في جريدة القدس العربي
المرزوقي ثانيا على قائمة أهم مفكري العالم
الاحد 2 كانون الأول (ديسمبر) 2012
المرزوقي ثانيا على قائمة أهم مفكري العالم
مالك التريكي
2012-11-30
لم أشارك العام الماضي في الاقتراع على جائزة شخصية المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (تشاتهام هاوس) التي آلت إلى الناشطة الحقوقية البورمية أونغ سان سوكي. ولكني كنت من المقترعين في العامين السابقين، حيث منحت صوتي لرئيس البرازيل السابق لولا داسيلفا عام 2009 ولرئيس تركيا عبد الله غول عام 2010. فإذا بالأغلبية تصوت على النحو ذاته وتمنحهما الجائزة في المرتين. وأعترف أيضا -رغم أن هذا سيجعلني عرضة لانتقادات بعض الأصدقاء- أني كنت من المصوتين هذا العام لصالح المرشحين الفائزين: أي رئيس الجمهورية التونسية محمد المنصف المرزوقي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.
طبعا لم يكن لدي علم مسبق، في أي من عمليات الاقتراع هذه، أن الجائزة ستكون من نصيب من أصوت لصالحهم. ولكني كنت مقتنعا، في الحالات الثلاث، أنهم كانوا أجدر بالفوز من بقية المرشحين.
وقد تم الاقتراع على جائزة هذا العام في آذار (مارس) الماضي، أي قبل أن تقع كثير من الأحداث التي بينت افتقار الائتلاف الحكومي في تونس إلى الكفاءة في تصريف شؤون الحكم وإلى علو الهمة في السهر على مصالح المواطنين، وقبل أن ينتهي بؤس المشهد السياسي وانسداد الأفق الاقتصادي ببث اليأس في أنفس كثير من التونسيين. ومع ذلك فإن أغلبية أعضاء تشاتهام هاوس قد كانت محقة في اختيارها. ذلك أن موضوع التصويت لصالح المرزوقي والغنوشي لا يتعلق بالأداء الحكومي بل بالمبدأ السياسي. أي أن المعهد إنما صوت تشجيعا وتأييدا لتجربة غير مسبوقة في بلاد العرب: تجربة التوافق الديمقراطي في الحكم بين الإسلاميين والعلمانيين. تجربة التأليف البراغماتي بين المتباعدات، حتى لا نقول المتناقضات، الإيديولوجية.
ولا مراء أن تجربة الائتلاف الحكومي الحالي في تونس غير ناجحة بالمرة، وأن المسؤولية تقع أساسا على حزب النهضة. إلا أنه لا ينبغي إصدار حكم نهائي انطلاقا من تجربة وحيدة. فالأمل لا يمكن أن ينقطع في بروز تجارب أخرى أنضج وأنجح. ذلك أن الثورات الشعبية قد أفرزت حقيقة جلية: أن مبدأ التوافق هو قيمة بقدر ما هو ضرورة. أي أن مستقبل بلداننا سوف يبقى، في المدى المنظور، رهن مدى قدرة الإسلاميين والعلمانيين على التعايش وعلى إدارة ما بينهم من الخلاف. أما إذا فشل هذان التياران الواسعان في تغليب المصلحة الوطنية على الأنانيات الحزبية، فقد يكون بلاء عظيما. بل قد تكون حروبا مهلكة. حروب فعلية تتخلل الحرب الأهلية الباردة التي بدأت منذ مدة والتي يبدو، من شدة التنابذ والشقاق، كما لو أننا صرنا مقيمين فيها على الدوام.
ما أراده تشاتهام هاوس من تكريم المرزوقي والغنوشي معا هو الإشادة بما توصلا إليه ’أثناء فترة الانتقال الديمقراطي من حلول وسط ناجحة’ جعلتهما يصبحان بمثابة ’وجهين لعملة واحدة’.
وإذا كان تكريم المرزوقي يتعلق تحديدا بما أبداه من ’قدرة’ سياسية على تجاوز تموقعات الإيديولوجيا بلوغا إلى التوفيق والتوليف، فإن لتكريم الغنوشي خلفية ثقافية أوسع تتعلق بارتباط اسمه، لدى العارفين من الأنغلوساكسون، بنظرية الانسجام بين الإسلام والديمقراطية في دولة مدنية حافظة للحريات العامة.
على أن مجلة ’فورن بولسي’ قد خصت المرزوقي بأبلغ تكريم حين منحته المرتبة الثانية في القائمة التي تصدرها، في مثل هذا الشهر من كل عام، لأهم مائة مفكر عالمي. حيث نوهت المجلة الأمريكية النافذة بما تحلى به المرزوقي من ’حكمة وبعد نظر’ منذ تولى الرئاسة.
وقالت إن هذا الطبيب المناضل في مجال حقوق الإنسان قد أهاب بالأمم المتحدة، في خطابه أمام الجمعية العامة، أن تعلن الاستبداد ’مرضا’ يجدر بالإنسانية القضاء عليه بمثلما قضت على شلل الأطفال والجدري، وأن تشن حملة ضد الطغاة تشمل إنشاء محكمة للبت في نزاهة الانتخابات وشرعية الحكومات بحيث تتم الحيلولة دون تمكن أي طاغية من الاستيلاء على الحكم. وختمت فورن بولسي نبذتها عن المرزوقي بإصدار حكم أرادت أن تتوخى فيه الإنصاف فإذا بها تبلغ حد الإطراء، حيث قالت: ’إذا كان هنالك من يستطيع أن يهدي تونس سبيل الانتقال الديمقراطي -مع أمل أن يقدم نموذجا جديرا بالاقتداء في هذه المنطقة المضطربة- فهو المرزوقي. ذلك أنه قد يكون لدى الرجل من القدرة على الجمع بين صلابة العزم وحصافة الرأي ما هو كفيل بالوصول بالبلاد إلى غاية الدرب’