رسالة إلى المجلس الوطني لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية
الاحد 31 آذار (مارس) 2013
رسالة الدكتور منصف المرزوقي – الرئيس الشرفي لحزب المؤتمر
إلى المجلس الوطني للمؤتمر
أيها الاخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
اسمحوا لي أن أتوّجه إليكم بصفتي الرئيس الشرفي للمؤتمر من أجل الجمهورية ومؤسسه وأشدّ الغيورين على تواصله في خدمة تونس.
نعرف أن الحزب مرّ بمراحل صعبة ، بخروج أعزّ الأصدقاء وأقرب رفاق الدرب ، بتعدد الأزمات نتيجة الاختلافات حول تحالفاته وأدائه في السلطة .
لا أريد أن أقللّ من أهمية المشاكل وإنما وضعها في نصابها .
أمة وشعبا ونظاما وأحزابا ومؤسسات كلنا نمرّ بمرحلة انتقالية لم يُعرف لها مثيل في تاريخنا تشهد صراعات طبيعية بل وضرورية حول كيفية تصفية القديم وما الشكل الذي يجب أن يتخذه الجديد.
قناعتي أن تونس ككل وتنظيماتها ومؤسساتها ستمرّ بمرحلة قد تستغرق سنوات قبل أن تجد التوازن والاستقرار والمؤتمر من أجل الجمهورية لن يشذّ عن هذه القاعدة.
عليكم أن تتأهبوا إذن لفترة دخول وخروج، لصراعات فكرية وسياسية وشخصية قبل ان تتحدّد وتستقرّ الملامح الكبرى للحزب وهو ما لا يعني أن حالة التوازن هذه ستكون نهائية.
يبقى أن الإسراع بشكل منه هو اليوم مهمتكم وهذا يمرّ بالحسم في ثلاثة قضايا رئيسية هي هوية الحزب وبرنامجه وهيكلته.
أيها الإخوة والأخوات
يسألونكم عن هوية المؤتمر من أجل الجمهورية. مرة يصنفونه يساريا لاختياراته الاجتماعية والاقتصادية الثورية، ومرة يمينيا لتشبثه بالهوية العربية الإسلامية ومرة وسطيا لدعوته للمقاومة المدنية والانتقال السلمي للديمقراطية والحوار الوطني المتواصل.
والسؤال دوما محكوم بمقاييس الجمعية العمومية الفرنسية للقرن الثامن عشر.
ثم يسألونكم عن ايدلوجيا الحزب والنموذج كتابات ماركس أو سيد قطب و المودودي
أو ساطع الحصري.
لقد أظهرت التجربة التاريخية أنه لا توجد نصوص تستنفذ زخم عالم معقد يتحرك باستمرار لذلك حذرت في كتاب “في سجن العقل” من التقوقع على أي نظرية فالمهم دوما أن نبني إطارا نظريا نجربه في الواقع وعندما تتبين نواقصه نعود له بالتحسين أو حتى بالتجديد الجذري وباستمرار عملا بالقول المأثور” تتناهي النصوص ولا تتناهى أحوال الناس “.
هذا بالضبط ما حاولته في “الاستقلال الثاني” و” الإنسان الحرام” و”عن أي ديمقراطية تتحدثون” وبقية مؤلفاتي الموضوعة تحت تصرفكم على موقعي
وتبقى قناعتي لا تزيدها التجربة إلا تجذرا أنه لا ثوابت في الفعل السياسي كما في الحياة إلا القيم التي يجب أن نتمسك بها تمسكنا بجلدنا أما الأفكار فيجب أن نغيرها دوريا كما نغّير ملابسنا الداخلية لأنها هي أيضا تتسخ وتبلى .
هوية حزبنا إذن محددة بجملة من القيم الثابتة أساسا التي سرنا عليها إبان حربنا ضد الاستبداد ومن الأفكار المتطورة للالتصاق دوما بواقع شعبنا والإنصات لما ينتظر منا ويطالبنا بتحقيقه.
أيها الإخوة والأخوات
السؤال الذي كنت ولا أزال أطرحه أمام أي أزمة سياسية هو: ما الذي يتطلبه الوضع؟ ما الذي تمليه الوطنية لكي نكون دوما في خدمة مشروع يتجاوزنا جميعا؟
سنة 2001 كان الردّ: محاربة الدكتاتورية دون هوادة … رفض الإيمان بنظام قابل للإصلاح … مقاطعة كل الانتخابات الصورية … الرهان على المقاومة المدنية السلمية لإسقاط النظام.
لقد أثبتت الأيام أن خياراتنا هي التي كانت الأصوب وأن النهج الذي اتخذناه كان صحيحا.
اليوم إذا اتبعنا نفس المنهجية بنفس الروح يجب العودة للسؤال المركزي: ما الذي يقتضيه الوضع؟ ما الذي تتطلبه المصلحة العليا للوطن حتى يكون المؤتمر من أجل الجمهورية دوما سباقا بالتحاليل الصحيحة بالمبادرات الخلاقة وبالتضحيات أيا كانت؟
أول مهمة اليوم أمام اي قوة سياسية جديرة بهذا الاسم وتضع المصلحة العليا على رأس أولوياتها هي الحفاظ على الوحدة الوطنية قولا وفعلا وإلا تمزّق النسيج الذي يجعل منا شعبا .
تصوروا المصيبة الكبرى لو قدّر للإسلاميين حكم تونس وحدهم ولو بالديمقراطية العددية. آنذاك ستتجنّد ضدهم كل القوى العلمانية ولن يستطيع الإسلاميون الحكم إلا بأقصى قدر من الإكراه.
تصوّروا حكم الحداثيين وحدهم والنصف الآخر من المجتمع ساخط غاضب ناقم، وجزء منه مستعدّ لحمل السلاح حتى لا تعاد مأساة 1991 حين استأسد نظام مافيوزي على إسلاميين ارتضوا بالمقاومة السلمية وحدها. مثل هذا النظام سيواجه بموجة من الإرهاب قد تبرّر عودة دكتاتورية أبشع من التي عرفنا. وفي الحالتين النتيجة واحدة: نفس طوابير النساء المسكينات أكنّ محجبات أو منقبات أو دون حجاب أمام السجون المكتظة بهذا الصنف أو الآخر من التونسيين.
لذلك كانت الفكرة الأساسية التي بُني عليها المؤتمر ولا تزال رفض تقسيم التونسيين إلى أخيار وأشرار، إلى ظلاميين ومتنورين أي رفض كل استقطاب ثنائي يضع باستمرار نصف التونسيين في مواجهة النصف الآخر.
إن مجتمعنا تعدّدي بطبعه وسيبقى تعدديا طالما بقيت تونس وعلى أي حكومة تحكمه أن تعكس هذه التعددية وألا تقصي إلا من يقصي نفسه والآخرين. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه كان خيار ”المهندسين ” الذين بنوا الحزب تعلّم تصريف التعددية الايدولوجية داخل صفوفه حتى يستطيع تصريفها خارجه. لذلك تواجد منذ التأسيس داخل حزبنا المتدين وغير المتديّن اليساري والليبرالي، القطري والقومي والقاسم المشترك تجسيم الوحدة الوطنية ودعمها بتجاوز الاختلافات العقائدية وبالتركيز على أهداف سياسية نبيلة لم تكن يوما وقفا على هذا الحزب أو ذاك وبالتالي هي أهداف مشتركة يمكن لطيف واسع من المناضلين النزيهين التكاتف لتحقيقها.
كم استغرب أن أهم فكرة قام عليها المؤتمر ما زالت موضع جدل وأنه يوجد داخل الحزب من يريدون تصفية جزءا من تعدديته لا يفهمون أنه لا معنى ”للنهضفوبيا” مثلما لا معنى ” للنهضفيليا” .
هذا الحزب ليس عدوا للنهضة ولم ولن يكن يوما تابعا لها. هو حليف استراتيجي البارحة واليوم وغدا مع التكتّل الحليف الاستراتيجي الآخر ويجب التعامل معهما بكل نزاهة لا بالشكّ المزمن.
تذكرون أنني توجهت إلى مؤتمر الحزب يوم 25 جويلية الأخير بخطاب أثار حفيظة شركائنا في النهضة لكنهم متفقون اليوم على أن النقد كان بعيدا عن التجني أو إعدادا لقلب التحالفات.
لقد أظهرت تجربة المفاوضات على تشكيل الحكومة أن النهضة بحاجة للمؤتمر حاجة المؤتمر للنهضة، وأظهرت خاصة حاجة تونس لقوة سياسية وسطية معتدلة وممثلة لأوسع طيف ممكن من شعبنا. لقد أردنا إبان هذه المفاوضات الصعبة التي استغرقت أكثر من شهرين التوسّع خارج الترويكا لتشكيل الحكومة حتى نتجاوز المرحلة الصعبة على الجميع لكن القوى السياسية الأخرى رفضت اليد الممدودة وهذا ما يجب أن يتذكّره التونسيون والتونسيات.
إن الخط الفاصل ليس بيننا وبين النهضة وإنما بين المتطرفين العلمانيين الذين يقشعر جسدهم لا لذكر كلمة إسلاميين وإنما لذكر كلمة إسلام ولا يقولون لنا بصراحة ما الذي يجب أن نفعله بكل مسلمي وإسلاميّ هذا الشعب. والخط الفاصل ليس بيننا وبين هذا الحزب الاسلامي أو ذاك وإنما بيننا وبين المتطرفين الاسلاميين الذين يقشعر جسدهم لذكر كلمة ديمقراطية أوعلمانية التي يقرنونها بالإلحاد ولا يقولون لنا صراحة ما الذي سيفعلونه إن وصلوا للحكم بالحداثيين الذين يشكلون جزءا هائلا من شعبنا.
الخطّ العام للحزب منذ نشأته والذي يجب أن يبقى قارا لأنه سبب وجوده، رفض أي استقطاب ثنائي داخل الحزب وخارجه وتوثيق العلاقة مع شريكينا مع مواصلة التفتح على كل القوى المعتدلة وتجذير التحالف التاريخي وتدعيمه أكثر فأكثر والتقدم به لشعبنا في الانتخابات المقبلة بنواقصه وتقصيره وأخطائه وعيوبه لكن أيضا بما حقق وما أنجز وبما يعد به من الحفاظ على الوحدة الوطنية في مواجهة أحزاب لا تعد إلا بمزيد من التناحر بين التونسيين وتأليب بعضهم على البعض بتبعات هذه السياسة الخطيرة على الأمن والاستقرار وبالتالي على كل فرص الاستثمار والازدهار وتحقيق النصر على العدوّ الأوحد : الفقر.
ما أريد أن تكونوا واعين به أشدّ الوعي أن تحالف علمانيين معتدلين وإسلاميين معتدلين هو العلامة الفارقة في ما يمكن أن نسميه النموذج التونسي في الانتقال الديمقراطي وهو محلّ اهتمام الوطن العربي والمجتمع الدولي لعلم الجميع أن لنجاحه أو لفشله تبعات هائلة.
إن إنجاح هذا النموذج -هذه التجربة التاريخية الفريدة من نوعها- هي اليوم وغدا مسؤوليتكم.
لكن مساهمتنا في صنع النموذج التونسي للتحول الديمقراطي لا تقتصر فقط على وضع الوحدة الوطنية فوق كل اعتبار عبر تحالف تاريخي هو الأول من نوعه.
نحن مع حقوق الإنسان وعلى رأسها حقوق المرأة ومع كل الحريات الفردية والجماعية دون أدنى تحفّظ وهو ما من شأنه أن يخفف من مخاوف الشق الحداثي في شعبنا ويستجيب لطلباته .
نحن بجانب افقر قطاعات شعبنا وفي صف الجهات المحرومة والتي لا يجب ان ننسى أنها لا توجد فقط في الجنوب والشمال والوسط وإنما أنها أحزمة الفقر التي تحيط بتونس العاصمة وبصفاقس وسوسة وهو ما من شأنه أن يخفف من مخاوف من يخشون فشل الثورة ووعودها ويستجيب لطلباتهم .
بهذه الرؤيا وبهذه الارادة نستطيع تجسير الهوة بين التونسيين نطمئن الفقراء على أننا سنسعى لتحسين مستوى عيشهم ونطمئن الميسورين على أننا لن نترك أحدا يمس نمط عيشهم.
هويتنا إذن في جعل الحرية في خدمة العدالة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية ضمان تواصل الحرية ندمج في نفس المنظومة الحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية
العنصر الثالث من هويتنا السياسية أيماننا بأنه لا مستقبل لتونس في تونس وإنما في اتحاد مغاربي يتحقق فيه أقصى الاندماج بين شعوبنا المغاربية عبر حرية التنقل والاستقرار والعمل والتملك والمشاركة في الانتخابات البلدية بانتظار توسيع هذا الاتحاد لكل العرب تدريجيا وابتداء من القاعدة إلى القمة
نحن إذن حزب اللحمة الوطنية، حزب الحريات والعدالة الاجتماعية وحزب اتحادي يسعى لبناء المغرب العربي الكبير بانتظار توسعه لاتحاد الشعوب العربية المستقلة.
نحن نريد أن تصبح تونس مركز رؤيا جديدة عبر النموذج الوفاقي في السلطة بين مكونات تحكم عليها الرؤى الأخرى بالتناحر الأبدي وعبر تسخير الاقتصاد في خدمة التنمية وعبر فتح الأبواب على عالم عربي بصدد التشكل ولا بديل لنا غيره إذا أردنا تحقيق أحلام الأمة العربية وعودتها من أوسع باب لساحة التاريخ.
أيها الاخوة والأخوات،
كل هذه الخيارات السياسية الكبرى هي التي يجب أن يترجمها برنامج عليكم التفرّع لإعداده من الآن بمنتهى الدقة والحرفية حتى لا يكون “كاتالوج” شعارات جوفاء ووعود فارغة ويتمحور حول ركيزتين أساسيتين : تطوير الديمقراطية ومحاربة الفقر.
في خصوص النقطة الأولى أهمّ مشروع للمؤتمر هو الديمقراطية المتقدمة وتتكون من أربعة عناصر مترابطة:
تذكرون أنني طالبت أن تكون الانتخابات البلدية منطلق البناء الديمقراطي وترون الحالة التي عليها اليوم مدننا وقرانا نتيجة خيارات جعلت منها آخر حلقة في ذلك البناء. لذلك يجب أن تتم في غضون ثلاثة أشهر على أقصى تقدير بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وعلى المؤتمر أن يكون جاهزا بمقترحاته وبرجاله ونسائه للعب دور محوري في المجالس البلدية المقبلة.
العنصر الثاني استبدال الولايات القديمة بالأقاليم السبعة : تونس الكبرى، الشمال الشرقي، الشمال الغربي، الوسط، الساحل، صفاقس الكبرى، الجنوب.
هنا يجب أن يكون للمؤتمر مقترحات عملية ومضبوطة لتركيب وصلاحيات المجالس الجهوية التي ستصرّف في شؤون هذه الأقاليم.
العنصر الثالث هو تنمية المجتمع المدني بالتمويل العمومي وبجعل الشراكة دولة – مجتمع مدني بأهمية الشراكة قطاع عمومي – قطاع خصوصي.
أخيرا وليس آخرا هناك كل القوانين التي يجب أن نشرع في تصورها لفرض دولة شفافة مفتوحة تخضع لكل قواعد الحكم الرشيد.
كل هذه الاصلاحات السياسية التي يجب أن تلعبوا فيها دورا رائدا ليست أهدافا وإنما أدوات لمواجهة أضخم التحديات : إخراج مليوني تونسي وتونسية من الفقر المهين في ظرف الخمس سنوات المقبلة.
مثل هذا البرنامج الطموح والقابل للتحقيق يتطلّب إحكام التفكير في كل المشاريع التي بدأنا العمل عليها منذ المؤتمر السابق والتي يجب العودة إليها بأكثر تدقيق وحرفية وأذكّركم أنها تتعلق ب
1- وقف النزيف عبر إحداث مجلس أعلى لمحاربة الفساد يكون مستقلا وصاحب سلطات واسعة مع إصلاح جذري في الجمارك والجباية ومسالك التوزيع.
2- تحفيز الموارد الذاتية للبلاد عبر اكتتاب وطني لتمويل مشاريع التنمية وعقد شراكة مع القطاع الخاص مبنية على أربعة تعهدات من الدولة وهي القضاء المستقل والبيروقراطية المخففة وعدم استنزاف رجال الأعمال وتصفية أغلب الملفات بالتوافق وعلى أربعة تعهدات من القطاع الخاص وهي الاستثمار في الداخل واحترام حقوق الشغالين واحترام البيئة وعدم استعمال المال للتأثير على الأحزاب أو الصحافة.
3- استكشاف سبل جديدة للتنمية بالتوازي مع اقتصاد السوق أساسا الاصلاح الزراعي وتقنين التجارة الموازية وتمكين كل مواطن من عقد الملكية تعلق الأمر ببيت أو قطعة أرض أو عربة مجرورة. كذلك تمويل المشاريع الصغرى في إطار ما يسمى بالاقتصاد الاجتماعي التكافلي يضاف لهذا قانون يمنح الأقاليم التي تنتج ثروة ما حق الاحتفاظ ب10 في المائة من العائدات لتضخ في مشاريعه التنموية.
أيها الاخوة والأخوات،
مثل هذا البرنامج بحاجة للنقاش المعمق، واثر ذلك ستكونون بأمسّ الحاجة للإسراع بمؤتمر يقرّه ويصوغ مقترحات عملية كلها قابلة للتطبيق. الأهمّ من هذا البناء في الجهات لاستقطاب اكبر عدد ممكن من الطاقات الشابة. إذ سنكون بحاجة من هنا لبضعة أشهر لما لا يقل عن مائتي مترشح للانتخابات التشريعية ولآلاف المترشحين للانتخابات البلدية وربما لانتخابات مجالس الأقاليم. ثمة إذن حالة استعجالية تطلب الإسراع بهيكلة الفروع وباختيار هؤلاء المرشحين وفق مقاييس موضوعية وبتدريبهم وبإشراكهم في وضع البرامج الوطنية والإقليمية والمحلية التي سيطلب منهم الدفاع عنها.
قد تفاجئون بحلول الاستحقاقات ولا شيء جاهز لها وآنذاك قد تضطرون لحلول ترقيعية تكون وبالا على الحزب .
إنني أهيب بكم لتكثيف العمل الميداني لأن الوقت لا ينتظر فأحسن البرامج وأطيب النوايا لا تؤدي إلى شيء إن لم يدعمها تنظيم محكم وعمل ميداني دءوب.
أيها الاخوة والأخوات
لما كانوا يسخرون من المؤتمر بأنه حزب فيه عشرة اشخاص وكنت أصحح : غلط هو حزب فيه خمسة لا أكثر .
هذا الحزب هو الذي احتل المرتبة الثانية في أولى انتخابات ديمقراطية لأول مرة في تاريخه الحديث، وأعطى للبلاد أول رئيس تونسي وعربي منتخب شرعيا منذ القدم ونواب ساهموا في كتابة الدستور ووزراء عملوا على إدارة شؤون الدولة في أصعب الظروف.
نحن لم نحقق هذه النتيجة إلا لأننا رفضنا المال القذر وتمسكنا بقيمنا وبأحلامنا وصدقنا الشعب في كل ما قلنا. ويوم نعود إليه في الانتخابات المقبلة يجب أن تكون لنا الشجاعة للقول أننا لم نحقق من وعودنا له إلا النزر القليل لأننا لم نكن بالعدد الكافي لفرض الاصلاحات ولم تكن كل السلطة بأيدينا، لأنه لم يكن لنا تجربة الحكم وقد منعت عنا الدكتاتورية التدرب الصعب البطيء على إدارة شئون البلاد. أما اليوم وقد صلب عودنا واكتسبنا خبرة أكبر فإننا قادرون في إطار التحالف الثلاثي، ونفضل أن يكون موسّعا، إخراج مليوني تونسي من لعنة ومهانة الفقر في الوقت الذي سنواصل فيه بناء دولة ديمقراطية شفافة حرة مستقلة تكون قاطرة الاتحاد المغاربي.
أيها الاخوة والأخوات،
كم رأينا وقد نرى من اخوة وأخوات يصابون بالشكّ وبالإحباط ويقررون مغادرة قافلة يرون أنها تراوح مكانها أو تدور في حلقة مفرغة أو حتى تعود إلى الوراء.
يجب ان نعذرهم وأن نقرأ فيهم حسن النية، لكن خيارنا أن نثبت وأن نواصل، نصحح الأخطاء دائما من داخل المنظومة وبأقصى قدر ممكن من الحوار البناء.
إن الفعل في السياسة ليس بالتمني والتشنج ومنطق “كن فيكون”.
النجاح فيه لمن لا يحيدون قيد أنملة عن الهدف الذي رسموه لأنفسهم، لمن يتحملون كل الآلام، لمن يقفون على أرجلهم بعد كل عثرة، لمن لا تلين قناتهم، لمن لا توقفهم الصعوبات، لمن يستمدون منها قوتهم، لمن لهم عزيمة من حديد وأعصاب من فولاذ وصبر أيوب وطول نفس عدّاء الماراتون. كم صدق أجدادنا عندما قالوا ” الدوام ينقب الرخام ”.
إلى هذه العقلية أدعوكم، وكذلك إلى روح التفاؤل والثقة في الله والشعب و النفس والمؤتمر من اجل الجمهورية.
أدعوكم أيضا أن تكونوا دوما على أقصى الوعي بالمسئولية وبالشرف العظيم الذي ينالنا جميعا ونحن مؤتمنون على مصير ثورة وعلى ولادة دولة جديدة ومن ثمة ضرورة أن نكون جديرين بهذا الشرف بوضع أقوالنا وافعالنا على مستوى ما يتطلبه هذا المنعطف التاريخي من مسار شعبنا وأمتنا
وكما يقول أبو الطيب المتنبي:
على قدر أهل العزائم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
تحيا التونس والمجد والخلود لشهدائنا البرار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته