص الأحزاب يتطلب هذا ألا تدخر جهدا بالقول والقدوة لتكون الإنتخابات نزيهة وشفافة لا يوم الإقتراع فحسب وإنما في كل المراحل التي تسبقه وهو ما يتطلب أن تتصرف بكيفية تعيد للشعب ثقته في السياسة وفي السياسيين.عبر تقدمها متساوية أمام المال والإعلام لتبليغ برامجها للمواطن دون أي غشّ حتى يختار بينها بكل حرية وموضوعية . للأسف إن الطريق الذي توخته أحزابكم ليس الذي يكرّس هيبة السياسة واحترام السياسيين ونزاهة الانتقال الديمقراطي، فالرأي العام لا يتحدث إلا عن إمكانياتكم المالية الهائلة ومصادرها المجهولة وطريقة صرفها التي لا يمكن لأي وطني وديمقراطي السكوت عنها
ما أقبح صرف الأموال الطائلة في الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به وطننا ومواطنينا وتبذيرها في عمليات إشهارية !مبنية على تقنيات التأثير الخفي وحتى الخداع
كأن الأحزاب أصبحت شركات سياسية تسوّق برامجها كما تسوّق العطور وعلب الياغورت .
ثمة أيضا معلومات أتتنا من القصرين أن الحصول على شغل في الحظائر أصبح رهنا بالالتحاق بهذا الحزب أو ذاك. يا للعار أن يستغلّ فقر وجهل المواطنين بهذا الشكل المشين ويا له من نذير شؤم بخصوص ديمقراطية قد توئد قبل أن ترى النور !
أما صرف الأموال في شكل ’’أعمال خيرية’’ فالهدف لا يخفى على أحد حيث لا يخرج عن محاولة التأثير على الناخب وشراء ذمته وفي هذا إفساد خطير لمنظومة ديمقراطية في خطاها الأولى وفي هشاشتها التي لا تطيق أي تجاوز .
إن الخيار المطروح أمام الناخب في النظام الديمقراطي السليم ليس بين أحزاب تتبارى في تقديم تسبقة- بل قل رشاوى سياسية – للأفراد وإنما في كونها تتقدم بحلول جماعية لمشاكل جماعية .
إذا كان لحركة النهضة فائض من الأموال يريد أن ينفقه في العمل الخيري فلتتبرع به سرا- حيث لا أكره في تقاليدنا العربية الإسلامية من الإحسان تحت الأضواء-، ولتتبرع به لمنظمات خيرية إسلامية وعلمانية لتظهر ترفعها عن ثنائية تهدد الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي. وإن كان للتقدمي والتكتل فائض آخر فليستغلاه في تنظيم ملتقيات ودورات تكوين للتدرب تكون مفتوحة للجميع ويقع فيها التعريف ببرامج كل الأحزاب ومناقشتها لكي تعطى للديمقراطية كل حظوظها إن السياسة التي تتبعون محملة أيضا بأخطار كبيرة على المشروع الديمقراطي حيث تضع جل الأحزاب الأخرى أمام خيارين أحلاهما مرّ فإما المنازلة من موقع ضعف الإمكانيات المادية وهذا غشّ للعبة الديمقراطية ، وإما الانخراط في نفس التوجه مما يعني انتشار الفساد السياسي وارتهان ديمقراطيتنا الناشئة للمال المشبوه حيث لا يصدّق أحد أن مموّلي الأحزاب يفعلون ذلك حبا في الديمقراطية وليس لضمان مصالحهم مستقبلا والاستثمار في من قد تحمله الأقدار للسلطة .7.
هل قدر هذا الشعب أن يعيش تحت فساد الديمقراطية بعد أن عاش تحت فساد الاستبداد ؟
حدث ولا تسل عن الآثار المدمرة لهذه السياسة التي ستضر بفرص التعاون بين الأحزاب وهو الأمر الذي تتطلبه مصلحة تونس حيث لا مناص غدا من حكومة وحدة وطنية لمواجهة الاستحقاقات الضخمة لما بعد 23 أكتوبر.
إذا كان خياركم مربح لأحزابكم على الأمد القصير فإنه خسارة كبرى لتونس ولديمقراطية ناشئة يتهددها أكثر من طرف في الخارج والداخل ومن ثم فإن الديمقراطية والمصلحة الوطنية يطلبان منكم مراجعة جذرية لخياري الإشهار و’’ العمل الخيري’’
كذلك لا بدّ لدفع الشبهات من نشر مصادر تمويلكم كما فعل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ، كل هذا بانتظار أن يبت المجلس التأسيسي نهائيا بتحريم الإشهار وتجريم التمويل من المؤسسات الاقتصادية والفصل الجذري بين العمل المدني وبين العمل السياسي.ومنع التمويل الأجنبي لمؤسسات المجتمع المدني التي أصبحت بعضها تتسول بكيفية مشينة ومخلة بكرامة التونسيين.
وسواء راجعتم سياستكم ( وهو ما سنشكركم عليه) أم لم تراجعوها ( وهو ما سنواصل التشهير به ) فإن المؤتمر من أجل الجمهورية لن يتخلّى عن الطريق الصعب الذي ارتضاه لنفسه مهما كانت نتائجه على صعيد الصندوق، شعاره اليوم شعاره” البارحة ’’ تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
منصف المرزوقي