حتى تعود كل الأضواء إلى الأخضر
الثلثاء 10 كانون الثاني (يناير) 2012
ومضات من هنا وهناك لا زالت في اللون البرتقالي ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى اللون الأحمر . ثمة الخبر عن هذه المدرّسة التي تعرّضت للتعنيف لأن لباسها أو أقوالها لم ترق ، ثمة ما يشاع عن تعرّض بعض غير المحجبات للمضايقة ، ثمة خبر التعرض العنيف لوجود تمثال في مكان عمومي ، ثمة ما يتهامس من البعض عن خطباء جمعة يروّجون لمواقف من نوع تحريم مصافحة المرأة …ثمة مبادرات البعض لفرض صفّ للرجال وآخر للنساء في مبادرة قد تنذر بما سيأتي من مزيد من الفصل على أساس الجنس … وفي المقابل ثمة تضخيم مقصود وتهويل بيّن لمواقف وتصرفات لا تلزم إلا أصحابها . ثمة إذن مؤشرات قلق وخوف داخل المجتمع وأخرى على نوع من الاستعداد لفرض مواقف وتصرفات جديدة في ظل الوضع السياسي الجديد . الأمر في الحالتين ليس للتجاهل وإنما للتدارك قبل أن تتفاقم أعراض خلاف قد يكون خطيرا إن لم نتسارع إليه جميعا بالوقاية والعلاج. كان الموقف الخاص وسيضلّ أن على المجتمع أن يقبل بتعدديته وأن ينظم تعايشها السلمي وأنه لا مجال لأي طرف أن يفرض مفهومه للهوية أو مفهومه للحداثة . الموقف أيضا أن واجب الدولة المدنية التي يجب أن تخدم هذا الشعب هو أن تحمي حق المحجبة في الخمار وحق غير المحجبة في عدم اعتماده ، كذلك حقّ من يؤمن وحقّ من لا يؤمن في إبداء رأيه طالما لا يتعدى على كرامة ومقدسات الآخرين . قلنا ولا زلنا أن حقوق الإنسان في الحرية والتعبير واللباس والعقيدة ،أيا كانت، خطوط حمر لا مجال لتجاوزها ومن ثم إدانتنا الصارمة والمبدئية لكل موقف أو تصرف يتعرض لها بأي شكل أو آخر واستعدادنا للدفاع عنها بغض النظر عن ثمنها السياسي . لكن في المقابل يجب عدم صبّ الزيت على النار وتصيّد الأحداث المعزولة لتضخيمها لا بغرض الدفاع عن الحريات وإنما للتوظيف السياسي وهذه ليست أحسن طريقة للدفاع عن قيم نتبناها عن قناعة مطلقة. إن ما أظهره التونسيون من نضج إلى حد الآن يطلب منا جميعا التواصل في خط التهدئة والتعقل حتى نواصل النجاحات التي أبهرت العالم : تنظيم ثورة سلمية بدون صنم أو إيدولوجيا ….تنظيم مرحلة انتقالية دون انتقام ….تنظيم انتخابات حرة ونزيهة أفضت لمجلس تأسيسي لا نقاش في شرعيته ….حكومة ائتلافية تواجه تسونامي من مشاكل راكمها الاستبداد. إن مسؤولية الجميع اليوم توحيد الجهود لربح المعركة الاقتصادية والاجتماعية بعد نجاحنا الباهر في المعركة السياسية وكلنا حكومة ومعارضة وشعبا أصحاب هذا النجاح . حذار أن تحجب عنا الشجرة الغابة وأن تستنزف طاقاتنا معارك هامشية وحتى مصطنعة أحيانا .
تصفح