بعد هزيمتي في انتخابات 2014 تذكرت أنني لما أنتخبت سنة 2011 دخلت القصر ولا ملفّ واحد فوق مكتبي عن التزامات تونس الخارجية وكبرى البرامج وكأنه ليس هناك مبدأ تواصل الدولة.
قلت لا أحتجّ على المنكر وآتي بمثله. الوطن أكبر من كبريائي فطلبت موعد مع الباجي قائد السبسي لأضعه في الصورة مباشرة بخصوص الاتفاق الذي تمّ في طوكيو عند حضوري القمة اليابانية الافريقية سنة 2013 لتحلية ماء البحر وجهر وادي مجرة وعن لقاءات متكررة على الغداء مع سفيرة الهند بخصوص التعاون في مجال البذور وأيضا عن نتائج معهد الأبحاث الاستراتيجية للرئاسة حول الماء التي طلبتها حال دخولي قرطاج، ثم لنصحه بإحداث وزارة البحر (ناهيك عن تسليمه مشروع تونس للأمم المتحدة لخلق المحكمة الدستورية الدولية)
رفض الرجل الذي استقبلته ثلاث مرات ابان رئاستي استقبالي.
سنة 2019 بعد الهزيمة الثانية قلت الوطن أكبر من كبريائي. فتوجهت بخطاب (تجدونه على الانترنت) لأتمنى النجاح للرئيس الجديد وأنبهه أن أولى الأولويات الماء، البذور، البحر، الطاقة وألا فان تونس قد تصبح غير قابلة للسكن في ظرف عقدين من الزمن.
تصورت أن الرجل ” النظيف والوطني” والذي سماه البعض المرزوقي الذي نجح، سيدعوني أو حتى أنه سيدق باب بيتي كما فعلت أياما بعد القسم عندما ذهبت لزيارة أحمد المستيري لأشكره على ما قدم للديمقراطية ولطلب نصائحه.
تعرفون جوابه والأربع سنوات سجن بتهمة الخيانة… أي والله الخيانة.
هو أيضا ككل رؤساء العرب يؤمن بأن الدولة والتاريخ يبدآن معه وكل ما قبله لا يسوى قلامة ظفر.
مرض الحكام البدائيين من قديم الزمان.
هل يجب أن ألوم نفسي لأنني راهنت دوما على أحسن ما في البشر أم يجب القاء اللوم على شخصين بداهة كانت الجبة عليهما أكبر من الجرم.
هكذا توقفت كل المشاريع التي كان بوسعها أن توفر على تونس ضياع عشر سنوات بل وأن تنشط اقتصادها لأنه لا فكرة لديكم عن الموارد الجاهزة في العالم لتمويل مشاريع بيئية مفيدة …
كل هذا بسبب حقد الثورة المضادة على الثورة بصفة عامة وعلى شخصي بصفة خاصة
والذين تسببوا في هذه الكارثة عن جهل وقلة وعي ومسؤولية لا يفهمون أنهم سبب الكارثة التي تتهدد أطفالهم وأحفادهم وربما هم شخصيا إذا أطال الله في عمرهم.
والآن لمن أتوجه لمواصلة إطلاق صراخ التنبيه؟
لهذا ” الرئيس’‘؟ الذي يذكرني بقبطان باخرة منعزل في غرفته لتدبيج الأوامر والنواهي حول النظام الداخلي
وتوجيهاته لاكتشاف المخربين المترصدين في الغرف المظلمة العازمين على اغتياله …بينما الباخرة بصدد الغرق.
للحكومات المتتالية؟ التي لا تدوم إلا بمعدل سنة ونصف والغارقة في الهموم اليومية وآخر ما يهمها مصير تونس بعد خمس سنوات فما بالك بعد خمسين سنة.
للطبقة السياسية؟ حبيسة سردياتها وحساباتها الصغيرة وصراعها حول توزيع الكراسي في غرفة طعام الباخرة التي يتسلل لها الماء من كل الثقوب بسرعة متصاعدة.
أملي الوحيد -وربما وهمي الأخير-في شعب المواطنين الذي يركب هذه الباخرة لا لشيء إلا للحفاظ على وطن له ولأطفاله.
كيف؟
الانطلاق من مبدأين
أننا لا نستطيع شيئا لإيقاف التحول المناخي (أسبابه وامكانيات علاجه بأيدي غيرنا من الدول العظمى والشركات العملاقة والمجتمعات المدنية القوية)
لكننا نستطيع كل شيء …. لتخفيف أضراره … للتأقلم معه وحتى لاستعمال بعض أضراره لصالحنا مثلا في ميدان توليد الطاقة الشمسية وتصديرها والحرارة المرتفعة آخر شيء يعوزنا)
بعد التشبع بهذا ما الذي يجب علينا لتوفير الحدّ الأدنى من حظوظ العيش الكريم لهذا الجيل وخاصة للأجيال المقبلة؟
1- تنادي أهل الاختصاص من باحثين جامعيين ومهندسين وتقنيين واداريين واقتصاديين واعلاميين ومسؤولين بلديين) في الميادين الآتية (الماء، البذور والأمن الغذائي، التشجير ومقاومة التصحّر، الطاقات المتجددة، شؤون البحر وسبل وقاية مدننا الساحلية من ارتفاعه الحتمي) وذلك لتأسيس شبكات مواطنية: مواطنون من أجل الماء …من أجل البذور الخ (على غرار مواطنون ضد الانقلاب) وبناء خلايا في كل أرجاء تونس.
2- الأهداف ثلاثة:
الهدف الأول: جمع كل المعطيات عن الموارد البشرية التي تعمل في ظل التجاهل عن هذه الملفات
(المجموعات الشبابية للتشجير هنا وهناك نموذجا) وهي والحمد لله كثيرة، منها التي في الوطن والكثير في المهجر وكلها لن تتردد في هبة لإنقاذ الوطن.
الثاني: تقييم الوضع الحالي وسرعة تقدم الكارثة وانتهاج سياسة إعلامية لوضع الشعب المخدر في الصورة وشحذ همته للمقاومة المصيرية.
الثالث: بلورة استراتيجيا للخمس وللعشر وللخمسين سنة المقبلة متعلقة بالميادين المذكورة-منها نقل العاصمة إلى الداخل والمرتفعات-وذلك عبر حوار وطني حقيقي في كل المستويات إما لضغط متواصل على الأحزاب السياسية او الدولة. إذا عادت الثورة ستكون أولى أولويات دولة القانون والمؤسسات تنفيذ هذه الخطط بالتشريع لها في برلمان حقيقي له سلطة المراقبة وبالتنفيذ على الأرض بحكومات تلتزم بمتابعتها مهما كانت توجهاتها السياسية.
فكرت أن أبادر بالأمر لكن معرفتي بالخمج الذي في العقول والحقد الذي في القلوب أقنعني أن كل خصومي سيكونون كذلك الغبي في المثل الصيني الذي تريه القمر فلا يسلط بصره إلا على صبعك. كذلك الأمر لو تكفل بالمبادرة أي شخص أو أي حزب أو حتى الدولة ستجد الصد والشك والتخريب حتى وإنه ليس من الخطأ توجه البعض دوما للاستعمال لا للعمل.
لا خيار إذن غير مبادرات مواطنية مستقلة مترفعة عن كل استعمال لمصلحة آنية.
السؤال ما الذي سيقع إذا تواصل عدم الاستقرار السياسي وتتابع الحكومات العاجزة ورفض من أسميهم المواطنون الميدانيون تحمل مسؤولياتهم أو إذا كان عددهم غير كاف لتحريك كل هذا الجبل من واللاوعي؟
الردّ: تونس ستنتهي سبخة يحيط بها بحر التهم نصف مدنها الساحلية وصحراء على مشارف مرناق وعلى سطحها عصابات مشردين يتقاتلون على لقمة عيش وكاس ماء؟
كل ما أرجو من عميق القلب أن أكون مخطئا ألف في المائة وأن أحفادنا سيضحكون كثيرا من هذا النص (يا ويل سمعتي عندهم)
ما أنا متأكد منه ألف في المائة أنه لم يعد أمامنا الكثير من الوقت والحريق الذي يلتهم الغابة العجفاء يزداد قربا وضراوة سنة بعد سنة.
إما اعلان حالة النفير الفكري والسياسي والمجتمعي العام وإلا فإن ما جربتموه سنة 2022 من التزاحم على الحليب والغاز والقهوة مجرد ” مفتحات” أما الطبق الرئيسي فسيقدم لكم ابتداء من 2030. (أتوجه هنا للطبقة الوسطى أما الفقيرة فمآلها على الأمد المتوسط أن يأكل البحر نصفها وأن يقضي الوباء والجوع على النصف الآخر)
يومها قد تتذكروني حين لن تنفع الذكرى.
ملاحظة:
كما قال نزار القباني: لم يبقى عندي ما أقول / تعب الكلام من الكلام.
لذلك سألتزم الصمت المريح لأعصابي واعصاب خصومي
بخصوص مشاكلهم وصراعاتهم حول الانتخابات والزعامات والتوافقات والصفقات والامتيازات وباقي المشاكل التافهة.
هي لا تعنيني في شيء حيث قررت أن اسخر بقية عمري لنشر الأفكار والقيم التي قد تساهم ولو في شيء قليل في انقاذ هذا الشعب من نفسه وقد تساعد ولو في شيء أقلّ على أن يكون العرب من صناع التاريخ مجددا لا من ضحاياه إلى الأبد.
هم يذكروني بركاب سفينة التيتانيك يتراقصون ويتخاصمون والماء الى الركبتين وجبل الجليد الذي ارتطموا به يواصل بثبات مرعب تمزيق أجزاء السفينة: يدبروا رؤوسهم
بخصوص رؤوسكم أنتم: حذّركم الآباء والأجداد من كل الذين ”يتعلمون الحجامة في رؤوس اليتامى.”
الخيار لكم: أن تسلموا رؤوسكم لموسى حجامة من لم يتعلمها يوما.
أو أن تستعملوها لإنقاذ ما لا زال هناك مجال لإنقاذه: أرض قابلة للعيش الكريم لكم، لأطفالكم ولأحفادكم….لا أكثر من هذا ولا أقلّ
اللهم إني قد بلّغت.