الصباح العراقية
الاعتذار قوة
الخميس 29 آذار (مارس) 2012
عرض مباشر : الرابط
محمد عبد الجبار الشبوط
عندي ان الرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي قد يكون اقوى شخصية سياسية عرفناها في العالم العربي على حد ما يتذكر احدنا في حياته الشخصية. لا يستمد الرجل قوته من كونه رئيسا منتخبا معبرا عن ارادة شعبه فقط، بل من كونه شجاعا، ايضا. وقد عرفت شجاعته حين شاهدت المقابلة الشيقة التي اجرتها معه مراسلتنا في تونس انتصار الشيلي. ففي بداية المقابلة، وبدون ان يطلب منه احد ذلك، تطوع المرزوقي بتقديم اعتذار الى الشعب العراقي عما ارتكبه بعض التونسيين، المخدوعين ببعض الطروحات الظلامية المتخلفة، من جرائم ارهابية بحق العراقيين. وكان الرئيس التونسي يشير بذلك الى الاعمال الارهابية التي قام بها بعض الشباب التونسيين الارهابيين وبخاصة تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء الذي اشعل فتيل الفتنة الطائفية او الحرب الاهلية في العراق.
هؤلاء الارهابيون لا يمثلون الشعب التونسي ولا الدولة التونسية بطبيعة الحال. مع ذلك، شاء الرئيس التونسي ان يتولى زمام المبادرة ويقدم اعتذارا الى الشعب العراقي عما قام به بعض مواطنيه، وليس حكومته او دولته، وهو يعلم فداحة الجريمة التي ارتكبها هؤلاء وحجم الضرر الكبير الذي ألحقوه بالشعب العراقي.
لا بد ان الرئيس التونسي كان يرى ان من شأن تقديم مثل هذا الاعتذار ان “يجبر خاطر” العراقيين الذين تضرروا كثيرا، ويخفف عنهم الم ذكرى ما ارتكبه الشباب التونسيون الذين يعتذر عن افعالهم بحق الشعب العراقي.
ولا بد ان الرئيس التونسي لا يرى في الاعتذار مهانة له او انتقاصا من شخصيته، بل ربما يرى ان الاعتذار عنوان الثقة بالنفس ودليل الشجاعة الفائقة والقدرة على اتخاذ الخطوة الاصعب في تجاوز الماضي وسلبياته وذكرياته المرة.
اقتحم الرئيس التونسي بقوة بالغة جدار الصمت الذي يحول بين العرب وبين “ثقافة الاعتذار” التي لم يتعودوها من قبل، وهي ثقافة نحن بامس الحاجة اليها، من اجل المسح على الجراح، وتطييب النفوس. يصعب على الكثيرين ان يقول :”آسف”، لكن “المنصف” شاء ان يقدم لنا درسا يقول بعبارات موجزة ان “آسف” هذه سهلة يمكن ان يقولها من يتحلى بثقافة الاعتذار من جهة، ومن يتحلى بالشجاعة ايضا، من جهة ثانية.
يحصل الكثير من الاحداث المرة بين الدول والافراد والمجتمعات، ويستطيع الجميع ان يواصل السير على طريق الاصرار عما ارتكبه ولن يغير هذا من موقفه حتى يدرك بالملموس ان هذا الطريق لا يوصل الى شيء، وعند ذاك قد يفكر بالعودة، لكن ربما بعد فوات الاوان.
الشجاع منا من يعتذر قبل فوات الاوان. والمنصف المرزوقي سارع الى الاعتذار وهو في اول الطريق، لانه لايريد ان ينفق شعبان الكثير من وقتهما قبل ان يدركا ان ذاك الوقت كان ضائعا وبلا طائل.
تصفح