في مقابلة خاصة مع وكالة الأناضول، أبدى محمد المنصف المرزوقي، الرئيس التونسي الحالي والمرشح للانتخابات الرئاسية التونسية، في دورتها الثانية، استعداده للتعاون مع الحكومة التي ينتظر ان يشكلها حزب نداء تونس الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي يواجه زعيمه الباجي قايد السبسي في الرئاسيات.
وعبر المرزوقي عن أسفه لعدم قبول قايد السبسي إجراء مناظرة تلفزية معه، مشيرا إلى انه يحظى في السباق الرئاسي الحالي بمساندة “اليسار الاجتماعي”، المعاد للديكتاتورية والفقر، مقابل مساندة “اليسار الإيديولوجي”، المناهض للتيار الإسلامين، لمنافسه.
وخلال المقابلة التي جرت في قصر قرطاج الرئاسي، شدد المرزوقي على انه “مستعد للتعامل مع حكومة ندائية”، معتبرا ما وقع من وفاق في انتخاب رئاسة مجلس نواب الشعب بين نداء تونس وحركة النهضة أمر “جيد”.
وحول المخاوف من عدم الانسجام بينه كرئيس للدولة وحكومة يقودها نداء تونس، قال المرزوقي “إنني كرجل مسؤول سأتعامل مع هذه الحكومة في إطار ما يحدده الدستور، ففي نفس الحزب تجد صراعات ولكن الناس يتعايشون مع بعضهم البعض ويمكن أن يكون نفس الشيء بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة”.
وحول ما وقع مؤخرا من وفاق بين حركة النهضة ونداء تونس في انتخابات رئاسة مجلس نواب الشعب الأسبوع الماضي قال المرزوقي ” هذا شيء ايجابي ونحن لا نريد إلا أن تتفاهم الأطراف السياسية مع بعضها البعض، أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية تمثل كل الأطراف ضروري جدا لتخفيض الاحتقان السياسي، وكل ما يخفض الاحتقان نحن معه”.
وتحدث المرزوقي عن برنامجه قائلا: هو “مرتبط بما يسمح به الدستور الذي يعطيني جملة من الصلاحيات سياسيا، كالمحافظة على الدستور الذي سأدافع عنه بكل قواي للمحافظة على الحريات وعلى الوحدة الوطنية وقصر قرطاج سيبقى دائما وأبدا مكانا للحوار، والحوار الوطني سيتواصل”.
وأضاف المرزوقي “من الناحية الأمنية كرئيس للمجلس القومي للأمن لي صلاحيات، لي قضية الأمن القومي بمفهومه الواسع وليس بمفهومه الضيق المفهوم العسكري الأمني فقط بل أمن الغذاء وأمن الطاقة وأمن الماء”.
من ناحية أخرى اعتبر المرزوقي أن “الدبلوماسية الاقتصادية مهمة جدا لان أهم شيء أمامنا الآن هو محاربة الفقر ومحاربته تحتاج كثيرا من الاستثمار الذي هو أساسا موجود بالأساس وأنا مهمتي ستكون جلب هذا الاستثمار بالخارج”.
ووفقا للدستور التونسي الجديد الذي اعتمد عمليا النظام المختلط الرئاسي-البرلماني، فإن صلاحيات الرئيس المقبل ستتركز في مجالات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية والدبلوماسية الاقتصادية الخارجية في حين تتركز صلاحيات الحكومية في إدارة الشان العام الداخلي بكل تفريعاته.
ورئاسة الجمهورية لها عدة أفكار في محاربة الفقر خارج السياق الاقتصادي الكلاسيكي فقد “أخذنا كثيرا من تجربة البرازيل وبدأنا في تنمية شبكة من الجمعيات على الأرض حتى تكون التنمية نابعة من الأرض”، يضيف المرزوقي.
على صعيد آخر، اعتبر المرزوقي أنه “بالنسبة لكل التونسيين، الصراع (حاليا) بين المنظومة القديمة التي تعود بكل قوتها والياتها القديمة والمنظومة الجديدة الديمقراطية التي تتقدم ببطء”.
وأضاف “طبيعي أن يكون فيه نقاش أنا كنت أتمنى القيام بحوار مع السبسي يترفع عن المناكفات اللفظية لنطرح ما هو برنامجه وما هو برنامجي وعلاقته بالقديم والجديد حتى تكون الأمور واضحة للتونسيين”.
وتابع المرزوقي “حتى مع رفض السيد الباجي قايد السبسي للمناظرة (التيلفزيونية) الذي أأسف له وهي شرط من شروط الديمقراطية واضح للناس جميعا عودة النظام القديم وأنا كانسان كنت ضحية للنظام القديم وكذا مئات الآلاف من التونسيين واستطيع أن أقول كل الشعب التونسي كان ضحية المنظومة القديمة ومن حقي ان اقول للناس انتبهوا هذه معركة سياسية ليس لها علاقة بالانقسام”.
ونفى المرزوقي صلته بالدعوة الى الانقسام مثلما يردد خصومه وقال” الانقسام هو من الطرف الآخر للأسف الشديد بتصريحات غير مسؤولة أدى إلى تحركات في الجهات والله يعلم أنني توجهت للشعب لأقول أن الوحدة الوطنية خط احمر وناديت بالتهدئة وبعثت رسائل إلى كل التنسيقيات لتهدئة الوضع”.
واعتبر المرزوقي ان منافسه في الانتخابات الرئاسية الباجي قايد السبسي يستخدم آلة النظام القديم وأوضح “طبعا الجميع يعرف ان الآلة التي تشتغل بها الحملة الرئاسية لمنافسي هي آلة للحزب المنحل قانونا (حزب التجمع الدستوري الحاكم في عهد زين العابدين بن علي) وهذا الجميع يعرفه، وهذا حق من حقوقه وأنا كنت ضد قانون لإزاحة هؤلاء أو لمنعهم من الترشح لأنني كديمقراطي اعتبرت هذا غير ديمقراطي، لكن الآن من الديمقراطية أن يصير نقاش واضح حول ما هو هذا المشروع الجديد أنا أقول هذا هو النظام القديم بعقليته بتقسيمه للمجتمع بأفكاره القديمة وأنا ضده وهذا حق من حقوقي أن أكون ضده والشعب يفصل بيننا إذا الشعب قبل بعودة المنظمة القديمة سأقبل قراره لكن من حقي في الحملة الانتخابية أن أنبه التونسيين”.
وعن الاتهامات التي وجهها إليه خصومه بأنه يلقي تأييد تيار السلفية الجهادية، عقب المرزوقي “هذه اتهامات مبنية على مواقف خاطئة ولا ترقى إلى الحقيقة وهي آتية من الخصم لسبب بسيط أن القول بان المليون و100 ألف تونسي الذين صوتوا لي كلهم لهم علاقة بالجهاديين والعنف” هو قول خاطئ.
وأضاف: “الجميع يعرف أن الجهاديين لا يصوتون وكل ما في الأمر انه تمّ استغلال صور لبعض الناس الذين أرادوا المشاركة في حملتي وهم مواطنون سلِّط عليهم الضوء ولم يُسلط الضوء على رجال الأعمال الكثيرين والمثقفين الكثيرين واليساريين الكثيرين الذين يساندونني وكذلك النساء من الطبقات البورجوازية الناشطات في حملتي في صفحات الفيسبوك”.
وهذا أمر، يقول المرزوقي ،”أأسف له و أعتبر انه كان من المفروض ان تكون الحملة الانتخابية حملة أفكار وصراع أفكار وصراع مبادئ وبرامج وقيم ولا يتم التركيز بهذه الاتهامات وأمور ثانوية جدا واتهام أكثر من مليون تونسي بأنهم إرهابيون وهذا ما أدى إلى غضب الشارع الكبير الموجود في تونس ضد نداء تونس”.
وعن العلاقة باليسار التونسي، قال المرزوقي “أنا من شباب السبعينيات، كنا كلنا يساريين قوميين أو يساريين لانهم لم يكن هناك لا ديمقراطيين ولا إسلاميين، الشباب الثائر كان إما يساري وإما قومي وأنا كنت الاثنين كان عندي طرح قومي وطرح يساري ولكن في الثمانينات غادرت القوميين واليساريين لأنني اكتشفت أن جزءً أصبح مهوسا بالعداء للإسلاميين والقضية الطبقية والاجتماعية والفقر والتهميش أصبح ثانويا بالنسبة إليه وهذا أدى في نهاية المطاف إلى التحالف مع الدكتاتورية في التسعينيات، وأنا اعتبر أن ذلك كان انزلاقا وأنا يساريتي هي الوفاء للفقراء للطبقات المسحوقة للجهات المسحوقة وهذا الحنين مازال عندي إلى حد الآن”.
وتابع المرزوقي “غادرت كذلك العائلة القومية لأنني اكتشف أن هذه العائلة لا تدين بالحب للأمة أو للغة بقدر ما تدين بالحب للأنظمة هذا مع البعث صدام (حسين)وهذا مع (حافظ) الأسد وهذا مع (معمر) القذافي، أنا كنت مع الأمة، مع اللغة، مع الشعب، مع حقوق الإنسان العربي”.
ويمضى في حديثه قائلا: “إذن أنا غادرت العائلة القومية والعائلة اليسارية في نهاية الثمانينيات، وأصبحت لدي ثلاثة هواجس قضية الديمقراطية يجب أن نصبح دولا ديمقراطية وقضية اجتماعية يجب أن نركز على محاربة الفقر وقضية الهوية وهي نحن في العلم يجب أن نحافظ على هويتنا العربية الإسلامية المفتوحة على العالم ولا احد يزايد علي في الحداثة بحكم عائلتي وثقافتي”.
واعتبر المرزوقي أن “اليسار في تونس حسب رأيي مقسم، مازال هناك يسار يعتبر عدوه الأساسي الدكتاتورية والفقر، وأنا اعتبر أن هذا اليسار (الاجتماعي) سيساندني واليسار المهووس بالإيديولوجي والذي يعتبر ان العدو الأساسي هم الإسلاميون، فلن يساندني وسيساند الطرف الآخر”.
وشدد الرئيس التونسي على أنه قدم الكثير من الانجازات خلال ولايته الأولى، وقال: “المرحلة الانتقالية التي حكمت فيها للترويكا كانت سياسية بامتياز وكان مطلوبا منا كتابة الدستور وإقامة المؤسسات المستقلة والذهاب إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية حتى نبني المستقبل هذا كان كراس الشروط وقد تحقق”.
وتابع “في هذه الفترة، كانت هناك محاولة انقلابية دامت من اغتيال محمد البراهمي في 25 يوليو 2013 إلى نهاية سبتمبر 2013، حيث كانت البلاد في وضع انقلابي، وأنا منعت هذا الانقلاب وحافظت على الديمقراطية إذن أنا لعبت دورا هاما في إنجاح المرحلة الانتقالية.”
وعرّج على قضية الارهاب وقال “في قضية الإرهاب لما جئنا إلى السلطة اكتشفنا أن الجيش لم يتلقى تسليحا تقريبا منذ الثمانينات أشياء بسيطة جدا.لم يكن هناك تنسيق بين الأمن والجيش، والأمن لم يكن له أسلحة ولا صدريات واقية من الرصاص كل هذه السنوات سلحنا الجيش والأمن ونسقنا بين الجيش والأمن ووجهنا ضربات للعصابات الإرهابية وجعلنا منها إزعاجا أكثر منه خطرا”.
وعلى الصعيد الخارجي، اعتبر المرزوقي ان قدم إضافة في العلاقات الخارجيىة قائلا “في العلاقات الدبلوماسية، تونس كانت غائبة تماما في الساحة الدبلوماسية الدولية في عهد بن علي، ولم تكن موجودة، الآن تونس موجودة بفضل الثورة وأيضا بفضل الدبلوماسية التي قمنا بها، متنا علاقاتنا مع الغرب واستقبلوني استقبالا رائعا في البرلمان الأوروبي وفي البرلمان الفرنسي في البرلمان البلجيكي علاقاتنا مع ألمانيا جيدة جدا ورسخنا العلاقات مع الولايات المتحدة”.
وأضاف كان هناك “فضاء غير مفتوح تماما وهو الفضاء الإفريقي، واليوم، لم يعرف في تاريخ تونس هذا العدد من المسؤولين الأفارقة الذين جاؤوا إلى تونس بجانب زياراتي أنا إلى إفريقيا وذهابي بأكثر من 100 رجل أعمال لفتح الأسواق الإفريقية”.
وتابع: “في العالم العربي ركزنا علاقات متينة جدا مع الجزائر، مع المغرب ومع موريتانيا، حاولنا ونحاول دائما وابدا ان نلعب دورا هاما مع إخوتنا في ليبيا لترتيب الوضع”. وبالنسبة لمصر، “لنا علاقات لا سيئة ولا طيبة، إخوتنا في مصر أخذوا طريقهم ونحن أخذنا طريقنا، لا نتدخل في شؤونهم ولا يتدخلون في شؤوننا”.
وبشان سوريا، قال: “البعض اعتبر اننا ارتكبنا خطا دبلوماسيا (بالقطيعة مع نظام بشار الأسد) أنا لا اعتبرها كذلك، أنا اعتبر ان شعبنا هو كان منطلق الربيع العربي والثورة السورية انطلقت بعد الثورة التونسية، لا أقول تقليدا لها بل متابعة لها، وأنا أعجب كثيرا من الناس الذين هم الفساد وضد الدكتاتورية وضد قتل الشعوب ومع هذا يجدون من الطبيعي ان تونس مهد الثورة العربية تغض الطرف عن دكتاتور فاسد ودكتاتور عائلي شرّد ثلث شعبه وقتل منهم 200 ألف بحجة ممانعة غير موجودة وهذا موقف لن أغيره”.
وأخيرا، حول ما ينتوى فعله إذا لم يفز في انتخابات الـ21 من الشهر الجاري، قال المرزوقي: “لكل حادث حديث”.
تونس/ عادل الثابتي / الأناضول