ثمة بالطبع الأماني المعتادة والتي نحن بأمس الحاجة للتعلق بتحقيقها وكلها مرتبطة بصفة أو بأخرى بانتهاء المآسي التي نعيشها اليوم على صعيد الشعب والأمة.
اسمحوا لي بالقطع مع هذه التمنيات الكلاسيكية – على أهميتها-لأتمنى لكم تونسيون وعرب ما أراها أهم وأجمل أمنية: نهاية متلازمة فقدان الاحترام الحادة التي أصبحت السمة شبه الطبيعية في حياتنا اليومية وفي علاقاتنا ببعضنا البعض.
انظر فقدان احترام لغة الرسول الأعظم، لغة المتنبي وابن منظور والشابي وكيف أصبح الناس يكتبون في صفحات التخاصم الاجتماعي وكيف أن عتاة المثقفين أنفسهم لم يعودوا يخجلون من الكتابة بهريسة وعجينة ومسخ لغة وقارن بين احترام الصينيين والكوريين واليابانيين للغتهم ولا أتحدث عن الفرنسين والانجليز والألمان.
انظر فقدان احترام مقدساتنا ومعتقداتنا، سحبنا القيم لم نحتفظ منها إلا بالطقوس.
انظر فقدان احترام المنقلب لقسمه الدستوري ومنتخبيه (وأنا منهم) وكيف لا يتكلم في أي مناسبة إلا لسب وشتم وتخوين وتحقير كل من يخالفه الرأي.
انظر فقدان احترام الشعب للمنقلب وهو اليوم مضغة كل الأفواه سخرية وازدراء وتندرا.
انظر عمق انهيار احترامنا للنظام، للدولة، للإدارة، للإعلام …وكيف أنهم هم أيضا لا يحترموننا في شيء.
اقرأ ما يكتبه الناس عن المخالف والمختلف في صفحات التخاصم الاجتماعي لتقدر انهيار احترام عضنا البعض.
انظر تعاملنا مع الذين لا نعرف والشعار ”احقروا قبل ما يحقرك ‘‘.
لستَ بحاجة لأن تكون محللا نفسيا واجتماعيا بارعا لتدرك ما الموجود وراء النرجسية العامة المنتشرة عند أغلب الناس وأنها ليست إلا تعويضا سحريا عن فقدان احترام الانسان التونسي والعربي لنفسه وهو يغرق يوما بعد يوما في مآسي لا يقدر عليها شيئا.
ومن ثمة أمنيتي أن تنتهي متلازمة عدم الاحترام الحادة أو بالأحرى أن يبدأ ويتسارع انحسارها في أقرب وقت.
كل هذا الاحتقار الذي نعاني منه ونظلم به الآخرين ليس إلا غضبنا من أنفسنا ومن الآخرين لأننا لم نحقق إلى الآن الأحلام التي وعدتنا بها الحياة، لكن ابشروا، كل هذا إلى زوال طال الزمان أو قصر.
سيكون لكم يوما رئيسا ودولة وإدارة واعلاما وطبقة سياسية ومجتمعا يحترمكم وتحترمونه لا خوفا أو كذبا وانما تلقائيا وبصدق.
سيعود احترامكم لأنفسكم بلا تصنع وللآخرين دون اكراه.
سيتكون تدريجيا احترام حقيقي لشعبكم وأمتكم وقد عدنا من صناع التاريخ لا من ضحاياه.
تقول كيف والمرض عميق ومستشري في كل القطاعات وأسبابه الموضوعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية عميقة تبدو يوما بعد يوم مستعصية على كل حلّ؟
أقول ليس من قبيل الصدفة أن سميت ثورتنا ثورة الكرامة.
هي النقيض المطلق للاحتقار الذي عشنا في ظله طوال حكم الذين كانوا يتبجحون بأنهم ازالوا عنا القمل نحن غبار الافراد الذين أصبحنا بفضلهم شعبا.
منذ تلك الفترة ومسيرة انتقالنا من شعب رعايا الى شعب مواطنين ومن دولة فرد وعصابة الى دولة قانون ومؤسسات لم تتوقف متواصلة طيلة نصف قرن بكل ما نعرف ونجهل من تضحيات جسام،
ثم تعثرت مسيرتنا هذه ابان اجهاض الثورة،
لكنها ستعود مجددا بحيوية أقوى وقد نهضنا من العثرة،
وعما قريب…سنستأنف بناء المؤسسات وإعطاء القدوة وإشاعة القيم وتبجيل بعضنا البعض ليأتي يوم المفاخرة بوطننا وشعبنا وأمتنا.
لتسريع المسار العودة الى الحكمة الربانية ”إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”
بجعل الاحترام قيمة القيم والاحتقار الرذيلة الكبرى التي لا تغتفر سنغير الكثير وبعمق داخلنا وحولنا.
كل سنة وأنتم محتَرمون ومحترِمون.
ملاحظة هامة: حتى لا اتهم بالتناقض وأنني أدعو للاحترام ولا أظهره للمنقلب الذي وصفته بالمريض العقلي،
لأذكّر بأن المنقلب وصف حقيقي وليس سبة،
بأنني طبيب والطبيب لا يعيّر مريضا بمرضه ولو كان – خاصة إذا كان – مريضا عقليا.
لكن احترامي لنفسي، للحقيقة ولشعبي هو الذي يجعلني أنبه لكون السيد سعيّد مصاب باضطراب عقلي صعب العلاج من مظاهره الانفصام عن الواقع والايمان بالقوة الخارقة والمهمة الربانية والاعتقاد بأن الشخص ضحية مؤامرات لا تتوقف وأنه مهدد بالاغتيال…كل هذا يراه الناس على المباشر ولا يجدون له تفسيرا لأن زملائي الأعزاء الذين يعرفون الحقيقة ويلتزمون الصوت ولا ينيرون الشعب بعلمهم.