المشروع الديمقراطي العربي بين بوش وأوباما
الجمعة 3 تموز (يوليو) 2009
الديمقراطية بالنسبة للديمقراطيين العرب أكثر من نظام سياسي يغلّب المصلحة العامة على حقوق البعض في التسلط والمال العام وتوريث الشعوب كما لو كانت قطعانا من البقر.هي قضية يتوقف عليها مصير العرب لسببين
1- لأنها مفتاح المسالة الوطنية والاستبداد ،خلافا للصين لم يؤدإلى التنمية والمكانة إذ هو عندنا احتلال داخلي لعائلات إقطاعية أوعصابات حق عام نهبت خيراتنا وأذلت شعوبنا دون أيّ من”إيجابيات” الاستبداد.
2- لأنها مفتاح المسألة القومية وهي الأمل الباقي لتوحيد أمة موحدة ثقافيا وممنوعة من التوحد السياسي بطبيعة الدكتاتوريات التي لا تتحد بينها أبدا. هي الطريق الوحيد لتأسيس اتحاد عربي لا يتصوّر إلا بين دول ديمقراطية على غرار الاتحاد الأوروبي. دون هذا الهيكل القادر على إعطاء العرب مكانتهم تجاه الغرب وإيران وتركيا وإسرائيل سيبقون كاليتامى في مأدبة اللئام .
نفهم لماذا تشكّل لنا الدمقرطة رهانا أخطر بكثير من الذي يمكن أن تلعبه عند شعوب أخرى. لنذكّر أننا لا نعني بالديمقراطيين فرقة خاصة من الليبراليين العرب، فهؤلاء سقطوا نهائيا بتبنيهم سياسة بوش في العراق واعتناقهم ايدولوجيا قادت وتقود البشرية للهلاك.المقصود كل مناضلي المجتمع المدني، ومن السياسيين كل الوطنيين والقوميين واليساريين والإسلاميين الذين فهموا أن فشلهم ليس لعيب في الأهداف وإنما لخساسة ولافعالية فكر وممارسة الاستبداد.
طبيعي أن يصنفوا كأصدقاء كل من لا يتعرضون للدمقرطة العربية ، وكأعداء كل الذين يدعمون الدكتاتوريات.
بديهي كذلك أن يقرءوا بانتباه كبير من خطاب أوباما في القاهرة المقطع الذي خصصه للديمقراطية، لا لشيء إلا للكارثة التي كاد سلفه يلحقه بمشروعهم المصيري.
فهذا الأخير ووزرائه ، خاصة بعد أحداث 11سبتمبر المشؤومة، لم يكفوا عن الجهر بأن استشراء الفساد والقمع وغياب الحريات في البلدان العربية والإسلامية عوامل مغذية للعنف وأن أمريكا ستسعى لنشر الديمقراطية بما هي الحل الجذري لاجتثاث دوافعه.
برافو وهل قلنا شيئا آخر طيلة الثلاثة عقود الأخيرة التي كانت الإدارة الأمريكية تقف دوما بجانب أفسد دكتاتورياتنا ؟
المشكلة أن بوش ، كان مثل الطبيب الردئ الذي قيل فيه طبّها فعماها. لم يمض وقت طويل ليتضح ما في هذا الخطاب من تبعات كارثية على الشعب العراقي وما فيه من جهل فاضح بوجود حركة ديمقراطية عربية منذ السبعينات ، من وقاحة وخاصة من نفاق بعد مسح كل الدين عن النظام الليبي حال دخوله باب الطاعة ، ناهيك عن الدعم المتواصل لكل الأنظمة الاستبدادية العربية طالما تأتمر بالأوامر. كل هذا جعل كلمة الديمقراطية نفسها ممجوجة ومشبوهة وحتى مكروهة من رجل الشارع.
معنى هذا أن بوش كان صديقا كاذبا بل وخطيرا.هل أوباما صديق صادق وهل سيؤدي تهافت المتهافتين على السفارات الأمريكية لدفع الدمقرطة العربية قدما؟ للردّ على مثل هذا السؤال لا خيار غير الانطلاق من خطابه الشهير من عاصمة أكبر دولة استبدادية عربية.
هذا الخطاب كان موجها لأطراف عدة حول مواضيع عدة وكل جزء داخل هذا الطرف أو ذاك تميّز بمواقف تنخرط كلها إما في رؤية نصف الكأس فارغا أو رؤيته ملآنا.
ما يهمنا بالطبع الموقف المصرح به من قضيتنا المركزية . الملاحظة الأولى شكلية وتتعلق بأن الديمقراطية كانت محورا من بين ستة محاور أخرى من خطابه (التطرف العنيف، الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي.،الأسلحة النووية، الحرية الدينية، حقوق المرأة، التنمية الاقتصادية)
تتضح لامركزية الموضوع أيضا إذا قمنا بعملية حساب بسيطة فالخطاب ( الترجمة العربية) يتكوّن من 5330 كلمة ، وعدد الكلمات المخصصة لموضوعنا هو 351 كلمة أي أقلّ من 7%.
أما الفحوى فيتلخص في فكرتين أساسيتين نراهما بوضوح في قوله:
“إن نظام الحكم الذي يسمع صوت الشعب ويحترم حكم القانون وحقوق جميع البشر هو النظام الذي أؤمن به”….و”إن هذه الأفكار ليست أفكارا أميركية فحسب، بل هي حقوق إنسانية، لذلك الحقوق التي سندعمها في كل مكان”
“اسمحوا لي أن أتحدث بوضوح وأقول ما يلي: لا يمكن لأية دولة ولا ينبغي لأية دولة أن تفرض نظاما للحكم على أية دولة أخرى”
الحاضر في النص إذن عموميات تعبّر عن تعلق الرجل بأفكار الديمقراطية وقيمها وهو أقل ما ينتظر من رئيس أقوى دولة ديمقراطية…ثم التأكيد على نية عدم التدّخل في شؤون الدول الاستبدادية. كلام نزل بردا وسلاما على كل طغاتنا.
الغائب في النصّ
إدانة واضحة لأنظمة تبذر كل أسباب العنف التي ستحصدها شعوب بريئة منها الشعوب الغربية.
دعوة واضحة لها لتعديل ساعتها على ساعة العصر.
التزام واضح لدعم قوى المجتمع المدني التي تعمل بصفة سلمية على تطويرها.
غاب كل هذا الكلام الذي كان البعض ينتظرونه بفارغ الصبر…. ومن حسن الحظ.
نعم من حسن حظنا أن أوباما لم يضرب على الطاولة ولم يبسط علينا حمايته العزيزة. لماذا يجب شكر الرجل على حذره الشديد ؟ ببساطة لأنه فوّت على الأغبياء والخبثاء من الوطنيين والقوميين والإسلاميين والاشتراكيين فرصة الصياح ضدّ الديمقراطية . إن أكبر عقبة تتعرّض اليوم لانتشار أسرع للخيار الديمقراطي قناعة الكثيرين من العرب بأن خلاصنا في الإسلام السياسي، أما الديمقراطية فخاصية ثقافية غربية يسوّقها الغرب لمصالحه ويحاول فرضها علينا بشتى الوسائل ، إن عبر الضغط على الحكومات وإن عبر نخب منبتّة.
المضحك المبكي في الأمر أن هذه الأفكار الرائجة تعكس فهما معكوسا لكل الحقائق ومنها .
أن العلاقة العضوية بين الغرب والديمقراطية أسطورة يريد بيعنا إياها بعد أن أوهم نفسه بصحتها.
أن جزءا هاما من الغرب حارب طوال القرن التاسع عشر والعشرين الديمقراطية وأعطى للعالم أفظع دكتاتوريات التاريخ.
أن جيوب الاستبداد في الغرب لم تختف وإنما تراجعت وراء الستار إلى دنيا المال والمخابرات والأحزاب اليمينية وكلها تنتظر ساعتها.
أن النظم الغربية الحالية في تعاملها معنا واقعة في ورطة حيث تملي عليها مبادئها دعم الديمقراطية وتملي عليها مصالحها دعم الاستبداد. القاعدة التي حاول بوش خرقها ثم عاد للالتزام بها سريعا ، والتي لم ولن يخرج عنها أوباما ، هي تغليب المصالح على المبادئ.
أنه لا بوش كان قادرا على إيقاف الدمقرطة العربية رغم فداحة الكارثة العراقية ولا أوباما قادر على الإسراع بها لو نوى، فما يتحكم في العملية قوى من نوع القوى الجيولوجية التي تحرّك ببطء ألواح الأرض الحاملة للمحيطات والقارات إنها التغييرات الاجتماعية والطفرة التكنولوجية والعدوى الخارجية، خاصة وأساسا قرفنا من أنظمة الفساد والتزييف والقمع والتعطش المحموم للبديل المعاكس.
كانت القاعدة وستبقى أن الأنظمة السياسية تموت في العقول والقلوب سنوات وعقود قبل موتها في الواقع وأن البدائل تنضج طويلا في العقول والقلوب قبل أن تتمكن من سدّة الحكم. كون المساكين الذين يحكموننا يجهلون ويتجاهلون هذا القانون لن يمنع تحرّك ” الألواح الاجتماعية” إلى أن ينفجر البركان الذي يرقصون عليه.
السؤال هل سنسرع نحن بتحريك الألواح الحاملة لمجتمعاتنا ودولنا الديمقراطية التي يعدنا بها المستقبل ؟ نعم يوم يستبطن كل العرب من الوطنيين والقوميين والإسلاميين والاشتراكيين أن الديمقراطية ليست خاصية ثقافية للغرب توهب أو تفرض وإنما تقنيات متطورة في قيادة الشعوب يجب أن نستولي عليها ونطعّمها ونطوّرها ليعود دفق الماء الزلال في المستنقعات النتنة وتتمكن الشعوب والأمة من جديد من مقاليد مصيرها.