برنامج “تونس وطن للإنسان”
نشر في 9 أفريل 2009
الخميس 23 أيلول (سبتمبر) 2010
لا الليل انجلى ولا القيد انكسر بل بالعكس، فكل يوم يتزايد القمع من جهة، ومن جهة أخرى يتزايد التفكك والتفسخ والانحلال داخل المجتمع والطبقة السياسة، ناهيك عن وهن كل إرادة و كل حلم حتى عند الشباب…كل هذا في ظل دوران المعارضة في نفس الحلقات المفرغة وهي تجري وراء نفس أوهام الإصلاح وتعيد إنتاج نفس الأخطاء حول قيمة انتخابات بلا قيمة…كل هذا في ظل تشظّي القضية الوطنية إلى غبار قضايا فردية استهلكت كل طاقاتنا بلا نتيجة لا للأشخاص ولا للوطن…كل هذا والدكتاتور ممعن في استعمال نفس الوسائل الخسيسة لقمع كل معارضة …كل هذا وشره العصابات في تزايد مطّرد يأتي على ما تبقى من أخضر ويابس …كل هذا ونحن نعيش التأبيد بانتظار التوريث…كل هذا في ظل تفاقم أعمق الأزمات السياسية والاقتصادية والروحية والنفسية ….ولا أمل في الأفق لتونس أو لتونسي. عار أن ينبطح شعب بأكمله أمام عصابة لا تتجاوز مئة شخص كلهم هربوا أموالهم للخارج ويعيشون كل ليلة وكأنها الأخيرة… وهؤلاء يطاعون ويخشون ! يا للعار ! يا للعار ! يا للعار ! يا للعار ! يا للعار ! نعم عار علينا قبول وضع كهذا …عار علينا ترك وطننا يغوص يوما بعد يوم في مستنقع الفساد والظلم والإحباط واليأس…عار علينا أن يغرق مئات من شبابنا في عرض البحر لأنهم يئسوا من بلادهم…عار علينا أن نترك دكتاتورية متخلفة تدمر شعبنا…عار علينا ألا نعقد العزم على القضاء عليها قبل أن تقضي على حقنا وحق الأجيال القادمة في العيش في وطننا أحرار مرفوعي الرأس. للخروج من المستنقع الحالي، وبعد فشل كل الحلول الأخرى لا خيار إلا هدف وطريق . الهدف الأسمى
تحرير المجتمع من الخوف والإذلال وجعل الوطنية مرادفا للمواطنية وإعادة الكرامة والأمل للتونسيين ،لتجنيد طاقات الخلق والإبداع المعطّلة فيهم والكفيلة بتحقيق التنمية الإنسانية الشاملة ، وذلك بإنهاء الدكتاتورية ومنع تجددها.
إنها مسؤوليتك، مسؤوليتي، مسؤوليتنا جميعا
طريق لا طريق سواه
أظهرت كل التجارب للعقدين الماضيين عقم محاولة التنظم تحت دكتاتورية خبيثة تستطيع جمع كل حزب حقيقي في ليلة ليلاء ، خلق ما تشاء من الأحزاب الصورية للعبة الديكور الديمقراطي ،شلّ كل حزب لا ترضى عنه والتسرب له وفرقعته من الداخل…كل دروس التاريخ تؤكد أنه لا تنظم إلا في ديمقراطية أما الدكتاتورية فتواجه بأحد خيارين: المقاومة المسلحة أو المقاومة المدنية .
الأولى نرفضها من باب أخلاقي ولأنها في مصلحة النظام الذي يمكن أن يتذرع بها لمزيد من القمع وتسوّل الدعم الخارجي بحجة محاربة الإرهاب والحال أنه لا إرهاب إلا لأجهزته القمعية. لا يبقى أمامنا إذن إلا خيار المقاومة المدنية الذي دعونا له مرارا و سخر منا الساخرون وهو اليوم واقع كل شعب لا يقبل بالموت البطيء.
خارطة الطريق
لا يجب أن يكون هدف المقاومة المدنية مجرّد احتجاج أو في خدمة أيّ هدف سلبي ولو بأهمية الإطاحة بالدكتاتورية، بل يجب أن يكون في خدمة بدائل واضحة لما نريد هدمه. نعم يجب أن يكون لنا حلم نعلم أنه قابل للتحقيق ونرضى بكل التضحيات من أجله.
يجب أن يكون لنا برنامج لإنقاذ تونس وتجددها نتمسك به ونفرضه على رجال أشراف قد يخرجون من صلب الدولة للقول تعالوا للبناء لا نية لنا في تكرار السيناريو البغيض.
هذا البرنامج الذي نستطيع التوحد حوله بمنتهى السهولة مضمّن في أهم ملامحه في كل ما عشنا وجربنا تحت نظام جمع خصائص دكتاتورية بوليسية وحكم عصابات حق عام.
تجربة يجب أن تستثمر.
لقد عشنا حقبة بالغة الثراء استبطنا خلالها بلا وعي كل ما يجب تعلمه لبناء دولة فعالة ومجتمع سليم حيث علمنا النظام الاستبدادي ثمن تزييف المصطلحات والقيم والمؤسسات …. ثمن غياب سلطة القانون واستقلالية المؤسسات… ثمن استفراد شخص وعصابة بقرارات تهم مصير شعب وأجيال….ثمن استيلاء مجموعة بلا ضوابط أخلاقية أو قانونية على جهاز الدولة…. ثمن تغليب المصالح الفئوية لشخص وعائلته على مصلحة شعب بأكمله… كأن القاعدة التي حفرها التاريخ الحديث في عقولنا وقلوبنا :انظروا ما فعله النظام الاستبدادي وافعلوا عكسه تماما تجدوا الطريق المستقيم .
كل النواقص والموبقات التي مثلها هذا النظام والتي اتخذت أحيانا طابع المهزلة والمأساة ، إذا أضفنا لها تجارب الشعوب الأخرى، هي القادرة على توضيح الرؤيا لبناء مستقبل لأجيال استعرنا منهم وطن مهمتنا أن نرجعه لها في أحسن حال.
لكن ما ملامح الغد الذي نريده لنا ولها ؟
أرضية صلبة لوفاق وطني يجمّع الأغلبية الساحقة.
ما علمتنا تجربة المعارضات أنه بقدر ما نريد بناء نظام سياسي واجتماعي حول مواقف عقائدية ، بقدر ما نخلق مشاكل عويصة تضاف للتي نريد حلّها.على العكس لا أسهل من الالتقاء حول مفهوم المصلحة العامة، إذ يمكن ترجمته إلى خيارات أصبحت كلها مطالب ملحة للتونسيين وقد أعطانا النظام الاستبدادي صورة راديوغرافية دقيقة عن كل الأخطاء والخطايا التي نتجت جلّها عن عامل رئيسي هو وضع المصلحة الخاصة لشخص وعائلات مافيوزية والمؤلفة جيوبهم فوق المصلحة العامة.
إن جعل علوية المصلحة العامة المبدأ وحجر الزاوية في مشروعنا يمرّ بنوعين من التدابير : التي تضرب في الصميم المصلحة الخاصة والتي تبني القيم والرموز والمؤسسات لجعل المصلحة العامة قاعدة النظام المقبل، ومن ثم ضرورة التخطيط لإصلاحات عاجلة تسبق وتمهّد للإصلاحات الهيكلية.
إصلاحات عاجلة
وقف دفع الديون الخارجية التي أغرقتنا بها الدكتاتورية والتي ذهبت في جيب زبانيتها والمفاوضة الجادة حول إلغائها وجدولتها واستعمالها لتشغيل الشباب ووقف غرق عدد متزايد منهم أمام سواحل أوروبا.
بعث هيئة وطنية لاسترجاع المال العمومي ومصادرة كل ما سرق في الداخل من أراضي وموارد ومؤسسات صناعية وتحف تشكّل الإرث الثقافي للجميع،مع تكليف لجان مختصة برصد مسار المسروقات في الخارج وطلب الدول التي هرّبت إليها استرجاعها وتستعمل مواردها لتعويض الضحايا.
إحالة كل من ثبت تورطهم في قضايا السطو على المال العمومي والمسئولين السياسيين عن التعذيب وتزييف الانتخابات على محاكم عادية تنظر في تهم سرقة خيرات التونسيين وإذلالهم وإرهابهم وقتل مواطنين تحت التعذيب. ولضمان تمتّع هؤلاء الناس بمحاكمة عادلة ونزيهة يتمّ بصفة استثنائية الاستنجاد بقضاة عرب وأجانب ممن عرفوا في بلدانهم بالنزاهة والاستقلالية التامة وتوكل لهم الدولة بالمحاكمة طبقا للقوانين التونسية المعمول بها وقت حدوث الجرائم.
في كل القضايا الأخرى ذات الصبغة السياسية بعث لجنة وطنية لكشف الحقيقة والمصالحة على غرار ما وقع في جنوب أفريقيا بعد نهاية الفصل العنصري، ومهمتها كشف النقاب عن كل جرائم الدكتاتورية او تمتيع المسئولين عنها بالعفو شريطة الاعتراف بكل ما ارتكبوا وطلب الصفح من الضحايا والمجتمع.
إلغاء وزارة الداخلية لتصبح وزارة الإدارة المحلية مع هدم المبنى الحالي بما هو رمز كل العنف الذي سلّط على المجتمع منذ قرابة نصف القرن وإقامة حديقة تحمل اسم الشهداء ومتحف وطني للقمع على أنقاضه وحلّ البوليس السياسي، وتفكيك الجهاز الأمني إلى مكاتب ملحقة حسب الاختصاص بوزارات العدل والمالية والدفاع والبلديات ولا تخضع أبدا لإشراف واحد وممركز،كل هذا دون هضم لحقوق الموظفين أو المسّ بالأشخاص ما عدا المورطين في جرائم التعذيب.
تطهير سلك القضاء من كل القضاة الثابت تورطهم في قضايا فساد أو في الأحكام السياسية التي لم تراعي قواعد المحاكمات النزيهة وتتبعهم عدليا.
حلّ مؤسسة الإذاعة والتلفزة النظامية وبعث هيكل مواطني لإعلام مستقلّ وراق.
إعادة هيكلة الساحة السياسية والمدنية بترسيم جديد لكل الأحزاب والجمعيات والصحف التي تتقدم بالإشعار القانوني بوجودها شريطة تعهدها باحترام العقد الاجتماعي الجديد وتهيكلها في إطار الشفافية والتمثيلية وتنظيم أولى الانتخابات الحرّة في تاريخنا ، الشيء الذي سيمكننا من المرور للإصلاحات الهيكلية التي يتوقف عليها مصير الأجيال القادمة.
أهداف الإصلاح الهيكلي
إن وضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار انطلاقا مما تعلمنا من النظام الاستبدادي يعطينا آليا الأهداف الكبرى لكل إصلاح هيكلي.
تحييد أجهزة الأمن والجمارك على وجه الخصوص وأجهزة الدولة عموما سياسيا أي جعلها خارج قبضة أي حزب سياسي أو أي شخص لتكون في خدمة المجتمع لا في خدمة الجماعات.
إحداث نظام مراقبة صارم على المال العمومي يصعّب سرقته وتبذيره وسوء التصرف فيه أو إغراق البلاد بالديون الخارجية في الوقت الذي تحوّل هذه الديون أو نسبة منها للحسابات الخاصة.
إطلاق الحريات العامة وبالأساس حرية الرأي والتعبير لوضع الأصبع على كل مواقع الخلل في عمل مؤسساتنا وعلى رأسها المؤسسة السياسية، وإطلاق حرية التنظم على الصعيد السياسي والنقابي والجمعياتي والثقافي لكي تؤطر الطاقات الخلاقة .
تنظيم انتخابات دورية ونزيهة من قمة الهرم إلى قاعدته لاختيار الشخص الأفضل والحق في تغييره في المواعيد الانتخابية المقررة سلفا.
بناء نظام قضائي له ما يكفي من السلطات والاستقلالية لمحاسبة صغار المجرمين وكبارهم بنفس المعايير أي أن يكون قادرا على مساءلة رئيس الدولة أو أيّ مسئول أمني كبير مثل أي مواطن عادي.
بناء مؤسسات جديدة تحمي المواطنين من انزلاقات السلطة ولو كانت ديمقراطية .
تفعيل الأنظمة الضرورية لحياة المجتمع أي النظام الاقتصادي والصحي والتعليمي والثقافي وفق مبدأ الكفاءة وليس الولاء في اختيار مسئوليها هو على عكس ممارسة الدكتاتورية التي تضمن مصالحها باعتماد الولاء قبل الكفاءة.
كل هذه الأهداف لا يمكن أن تستمدّ شرعيتها وقوتها إلا من عقد اجتماعي جديد.
قانون أساسي جديد للمجتمع والدولة
للقطع مع الماضي، ولعدم الدخول في صراع حسابات سياسية وعقائدية تهدر الوقت والطاقة، يتمّ تكليف لجنة من كبار أساتذة القانون من تونس ومن بلدان مثل مصر وجنوب أفريقيا والهند والبرازيل بتدبيج القانون الأساسي للمجتمع والدولة ليكون دعامة مجتمع يسعى عبر دولته ومؤسساتها لتمتيع كل أفراده دون تمييز بالحرية والعدالة وبثمار التنمية. وتجري العملية بالاستماع لكل الأطراف السياسية والاجتماعية ثم عرض أول مسودة على نقاش وطني تستعمل فيه كل تقنيات التواصل الحديثة. بعد هذه المرحلة يتم تقديم المشروع النهائي لاستفتاء حقيقي. وهذا القانون الأساسي هو الإطار الذي ستنطلق منه الانتخابات المذكورة أعلاه ، مما يتطلب أن يتم سنّ الوثيقة التأسيسية في الشهور الأولى لأي تغيير حقيقي حتى تكتمل الهيكلية السياسية في ظرف زمني معقول لا يتجاوز السنة.
لننتبه أن تجاربنا العديدة مع وثيقة سميت في تاريخنا الدستور علمتنا أنه لا قيمة لمثل هذه النصوص وهي
تعفي الرئيس من المسؤولية الجزائية والسياسية والحال أن مبدأ محاسبة المسؤول الأول وحتى إقالته إبان ولايته في حالة ارتكاب جريمة ما، أولى الضمانات لغلبة المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
تترك للقانون حيزا واسعا في تفسير بنود الحريات الفردية والعامة مما يمكّن السلطة التنفيذية من أن تسحب باليد اليسرى ما تعطي باليد اليمنى.
تسنّ بعد استفتاء صوري يسخر من ذكاء وكرامة أناس يقتادون كالغنم لمراكز الاقتراع .
بلا سلطة قادرة على حمايتها من التفسير والتفويض والتعطيل.
ولأن سنّ دستور دون محكمة دستورية مثل بعث جيش دون سلاح، فإن القاعدة ستكون لا دستور دون محكمة دستورية مثلما لا محكمة دستورية دون دستور ويكون لهذا الركن الأساسي من النظام السياسي استقلالية وصلاحيات المحاكم أي قدرة وقف العمل بأي قانون مخالف لنص العقد الاجتماعي الجديد وإحالة أي مسؤول على العدالة في حالة تعدّيه على أي من بنود من بنوده.
ولمنع التلاعب ، خاصة بتمديد الولايات الرئاسية، يضاف بند ينص على أنه لا يجوز التنقيح إلا في حالة واحدة هي تجديد الانخراط في العقد الاجتماعي الأساسي حيث من غير المقبول أن يقرّر جيل ما القوانين التي يجب على الجيل الذي يتبعه العيش في ظلها. لذلك ينظم كل ثلاثين سنة مثلا استفتاء حول نص منقح يمكن للجيل الجديد تملكه وتبنيه بكل حرية وتجديد الثقة في قيم وخيارات الآباء والأمهات،الأجداد والجدات.
آليات جديدة لحماية الأغلبية من أقلية انحرفت مجدّدا.
ما تعلّم التجربة التاريخية أن المصلحة الخاصة لا تختفي أبدا، بل تنسحب وراء الستار لمواصلة المناورة وإفراغ المبادئ والمؤسسات من كل فحوى بداية بالتسارع للقبول بها والهدف المخفي استعمالها لتمرير مصالح الأشخاص والفئات. وبغض النظر عن هذه الظاهرة التي تبقى السيف المسلط على كل المجتمعات وضرورة متابعتها دوما بحريّة النقد والإصلاح المتواصل، فإن تجربة البلدان المتقدمة تظهر أهمية بناء مؤسسات تعهد لها بمهام حيوية لاستتباب الثقة بين الدولة والمجتمع وتشرف عليها شخصيات وطنية لها من الخبرة والإشعاع والتمثيلية لأهم قطاعات المجتمع ما يؤهلها لكي تنتصب في صلب هيئات مستقلة مادية وتنظيميا عن السلطة التنفيذية وبقانون من البرلمان.
ولأن عدد قليل من هذه المؤسسات،إذا وضع في أهم مفترقات طرق القرارات المصيرية، قادر على إحداث تغييرات جذرية في تصرفات المجتمع والدولة،فإن البرنامج ،انطلاقا من تحليل معمق للأوضاع المزرية التي عشناها يدعو لإحداث الهيئات العليا التالية.
الهيئة العليا المستقلة لمراقبة المال العمومي ومحاربة الفساد: وتتلقى مثل المحكمة الدستورية العليا شكاوى المواطنين والمنظمات وتراقب قانونية المناقصات العمومية والتصرف في أراضي الدولة وتنظم دورات التدريب والتربية على تقصي كل أشكال الفساد المالي والمحسوبية واستغلال النفوذ.
الهيئة العليا المستقلّة للإعلام للسهر على استقلالية الإعلام وعدم وقوعه في قبضة الجهاز التنفيذي ولا في قبضة رؤوس الأموال وتسمي مدراء الإذاعة والتلفزة الوطنية وتوزع موجات الإذاعات المحلية.
الهيئة العليا المستقلّة لتمويل نشاطات المجتمع المدني ومهمتها توزيع ميزانية مرصودة من قبل البرلمان لتمويل نشاطات الجمعيات الأكثر عطاء ومصلحة اجتماعية.
الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات ومهمتها السهر على عدم التلاعب بالانتخابات قبل الاقتراع بتقطيع الدوائر الانتخابية حسب مصالح النظام الحاكم ومراقبة الحملة الانتخابية والسهر على جدية فرز النتائج.
الهيئة العليا المستقلّة للأجيال الجديدة ومهمتها مراقبة المشاريع الاقتصادية وكيفية التصرف في الموارد الوطنية الحيوية والتعامل مع البيئة بالتصدي لكل إجراءات لا تأخذ بعين الاعتبار إلا المصلحة العامة الظرفية ضاربة عرض الحائط بالمصلحة العامة على الأمد البعيد.
إصلاح جذري لكبرى النظم الاجتماعية : المنهجية .
إنّ تدبيج البرامج السياسية الحزبية المبنية على الوعود الفضفاضة التي لا تلزم إلا من يصدّقها،سذاجة في أحسن الأحوال، ودجلا مقصود في أسوأها، وذلك لغياب ابسط المعطيات الموضوعية في مجالات حيوية مثل الميزانية الحقيقية ومستوى التداين وإحصائيات البطالة، ونسبة النجاح في مختلف مراحل التعليم ، والمستوى الفعلي للتلاميذ والطلبة والأساتذة، والكفاءة المهنية في سلك الصحة أو في أي قطاع آخر. كل هذه المعلومات غائبة لعدم توفّر الأبحاث الجدية ولأن العهد المشئوم اعتمد كل أساليب الكذب والتمويه والتضليل والمغالطة والإخفاء والتدليس حتى لا تتوفّر.
وحتى لو توفرت لما كان في قدرة شخص أو مجموعة أشخاص تنتمي لحزب، أي لجزء من كلّ، الإدعاء بأن له-أو لها – العلم اللدن الذي يسمح بحلّ مشاكل متراكمة منذ عقدين من الزمن.
هذا ما يجعل وعود بعض السياسيين عشية الحملات الانتخابية،المفتعلة أو حتى الجدّية، بإصلاح أنظمة بتعقيد النظام الاقتصادي أو التعليمي أو الإداري في غياب المعطيات أو في تواجدها مغلوطة، بمثابة إدعاء حدادين قدرة إصلاح طائرات نفاثة يجهلون عنها كل شيء ما عدا أنها علب من حديد تطير في الهواء بقدرة قادر. والأدهى وصولهم للسلطة بمثل هذه الوعود وهجومهم على الطائرات بالمطرقة والمنشار.
ما العمل في هذه الأوضاع وكيف لا يكون التخطيط السياسي سذاجة أو دجلا ؟
الانطلاق من القاعدة أن إصلاحات جذرية يتوقف عليها حاضر هذا الجيل ومستقبل الأجيال القادمة لا تتحمل السذاجة والمزايدة والتطفل أو الجهل بتجارب الآخرين أو المطلبية المشطة.
فهم أن الأنظمة الاجتماعية لا تعالج في عصرنا بإجراءات فوقية من قبل سياسيين أو تكنقراطيين ولو كانت نيتهم حسنة، وإنما نتيجة جهد جبار تتشارك فيه كل القوى الاجتماعية المتفقة على خيارات أساسية ، ومن ثم ضرورة إشراك كل القوى الفاعلة في صياغة ومتابعة وتقييم برامج الإصلاح في إطار استشارات واسعة النطاق ومتواصلة في الزمان ولاعلاقة لها بتمثيليات الدكتاتورية ، لكن برؤية سياسية واضحة .
محطات الإصلاح الهيكلي
I – نتيجة جهلنا بحالة الأنظمة الاجتماعية،فإن الإصلاح يبدأ من تقييم معمّق لوضعها Audit عبر لجان خبراء أجانب محايدين، ولجان داخلية من ممثلي الأطراف الفاعلة في النظام المعني بالأمر. تشمل العملية تقييم ميادين التعليم في مراحله الثلاث والبحث العلمي ،والنظام البنكي والجبائي والإنتاجي، والصحي والقضائي والأمني والحيطة الاجتماعية، والإدارة والحماية المدنية والمحافظة على البيئة. وتقدم كل هذه اللجان نتائجها بعد ثلاثة أشهر في ندوات صحفية علنية وفي تقارير لحكومة تصريف الأعمال وتنشر بالكامل.
IIتنظيم مشاورات جهوية ووطنية واسعة النطاق لمدة ثلاثة أشهر تشارك فيها كل الأطراف المعنية وممثلي الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ذات الاختصاص تنطلق من التقييم الداخلي والخارجي وتنتهي بإصدار التوصيات حول الإصلاحات الهيكلية.
III – تحال كل التوصيات على البرلمان المنتخب في الأثناء ليواصل دراستها ويقرها في إطار قوانين ملزمة للجهاز التنفيذي مع تشكيل لجان مختلطة من البرلمانيين واللجان القطاعية الوطنية التي أشرفت على التشخيص والمقترحات ، لمتابعة تنفيذ القرارات.
سياستنا الخارجية
تونس في تقاطع ثلاث فضاءات : الفضاء العربي الإسلامي والفضاء المتوسطي والفضاء الأفريقي. ومن ثم لا خيار لنا غير اعتماد سياسة خارجية هدفها مزيد من التعاون والاندماج والإدماج داخل هذه الفضاءات الثلاثة مع التأكيد على أولوية الفضاء العربي الإسلامي.
المبدأ الثاني تطوير علاقات التعاون ليس فقط على مستوى الدول وإنما على مستوى المجتمعات المدنية ومن ثم ضرورة اعتراف الدولة لمؤسسات المجتمع المدني بصبغة التمثيلية الدبلوماسية للتونسيين لدى المجتمعات الشقيقة والصديقة وإشراكها في سياستها الخارجية.
المبدأ الثالث قضايا تحرّر الشعوب وخاصة فلسطين قضية تونس الأولى ودعم الشعب الفلسطيني واجب وطني وليس فقط قومي، ويخصص جزء من الدخل الوطني لدعم الشعب الشقيق وذلك باستضافة أطفال وطلبة فلسطينيين للعلاج والدراسة ووضع كل الخبرات التقنية التونسية تحت ذمة أشقائنا طوال معركة التحرّر وعند بناء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وبانتظار تحقيق هذا الهدف رفض أي علاقة مع إسرائيل .
تدابير رمزية قوية تعلن ولادة حقبة جديدة من تاريخنا
إعادة تسمية البلاد من الجمهورية التونسية إلى جمهورية التونسيين للتعبير عن قطعنا مع وضع الرعايا ومرورنا لمرحلة المواطنين الذين يملكون دولة لا رعايا ولو لدولة ديمقراطية .
أبلغ من ألف خطاب عن تمسكنا بجذورنا وبهويتنا اختيار القيروان عاصمة لجمهورية التونسيين ،مع ما يعنيه الأمر أيضا من نقل مركز الثقل في عملية التنمية إلى الوسط والمناطق الفقيرة الأخرى . أما مدينة تونس فتخصص لاستقبال كل ما ستبنيه الأمة من مؤسسات سياسية مشتركة وقد استكملت الشعوب الشقيقة استقلالها الثاني وشرعت في بناء الفضاء السياسي المغاربي ثم العربي الموحد .
كذلك تتخذ جمهورية التونسيين علما يعكس هويتهم وخياراتهم الأساسية
اللون الأخضر رمز انتماء ووفاء للعروبة والإسلام اللون الأزرق رمز انتماء ووفاء للإنسانية والأمم المتحدة غصن الزيتون رمز تعلقنا بالسلام في الداخل والخارج النجمة والهلال لتذكّر الشهداء الذين ماتوا من أجل علم لم يخطر ببالهم أن دكتاتورية الحزب الواحد ستصادره لتجعل منه علم الشعب الدستورية ودكتاتورية البوليس ستصادره لتجعل منه علم مراكز”الأمن” تعرض التغييرات الثلاثة على الاستفتاء في إطار التصديق على القانون الأساسي للمجتمع والدولة.
نداء
سبعون سنة خلت والمهمة لم تكتمل بعد، وحلمهم لم يتحقق إلى الآن. لكن جوهر الحياة مواصلة المشي ولو بين سندان الرمضاء ومطرقة الشمس… كن تواصلا لأحلامهم ونضالهم…اخرج عن السلبية والانتظار… .ساهم في فتح الطريق للأجيال القادمة لكي تفاخر بنفسك عن حق ويفاخر بك أطفالك وأحفادك الذين استعرت منهم وطنا ولا بدّ أن ترجعه لهم في أحسن حال… هلم للمقاومة المدنية … اقبل فكرها ومبادئها …روج لهذه الوثيقة….ناقشها …أثرها… انخرط في مشروع جماعي لمن لا ينتظرون الخلاص من زعيم منقذ أو من حزب طلائعي فما بالك من مسخ انتخابات وإنما من استفاقة جماعية تقطع مع الإحباط والذلّ والخوف لتتفجّر أخيرا كل الطاقات المكبوتة في التونسيين.كونوا شبكات المقاومة المدنية في كل مكان…في الجامعة …في القضاء…في الجيش ، في الشرطة، في الجمارك…في النقابات….في المدن والقرى … حضروا للإضرابات القطاعية …حضروا للإضراب العام …استعملوا كل التقنيات الحديثة .. وأنتم يا شباب افرزوا قيادات جديدة …قودوا المعارك على الأرض بالتنسيق بينكم لكي تتحرك تونس من كل مكان وفي نفس الوقت….لنجعل من يوم الانقلاب المشئوم يومنا للإضراب العام كل سنة إلى أن ينجلي أخيرا هذا الليل الطويل …إلى أن نرمي أخيرا بكل قيودنا في مزابل التاريخ . *