بخصوص الأزمة الأخيرة حول الفيلم المسيء للرسول الكريم
الخميس 13 أيلول (سبتمبر) 2012
رسوم التعريض بالرسول الكريم : الأبعاد والتبعات
د.منصف المرزوقي
مجلة الحدث – العدد 50 – فبراير 2006
ما الذي يمكن إضافته من جديد، أو طريف، أو هامّ لهذا الموضوع الذي أسال أنهارا من الحبر في كل ربوع العالم، ونسأل الله أن لا يسيل يوما أنهارا من الدم؟ ربما لاشيء واني وصلت للموضوع متأخرا وقد قيل فيه كل شيء والباقي. ومع ذلك فليسمح لي بالمشاركة في الضوضاء علني اسمع فيها صوتا أتمنى- دون وهم كبير- أن يكون واحدا من بين أصوات العقل والتعقلّ في زفة المجانين التي تعصف بالعالم حاليا .
وفي البداية حتى نغلق الباب على كل سوء فهم لما سيتبع ،أقول أن نشر الرسوم التي أقامت الدنيا ولم تقعدها في صحيفة دنماركية مغمورة ، ونرويجية أكثر منها تفاهة، وأعادت نشرها صحيفة” شارلي هبدو” الفرنسية المعروفة بتخصصها في الاستفزاز ، عملية سفيهة ، غير مسئولة ولا تواجه إلا بمطلق الاستنكار والإدانة .
لكن الإدانة مبتدأ الخبر لا منتهاه. فلا أسهل من التنديد والمزايدة ولا أصعب من التعامل مع هذه الجمرة الحامية والخبيثة في آن واحد بكل ما تستأهل من تفكير معمق، على قدر خطورة ما تفجرت عنه حمما كالبركان الذي يبدي علامات يقظة لا تنذر بخير.
أحاول التفكير بهدوء وبموضوعية في قضية لا تدفع لا على الهدوء والموضوعية، فيبادرها ذهني بالمعالجة على الطريقة الطبية . فالظاهرة ( الرسوم وردود الفعل عليها ) بداهة مجرد عرض يفضح خللا عميقا في جسم بحجم حضارات بأكملها . أما القدرة على العلاج فرهن بالتشخيص الصحيح ولو أن اختصاصي في الطب لا يشمل للأسف طب الحضارات. السؤال إذن : ما الذي تفضح هذه الأزمة على مستوى تعامل الأمم والشعوب مع بعضها البعض؟ الجهل وسوء النية.
يتصادف أن ظروف الحياة جعلتني أعيش طوال حياتي على تخوم وداخل حضارتين متكاملتين ومتنافستين أعتقد أنني بدأت أفهم بعض خصائص كل واحدة وبعض أسباب الجفاء بينها . وهذه الوضعية هي التي تمكنني اليوم من الانتباه إلى عمق الجهل وسوء الظن الذي تظهره كل أطراف النزاع.
ثمة في البداية جهل الطرف الغربي الضالع في العملية (لا حظ أنني لا أقول الغرب) وسوء نيته.
فهذا الطرف يجهل أن علاقته بالمقدس ليست علاقة شعوب أخرى وأن علاقته هذه الشاذة وليست القاعدة والشاذة تحصى ولا يقاس عليها. لكن الطرف الغربي ، في إطار عجرفة كل حضارة منتصرة، يعتبر أن على الشاذة أن تكون القاعدة وعلى الشاذة أن تكون القاعدة.
ثمة أيضا سوء النية بخصوص قضية حرية الرأي والتعبير التي يشهرها هذا الطرف في وجه المحتجين على نشر هذه الرسوم. يخيل لك وأنت تقرأ لمن يلعبوا ورقة هذه الحجة أنهم يسخرون من ذكائك …أو من إطلاعك على جملة المبادئ التي أسست لحرية تؤطرها قوانين تمنع الثلب والتحقير والافتراء وتعاقب عليها. فلا وجود في أي من البلدان الديمقراطية لمبدأ حق في المطلق وحرية غير مشروطة.
انظر الآن لهيكلية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . ستجد فيه جملة من الحقوق والحريات مثل الحق في الكرامة ( البند الأول) والحق في المعتقد (البند الثامن عشر) والحق في السلم(الديباجة) وبالطبع الحق في حرية الرأي (البند التاسع عشر). لكن الخاصية في هذه الحقوق أنها مترابطة ببعضها البعض ، أنها تكمل بعضها البعض ، أنها تحدّ بعضها البعض. لا يمكن لحق الرأي أن ينقض الحق في السلام ولا الحق في الكرامة ولا الحق في المعتقد وإنما عليه الدفاع عنها. كذلك على المؤمنين بكرامة الإنسان الدفاع عن حق الرأي والمعتقد طالما لم يتصدى لحقوق الآخرين.
قد يبدو هذا الكلام من قبيل السفسطة . لنجرب مدخلا آخر لا أظن أنه وقع طرق بابه وهو من ميدان الأخلاق. كلنا نعرف بالسليقة أن الشجاعة فضيلة إذا مورست في حدود، لكنها إذا تجاوزت نقطة أو حدّ تصبح تهورا أي رذيلة لا تخدم الأهداف التي تخدمها فضيلة الشجاعة وإنما تتهددها. كذلك الأمر عن الكرم الذي يصبح إن تجاوز هذا الحد إسرافا والاقتصاد بخلا والصراحة قلة أدب الخ .
المشكلة أن الانتباه للحد والتوقف عنده قضية ذكاء وخبرة وتجربة ، أن تجاوزه هو القاعدة عند الأغبياء والمبتدئين والجهلة والمرضى النفسيين، وأحيانا ، ولو عرضا، حتى من قبل أناس طيبين وأذكياء ، لأنه لا أصعب من ممارسة الفضائل ( والعيوب) في الحدود التي تجعلها في خدمة الحياة لا ضدها.
معنى هذا أن ما لم ننتبه إليه جميعا أن وراء هذه الزوبعة كمشة من الأغبياء لم يتعرفوا على الحد وتجاوزوه . أي مؤرّخ همام سيكتب يوما تاريخ الغباء ودوره في تسيير شؤون البشر؟ والآن ماذا عن الجهل وسوء النية عند الطرف العربي-الإسلامي.
ثمة طبعا الجهل المعاكس أي جهل العرب والمسلمين أن علاقتهم بالمقدس ليست علاقة كل الشعوب. أذكر المفاجأة التي صدمتني وأنا طالب في السبعينات عندما نشرت جريدة” شارلي هبدو” (التي أعادت هذا الأسبوع نشر الرسوم ) كتابا كاملا لأحد أبرز رساميها هو ’’ كافانا’’ يقلد التوراة والإنجيل ويسخر فيه بأقذع الصور والكلمات من كل ما ورد فيه .
ثمة أيضا الجهل بأن الرسوم المعادية للإسلام أمر شائع ومنتشر في الغرب منذ المواجهة العسكرية الأولى بين الحضارتين. من يعرف منا مثلا أن اغلب النقوش على جدران الكاتدرائيات هي رسوم تسخر من الرسول الكريم وتصوره على شكل شيطان يعرف تحت اسم Baphomet والتلميح واضح بما فيه الكفاية.
ثمة أيضا جهل كل الذين طالبوا رئيس حكومة الدنمارك بالاعتذار لأنهم يتصورون أن الصحف في الدنمارك على شاكلة صحفنا وأنها تتلقى تعليماتها من وزارة الإعلام والدعاية، لا يتصورون أن هذه الصحف تسلخ جلد المسكين طول حكمه وانه لا سلطة له عليها مطلقا.
ماذا الآن عن سوء النية التي نجدها دوما وراء موقف” افعلوا ما أقول ولا تفعلون ما أفعل”.
نحن لا نسخر من موسى وعيسى لأن الإسلام يعتبرهما نبيان لا يجوز المساس بهما. لكن انظروا للرسوم التي تظهر منذ عقود في صحفنا عن اليهود وسترون أنها لا تقل عنصرية عن الرسوم التي رسمتها عنهم الصحف النازية والتي ترسم عنا أحيانا في الصحف العنصرية الغربية.
أليس من المخجل أن يرد رئيس دولة إسلامية مثل إيران على تصرف أحمق بتصرف لا يقل حمقا بالإعلان عن مسابقة رسوم بخصوص المحرقة وكأنه يمكن الضحك والإضحاك بموضوع كهذا. لقد بدأت ردود الفعل الرسمية على هذه الحماقة حيث احتج Wolfgang Schüssel الرئيس الحالي للإتحاد الأوروبي عليها والبقية ستأتي لمزيد من صب الزيت على النار. يتحدث الكثير عن صدام الحضارات لكن رشيد بن زين محق في قوله في مقال نشرته صحيفة libération أننا أمام صدام ’’غباءات ’’
اتساع الهوة بين الحضارتين
الخلل الثاني الذي تفضحه قضية الرسوم هو توسع الفجوة بين الحضارتين. هي في الواقع مؤشر على التدهور السريع بين العالم العربي والإسلامي والغرب والمنعطف فيه كارثة الحادي عشر من سبتمبر المشئومة.
المصيبة أن كل طرف يعتبر نفسه الضحية والآخر هو المعتدي.
من السهل نتصور لسان حال الطرف العربي والمسلم وهو يقول: لا يكفي أن عادوا للاحتلال العسكري المباشر على طريقة القرن التاسع عشر في العراق وأفغانستان …لا يكفي أنهم يمتصون خيراتنا….لا يكفي أنهم يدعمون الدكتاتوريات التي تقهرنا …. لا يكفي أنهم يتشدقون بالديمقراطية في العراق ويرفضون نتائجها عندما لا تروق لهم في فلسطين ….. .والآن ها هم يتهجمون على أقدس مقدساتنا.
لكنه ليس من السهل علينا تصور لسان حال الغربي وهو يقول: لا يكفي أنهم هاجمونا في عقر دارنا في نيويورك ومدريد ولندن ، لا يكفي أنهم طردونا من بلدانهم ولحقوا بنا في بلداننا، لا يكفي أنهم يضعون علينا كل أسباب إخفاقهم….والآن يريدون فرض قيمهم علينا ومنها الحد من الحريات التي اكتسبناها بالعرق والدم والدموع .
لا بد من تقدير عمق القطيعة التي تظهرها هذه المواقف ، لكن الأهم هو الانتباه لما تعبر عنه هذه الشكاوى والتهم المتبادلة من خلط وتعميم . ففي الغرب هناك خلط متواصل بين الإسلام والمسلمين والمتطرفين الدينيين . هو خلط لا يقل عشوائية وسذاجة وتعميما وجهلا عن الذي تمارسه شعوبنا ونخبنا التي يفترض منها إنارة السبيل لها وليس الانزلاق في أخطائها. إذا كان من مسئولية المثقفين والإعلاميين والسياسيين الغربيين النزيهين فضح الخلط ووضع الحدود والفوارق ، فكم من مثقف وإعلامي وسياسي عربي له الشجاعة هذه الأيام للتذكير بأن الغرب ثلاث ’’ غربات’’ لا يجوز مطلقا الخلط بينها : غرب الحضارة وغرب الدول سواء في أوروبا أو أمريكا وغرب المجتمعات المدنية ، و أنه من واجبنا ومن مصلحتنا الأخذ بأحسن ما في الحضارة ، ومن واجبنا ومن مصلحتنا التعامل بأقصى الحذر مع الدول ، ومن واجبنا ومن مصلحتنا تنمية التعاون والثقة مع المجتمعات المدنية.
الهشاشة والضعف العربي- الإسلامي
إنه الخلل الأخطر الذي فضحته قضية هذه الرسوم وهو يبدأ من اللغة. فالفعل المستعمل لوصفها هو الإساءة ،أي أننا اعترفنا بنجاح عملية أكرم ما توصف به هو محاولة أو نية التعريض بالرسول الكريم. بالله عليكم كيف يمكن الإساءة لشخص بمثل هذا الحجم؟ ومن قبل من وقعت الإساءة لكي تستأهل كل هذا الغضب ….البابا؟ الدالاي لاما؟ رئيس دولة الصين ؟….كلا, من جريدة مغمورة في بلد صغير. هل يعقل أن تكون ردود الفعل بمثل هذا الحجم على عملية بمثل هذه التفاهة؟ إنه السؤال الوحيد الذي يجب أن نردّ عليه . فإما أننا نؤمن بأن الإسلام ورسوله الأعظم قلعة شامخة تتحدى الزمان، وآنذاك ماذا يضيرنا أن تحطّ عليه لحظة ذبابة قذرة . وإما أننا نكذب على أنفسنا وثقتنا في هذا الذي ندعي الإيمان والتمسك به مهزوزة إلى درجة أن ذبذبة جناحي الحشرة القذرة كافية لإحداث زلزال فيه؟
للأسف يمكن القول أن ما تفضحه ردود الفعل الهستيرية من حرق سفارات وحمل نعش كتب عليه الدانمارك وهذه المسابقة التافهة بخصوص رسوم كاريكاتورية عن محرقة اليهود، ليس عمق الإيمان وإنما عمق حساسية مرضية تعبر عن انعدام الثقة في النفس والأمة.
لنتصور ردود فعل شعوب قوية واثقة من نفسها ومن قيمها ومن دينها: سطر في جريدة عربية يبتسم له القراء ؟ قضية مرفوعة أمام محكمة دانماركية من قبل الجالية المسلمة والبت فيها بهدوء ؟ لفت انتباه لطيف من قبل الأزهر أو أي سلطة روحية لمجلس الكنائس ومسارعة هذا الأخير للاعتذار؟ الثابت أن حساسية العرب والمسلمين المفرطة الناجمة عن مشاعر الإهانة والإذلال وعجرفة الطرف الغربي وجهله وسوء نيته قنابل موقوتة تتهددنا وتتهدد أجيال سترث عنا الكثير من المشاكل والقليل من الحلول.
هل ينفع العقار في ما أفسده الدهر؟
يوم 21 جويلية 2005 دعا شخص اسمه , Kaj Wilhelmsen من منبر إذاعة دانماركية إلى طرد المسلمين من أوروبا الغربية واستئصال ’’ المتطرفين’’ . من حسن الحظ أن محكمة كوبنهاجن أدانته في شهر فبراير 2006. إلا أنه لا يجب أن نغترّ فللعديد من الأطراف في الغرب والعالم العربي والإسلامي نية، وما تتصوره مصلحة ومشروعية، لصب الزيت على النار والدعوة لأجمل حرب ممكنة. إن أمثال الرجل المذكور، وإن كانوا قلة، أكثر مما تتحمله وضعية عالم تكدست فيه الشعوب على بعضها البعض وتشابكت مشاكلها بكيفية تستعصي على الفصل.
هناك أيضا المتطرفون عندنا . إنها قاعدة عامة انه لا أبعد من المتطرفين عن بعضهم البعض عندما يتعلق الأمر بما يسوّقون، ولا أكثر شبها ببعضهم البعض عندما يتعلق الأمر بكيفية التسويق …. الفكر على طرفي النقيض وطرق التفكير واحدة . يجب أن ننتظر منهم استغلال هذه الأزمة إلى ابعد حدود كما يجب أن ننتظر منهم أفعالا تزيد النار اشتعالا ، كل هذا لتغذية تطرّف أشباههم في الطرف الآخر، الذي سيوفر لهم كل الذرائع للتوغل بعيدا في تطرفهم هم ….مما …..الخ .
ثمة أيضا دور الدول في تفويض حريق يتصورون أنه يمكن التحكم في لهبه. أنظر للطريقة التي تعاملت بها أنظمة الفساد والقمع والتزييف التي تحكمنا مع الأزمة . إنها هي التي أوصلت الأمة لحالة الهشاشة والضعف التي تجعلها تهتزّ لأزيز ذبابة قذرة وها هي تنبري للدفاع عن صانع القيم التي تخرقها ليلا نهارا.
إن أعظم فكرة جاء بها الإسلام ،ويكاد يختص به وحده في مستوى الوضوح والجرأة والتبعات الهائلة، هي التي وردت في الآية القرآنية الكريمة’’ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا’’( المائدة 32) .
ليتساءل زعمائنا الأفاضل على ضوء هذه الآية التي تذكر الفساد وقتل النفس كم فسدوا وكم قتلوا من محمد تحت التعذيب وكم عذبوا من محمد وكم أهانوا من محمد وكم سرقوا من محمد وبالتالي كم عذبوا وسرقوا وأذلوا من إنسانية ….أو كم من مرة انتهكوا الإنسانية في كل محمد ساموه خسفا.
وهذا بالطبع كلام لا يعنيهم ولا يرقوا إليه لأن البقاء في السلطة ،بما هي الهاجس والمخدر الكبير، هو الهدف الأول والأخير، وإذا تطلب الأمر المزايدة على الإسلاميين في مثل هذه الفرصة الدسمة فلم لا…مهما كانت النتائج على الأمد البعيد المدى ؟
انظر أيضا كيف استغلوا الفرصة للتنكيل بالصحافيين والصحافة الحرة وهي أكره ما يكرهون وأخشى ما يخشون. الصحافيون عبد الحليم أكبر صبرا ، يحيا العابد، محمد السعدي ، كمال علوفي في اليمن ، جهاد مومني وهشام الخالدي في الأردن، كمال بوسعد وبركان بودربالة في الجزائر، بعض من الذين سيتشفى فيهم النظام العربي الفاسد يدفّعهم تحت ستار الأزمة ما تخلد بذمة الصحافة الحرة ويبعث لها برسالة مضمونة الوصول حول ضيق الهامش ومناعة الحدود وغلظة الحارس .
أخيرا وليس آخرا، ثمة مصالح الدول الغربية التي ننسى أنها مؤسسات تعمل في ظل البحث عن المصلحة العاجلة وأن الغباء في تسييرها ليس بالندرة التي يحاول أصحابها إخفاؤه عنا . وهذه الأطراف لا تكف هي أيضا عن صب الزيت على النار التي أوقدتها بسياستها تجاه عالمنا العربي الإسلامي ، تخلق كل أسباب ومبررات الإرهاب وتسارع للصراخ منه.
* السؤال بعد هذا التشخيص هل ما زال هناك مكان للأمل في وقف الانجراف . صحيح انه لا حق لنا في تفاؤل ساذج أو تنقيص من خطورة أزمة تضرب كل أحد في الصميم . لكنه يجب ألا ننسى يوما أن هذا العالم محكوم على الدوام بفعل قوتين لهما نفس الإصرار : قوة الحياة و الخلق وقوة الموت والدمار، وهي الثنائية التي جسدها البشر حسب الزمان والمكان في كيان الشيطان وكيان الملاك أو في مفاهيم نظرية وأخلاقية مثل الخير والشرّ ، أو الظلام والنور.
الثابت اليوم أن قوى الدمار تجد في الجهل وسوء النية وسوء الظن والتطرف والسياسوية والغباء المنثور بسخاء على حافتي الهاوية، ما يغذي مشروعها الرهيب. لكن لقوى الخلق والحياة أدواتها هي الأخرى.
لا يجب أن ننسى أن من خرجوا لحرق السفارات – أحيانا بتساهل إن لم يكن بإيعاز – لا يتجاوزون الآلاف في أحسن الحالات وأن المليار مسلم حافظ على رصانته . لا يجب أن نستهين بالحكم الذي صدر في الدنمارك ضد دعاة العنصرية . لا يجب أن نرفض اعتذار الرجل النرويجي الذي رفع عاليا أمام كاميرات تلفزيونات العالم و تحت رسم شارة السلام كلمة Sorry . اسمحوا لي باسمكم جميعا، وكواحد ممن شعروا بوجود محاولة ونية إهانة ، قبولها وشكره. باسمكم أيضا اسمحوا لي أن أعبر له عن أسفنا جميعا لسيل السب والشتم لشعوب بأكملها صدرت من أفواه عربية غير مسئولة وغير ممثلة .
كذلك لا يجب أن نتهاون في تقدير قيمة العديد من المبادرات الغربية والعربية لتهدئة الوضع.
كل هذا يمنعنا من الإغراق في التشاؤم، لكن لا يجب أن يغيب عنا لحظة أن مهمة رمي الجسور فوق الهوة المتزايدة الاتساع والعمق مرمية على كاهل أقلية من العقلاء وأصحاب النوايا الطبيبة على ضفتي المتوسط والأطلسي ….وأنها ستكون بالغة الصعوبة .
كل ما نأمل ألا يمحو هذا ’’ التسونامي’’ جهودا متواضعة ومستمرة لتغليب منطق السلم على منطق المواجهة ….. وألا نضطر يوما للبناء فوق ركام الخراب . ***