خطاب عيد الشغل
الاربعاء 1 أيار (مايو) 2013
السيد الأمين العام لاتحاد الشغل ، السيد رئيس الحكومة ، السيد رئيس المجلس التأسيسي السيد وزير الشؤون الاجتماعية ،السيدة رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ، السادة أعضاء الحكومة والمجلس التأسيسي الاخوة والأخوات العمال والعاملات الذين نحتفل بهم ، الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسمحوا لي أن أبدأ بالتقدم لكل العاملين والعاملات في ربوع بلدنا الحبيب بأحر التهاني بيومهم التاريخي و بالتحية والتقدير والتمنيات بالغد الأفضل إلى كل الشغالين في العالم وأن أخص بالتحية العاملين والعاملات الذين يرمزون لكل العمال في بلدنا والذين نكرمهم اليوم باسم الشعب التونسي.
وبهذه المناسبة أودّ أن أتوقف بكل خشوع وإجلال عند ذكرى كل شهداء الوطن وعلى رأسهم زعماء الحركة النقابية التاريخيين : محمد علي الحامي ، بلقاسم القناوي-الذي أطلق أهالي المطوية الأوفياء اسمه مؤخرا على إحدى ساحات مدينتهم – فرحات حشاد ، أحمد التليلي ، الحبيب عاشور .
إنها فرصة أيضا للانحناء أمام أرواح ضحايا أحداث 26 جانفي ثماني وسبعين ، وشهداء الحوض المنجمي وشهداء ثورة الحرية والكرامة وكل الذين ضحوا بأرواحهم مؤخرا من الجيش والأمن خدمة لاستقرار بلدنا ونجاح الانتقال الديمقراطي.
أيها الاخوة والأخوات
إن العالم كله ينظر بشديد الاعجاب للتجربة التونسية وأيضا ببعض الخشية لأنه لو فشلت لا قدّر الله لكانت نكسة كبيرة لا فقط للديمقراطية في تونس وإنما في العالم العربي كله .
لكن يسعني القول بكل ثقة أن هذه التجربة وإن تمرّ بمصاعب جمة فهي تتقدم بخطى ثابتة وعلى الطريق الصحيح. فالتوافق السياسي الذي هو ركيزة الانتقال السلمي والسلس يتعمّق يوما بعد يوم وآخر دليل تواصل الحوار الوطني بين الأحزاب ، علما وإن الحوار لم يتوقف يوما وأن الاتحاد لعب فيه وسيلعب هو وبقية منظمات المجتمع المدني دورا رئيسيا .
إنني على أتم الاقتناع أن الروح التوافقية التي دعونا إليها باستمرار وعملنا على تجسيدها في الواقع هي التي تعطى لبلادنا كل حظوظها …أن النضج الذي أظهرته الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني هو عامل يدعونا للتفاؤل وأريد أن أركّز هنا على الدور الايجابي لاتحاد الشغل الذي لعب ولا يزال دورا بالغ الأهمية في تاريخ تونس من معركة الاستقلال إلى احتضان الثورة إلى الدفاع عن مكتسباتها إلى الدفع بالحوار السياسي والاجتماعي قدما.
فكلنا على أتم الوعي أنه يجب تغليب روح الحوار على الصراع العبثي والبحث عن الحلول الوسطى التي تجمع أكبر قدر من الموطنين بدل الخيارات الخطيرة التي تجعلهم يواجهون بعضهم البعض .
كلنا نعلم أنه لا بديل عن الهياكل الشرعية التي افرزتها أولى انتخابات حرة في تاريخنا وعلى رأسها المجلس الوطني التأسيسي بدل المغامرة المجهولة العواقب .
كلنا نعلم أن وصولنا بّر السلام يمر بالتوافق على دستور للأجيال المقبلة لا للانتخابات المقبلة، بنجاحنا جميعا في هذه الانتخابات عبر حملة شريفة تضع البرامج وجها لوجه لا الأشخاص ، بإقبال مكثف من الناخبين ، بسرية مطلقة في التصويت وعلنية مطلقة في الفرز بقبول فعلي لكل الأطراف بنتيجتها .
كلنا نعلم أن هذا التوافق السياسي هو الشرط الضروري لعودة الاستقرار أي لعودة الاستثمار الداخلي والخارجي أي لقدرتنا على رفع تحديات البطالة وارتفاع الأسعار أي لعودة العجلة الاقتصادية للعمل أي لتحسين مستوى عيش الطبقة الفقيرة والوسطى .
أيها الاخوة والأخوات
لا يوجد بلد في العالم خرج من لعنة الفقر إلا وكان السبب هو العمل …ووراء هذا العامل المهمّ القوّة التي تحركه وتوجده وترفعه إلى أعلى مستوى أي قيمة العمل أي العمل كقيمة نحن لا نأكل إلا ثمار ما نزرع ونسقي ونتعهد ونجني وكل هذا عمل لا فقط كفعل لكن أيضا كقيمة وثيقة الارتباط بقيم أخرى مثل الكرامة والمسؤولية واثبات الذات .
في غياب هذه القيمة لا وجود إلا لعمل رديء يتسبب في انتاج رديء . ما العمل آنذاك الاقتراض أي العيش على جهد من يعملون ومن جعلوا من قيمة العمل أولى القيم ؟
نحن اليوم بأمسّ الحاجة لأن يصبح العمل قيمة أولى في هذا المجتمع لكن الأمر لن يحصل بخطاب أخلاقوي عقيم، فلضرب العمل كقيمة في بلادنا عوامل موضوعية أهمها الفساد والظلم جعلت من العمل القليل والرديء نوعا من المقاومة السلبية للاستغلال وتعبر عنها أقاويل مسمومة من نوع إن أردت ألا تموت جوعا فاعمل ، أن أردت الثروة فابحث عن حل آخر.
لكي يعود العمل قيمة لا بدّ من دروس تقنع الجميع أن الفساد لم يعد الطريق الملكي للثروة ومن قوانين تحمي الجهد وتكافئه . فلا أحد شخصا أو جهة أو مؤسسة قادر على العطاء والبذل وهو يعلم أن ثمار جهده سيذهب للآخرين . لا بدّ أن تسري القناعة داخل مجتمعنا أن أعلى المراتب ستكون مستقبلا من نصيب الأكثر عملا في خدمة المجتمع ونزاهة وكفاءة كل هذا في أطار أقصى الشفافية والعدالة الاجتماعية.
أيها الاخوة والأخوات
اسمحوا لي أن أتعرّض هنا للوضع في الحوض المنجمي لأقول بكل وضوح أنني بقدر ما أحب وأحببت دوما جهة كانت دوما قلعة للنضال ضد الاستعمار وضد الدكتاتورية بقدر ما أنا على قناعة أن جهة قفصة نالت نصيبا وافرا هي الأخرى من التهميش مع بقية المناطق الداخلية وأحواز المدن الكبرة في ظل العهد البائد وما قبله .
بقدر ما أنا على قناعة أنه من العدل أن تحتفظ بجزء مئوي معقول من الثروة التي تنتج وتصدر وهو أمر معمول به في أكثر من بلد .
بقدر ما أنا مع حق الاضراب ودسترته .
بقدر ما أعتبر أيضا أن ارتهان مجموعة صغيرة ذات مطالب مشروعة وطرق غير مشروعة للتعبير عنها لاقتصاد الجهة واقتصاد البلاد أصبح أمرا لا يطاق .
فمن جراء هذا الارتهان فقدنا في ظرف سنتين 2000 مليار دينار وهو قرابة ما تسعى الدولة للحصول عليه من قرض خارجي
أنه نزيف هائل للاقتصاد الوطني تسبب في انخفاض كبير لنسبة النمو إضافة لفقدنا أسواقا عديدة وربما سنحتاج نحن لاستيراد ما نحتاج من مشتقات الفسفاط لضروريات الزراعة. أضف لهذا أن توقف المعمل الكيماوي في قابس أصبح أمرا محتملا في القريب العاجل ، كل هذا وحن نشاهد تناقص الانتاج في الوقت الذي تضاعف فيه الانتداب ثلاث مرات في شركة فسفاط قفصة .
وضع كهذا انتحار بطئ لجهة قفصة وللاقتصاد الوطني ككل وهو أمر لم يعد قابلا للتواصل إلا إذا أردنا خراب بلدنا بأيدينا ومن ثم فإنني أتوجه بنداء حار:
للمجموعات التي تطالب بحقها المشروع في التشغيل بتغليب الحكمة لأننا كلنا نسعى لنفس الهدف ولا بدّ أن نستبطن ثقافة الحقوق والواجبات لكن ذبح البقرة الحلوب لم يكن يوما وسيلة لتحقيق المطالب المشروعة وإنما أكبر ضرب لها . .
أتوجه لكل عقلاء قفصة للتدخل بالحسنى حتى تنتهي هذه الأزمة بأقل الأضرار المادية والمعنوية والإنسانية لتفادي اللجوء للحل الأمني .
هذا ما يقودني لأهمّ نقطة ألا وهي ضرورة التوافق الاجتماعي فبدونه لا مجال لانتقال سلس سلمي يخرجنا جميعا من هذه المرحلة الحساسة التي تفصلنا عن الانتخابات وعن انتصاب دولة مستقرة لها أفق زمني واضح مما يمكنها من تتفرّغ لحل المشاكل اجتماعية واقتصادية تراكمت على مر العقود وتنفجر كلها اليوم بقوة في وجوهنا.
إنني سعيد بوجود روح التوافق هذه كما أثبت ذلك إمضاء العقد الاجتماعي بمناسبة عيد الثورة الأخير وكم يثلج صدري أيضا ان أرى براعم المجلس الوطني للحوار لاجتماعي وبداية مأسسة الحوار الاجتماعي أي وضع أحسن الأطر لمواجهة كل الأزمات التي أدت مؤخر إلى ارتفاع وتيرة الاضرابات
أيها الاخوة والأخوات
إن التوافق السياسي والاجتماعي شرطان ضروريان لتخفيف معاناة شعبنا وفتح أبواب المستقبل أمامه وتفادي كوارث وآلام عبثية كالتي لا زلنا نعرفها.
لقد زرت البارحة في المستشفى العسكري ثلاثة من ابنائنا من الأمن والجيش جرحوا أثناء أداء واجبهم المقدس في حماية الأمن والاستقرار . كم كان منظرا يمزق القلب وهؤلاء الشبان يعانون من جروح بليغة نتيجة وضع ألغام في أرض وطننا ونحن لا نريد أن نزرع فيه إلا الزيتون ، وكم يمزق القلب أن وراء هذه الجريمة النكراء أناس نسوا أن هؤلاء الذين مزقوا أجسادهم شبان مثلهم وتونسيون وعرب ومسلمون مثلهم ، أنهم ابناء عائلات فقيرة مثلهم ، أن لهم آباء و أمهات مثلهم يبكوندموعا من الدم على ما آل إليهم حال فلذات أكبادهم.
كم مؤسف مؤلم وعبثي أن هؤلاء الارهابيون الذين يزرعون الألغام بدل زرع الزيتون يعتقدون أن عملا شنيعا كهذا زلفى إلى الله وجهادا ووطنية.
إن الظاهر في الظاهرة الارهابية غسل دماغ أيدولوجي وهو ما يتطلب منا معركة فكرية لإقناع شبابنا بأنه لا مستقبل إلا في ظلّ دولة مدنية ومجتمع متسامح وإسلام معتدل كالذي تميز به دوما شعبنا . هي حقا ظاهرة أمنية يجب أن نواجهها بكل ما في جعبتنا من وسائل لكن دوما في إطار القانون واحترام حقوق الإنسان حتى تجاه أناس لا يفهمون معنى لهذه الكلمة.
لكن وراء كل هذا، ظاهرة اجتماعية هي الجهل والفقر والبطالة ومن ثم إذا أردنا علاج أسباب الظاهرة لا أعراضها فإن علينا الإسراع بوضع أسس الدولة الديمقراطية العادلة والشفافة وبإطلاق برنامج وطني هدفه إخراج مليوني تونسي من الفر المشين الذين يتخبطون فيه والذي يشكّل اليوم الأرض الخصبة التي تترعرع فيها هذه المجموعات العنيفة التي تشكل خطرا .على نفسها وعلينا جميعا
أيها الاخوة والأخوات
نحن نعيش منعطفا غير مسبوق ، فلأول مرة في تاريخنا هناك أفق وهناك طريق مفتوح وهناك عزيمة من قبل كل الأطراف للمشي فيه بأسرع ما يمكن فلنكن جميعا على مستوى هذه الفرصة التاريخية التي أهدتنا إياها الثورة المباركة ولنكن على أتمّ الوعي أننا إذا فرطنا في هذه الفرصة لا قدر الله فقد لا يعطينا التاريخ فرصة جديدة قبل عقود وعقود هذا إذا منحنا فرصة جديدة .
فإلى العمل وإلى الأمل من أجل تونس ومن أجل أبناء وأحفاد نريدهم أن يفاخرون بنا كما نفاخر نحن اليوم بآبائنا وأجدادنا .وبعمالنا
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
تحيي الطبقة الشغيلة
تحي تونس