في جريدة النصر الجزائرية
عن الثورة والثورة المضادة في تونس اليوم
الاثنين 4 تموز (يوليو) 2011
سنترك الإسلاميين يحكمون وإذا طغوا سنطردهم أجرى الحوار: عمر شابي تصوير: عبد الكريم عمور
يعتقد المعارض التونسي المنصف المرزوقي و هو رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أن ثورة الشباب التونسي التي أنهت وجود ديكتاتورية زين العابدين بن علي ينبغي أن تؤسس لنظام سياسي جديد يقوم على التداول السلمي على السلطة . و لا يجد المرزوقي حرجا في العيش تحت مظلة حزب إسلامي قد يكون حركة النهضة. بل ثارت زوبعة داخل حزبه مؤخرا عندما سرت شائعات عن التحالف مع حزب الغنوشي و قد عبر عدد من إطارات المؤتمر من أجل الجمهورية عن معارضتهم لذلك .
لكن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية سارع إلى تفنيد تلك الأخبار مؤكدا انه قرر خوض إنتخابات المجلس التأسيسي بقوائمه الخاصة و المستقلة عن كل التشكيلات السياسية.
المنصف المرزوقي .. رجل ذو تاريخ نضالي كبير في تونس بن علي يرى أن الساحة السياسية اليوم بعد سقوط النظام الديكتاتوري يمكنها أن تسع الجميع و من كل الأطياف و الإتجاهات السياسية، كما يثق في قدرة التونسيين على تجاوز مرحلة بناء النظام الجديد و تقديمهم لنموذج من الديمقراطية العربية التي تقود إلى بناء دولة القانون و المساواة بين المواطنين و تقضي على الظلم و التعسف . عند لقائنا به في مقر حزبه بالعاصمة التونسية بعد أربعة أشهر من إنتصار ثورة الياسمين ،بدا رجلا حالما مزهوا بالإنتصار الذي حققه الشعب التونسي.. كان يتلفت شرقا متلهفا نحو مزيد من الانتصارات للثوار الليبيين الذين قال أنهم سوف يسقطون نظام العقيد العنيد. لم يكن سياسيا بالقدر الذي نعرفه عن المتلاعبين بالألفاظ و المشاعر بقدر ما كان أكاديميا ربما تحجب عنه النظريات حقيقة و واقع الشارع التونسي، قال المرزوقي كلاما حول نضاله السابق و كيف واجه رفقة آخرين طغيان الدكتاتورية، لكنه كان يعبر عن طموحاته في جعل حزبه يصارع لنيل مكان تحت شمس الحرية المستعادة. و من الممكن أن يقوده شرهه السياسي إلى القيام بخطوات غير محمودة العواقب و لا محسوبة النتائج،كما يروج حوله .
النصر: بداية دكتور المرزوقي هل ترون أن الثورة التونسية و قد بلغت من العمر الآن أربعة أشهر بدأت برسم ملامح للنظام الجديد، و ما هي الصعوبات التي تواجه تونس اليوم؟ و ما هي المخاطر التي تتهدد الثورة؟
المنصف المرزوقي: الصعوبات الكبيرة التي تعيشها تونس اليوم تتمثل في جمود على الصعيدين الإقتصادي و الإجتماعي .. هذا الوضع ناجم عن توقف تام لآلة الإنتاج بفعل تداعيات سقوط النظام القديم و التحضيرات لبناء نظام جديد، لكن الوضعية الإقتصادية الصعبة التي يمر بها التونسيون اليوم ناتجة عن الوضع السياسي الغامض الذي لم تبرز ملامحه بوضوح، و لا نعلم إلى متى ستدوم حالة الفراغ المؤسساتي الراهنة دون برلمان و دون حكومة منتخبة تمكن محاسبتها و مطالبتها بتقديم نتائج و حلول لمشاكل الشعب.
النصر: هل هناك شعور بالإحباط لدى التونسي العادي من جراء هذه الوضعية؟
المنصف المرزوقي : نعم فعلا هناك شعور بالإحباط و لا يعلم الناس ماذا سيفعل بهم في المستقبل . و نحن لا نعلم متى سيدوم المجلس التأسيسي القادم ستة أشهر أم سنتين ام ثلاث سنوات؟. هو نفسه ستتمخض عنه حكومة و لا ندري أيضا ما هي فترة حكمها و إدارتها لشؤون البلاد، و مادام الوضع السياسي غير مستقر فالوضع الإقتصادي يزداد تأزما من يوم لآخر. و هنا مكمن الخطر على الثورة و هو ليس في شكل ثورة مضادة أو من جهات خارجية بل من داخل تونس ذاتها و من حالة الجمود التي تميز الوضع العام.
النصر: الدستور التونسي الجديد هو نص مؤسس للحكم القادم و بالتالي فالنقاش حوله من الطبيعي أن يطول لكي يتم رسم ملامح النظام القادم بوضوح؟
المنصف المرزوقي: لا يحتاج الأمر إلى كل هذا الجدل و النقاش فهناك أمور محسومة و حولها إجماع وطني فلا أحد يقول بعكس ثوابت الهوية العربية الإسلامية لتونس ولا أحد ينكر حقوق الأقليات و لا أحد يجادل في شكل الحكم التعددي الديمقراطي و لا أحد يقف ضد التداول السلمي على السلطة و في تحقيق العدالة الجهوية بين مختلف مناطق تونس، و لا يوجد من ينكر على الشعب حقه في الحريات الأساسية فلماذا نتباطأ في التحرك لكي نبني الغد وفق الرغبة العامة للشعب التونسي الذي كان يقف كرجل واحد في ثورة شعبية سلمية أنهت عقودا من الديكتاتورية.
النصر: كيف ترون الطريقة المناسبة للخروج من حالة عدم الإستقرار السياسي؟
المنصف المرزوقي: الآن لدينا حوالي 50 أو 60 حزبا سياسيا ، كلها نشأت بعد الثورة و كلها تحتاج إلى وقت للتأقلم و إيجاد مكانها وسط الشعب.. لكن هناك على ساحة العمل السياسي و النضالي في تونس قبل الثورة العديد من الأحزاب و هي ليست كثيرة خمس أو ست أحزاب معروفة و لها مواقفها و رموزها و هؤلاء يمكنهم وضع اليد في اليد للقول بنهاية حالة الإحتقان الإنتقالي السائدة حاليا و المرور إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي و هؤلاء يتفقون في معظمهم على المبادىء العامة لتحقيق أهداف الثورة. و علينا وضع حد أدنى من الأخلاقيات في الممارسة السياسية و هذه الأحزاب الجديدة عليها إكتساب الخبرة أولا قبل الدخول في معاركة من أجل الحصول على المقاعد داخل المجلس التأسيسي الجديد فهؤلاء لم يكونوا موجودين قبل الثورة، و هناك من هو أولى بقيادة تونس الجديدة منهم و هناك من ناضل لفترة أكثر من 20 سنة و الآن يكاد صوته يضيع وسط ضوضاء الفقاعات الحزبية الناشئة.
النصر: بالنظر لما قلتم هناك من يقول أن العمل بهذه الشرعية النضالية السابقة للثورة سيقود حتما نحو التمهيد لسيطرة الإسلاميين كحزب معارض له تاريخه و تجذره في الأوساط الشعبية على مقاليد الحكم و هنا خطر آخر على الثورة ؟
المنصف المرزوقي: الإسلاميون في تونس تحسبهم جميعا و قلوبهم شتى .. فمنهم من تجده في أقصى اليسار و هم الذين يوصفون بالإسلاميين التقدميين، و منهم جماعة التبليغ و الدعوة و هؤلاء لا يعملون بالنشاط السياسي التقليدي وليسوا جماعة خطرة بصورة عامة.. و هناك النهضة كحزب سياسي منظم و مهيكل و هو حزب وسطي كبير محافظ.. وعلى يمين النهضة تجد السلفيين.. و علي يمين السلفية تجد حزب التحرير الذي يدعو لإقامة نظام الخلافة. مكونات الطيف السياسي الإسلامي هي بهذه الصورة والمشكلة ليست مع حركة النهضة التي تريد أن تلعب دورا مثل الدور الذي لعبه حزب «الرفاه» في تركيا و الذي صار يسمى العدالة و التنمية و هو الحاكم حاليا و لكن المشكلة في السلفية الجهادية و في حزب التحرير أي في أقصى يمين الطيف السياسي الإسلامي.. و أنا ليست لدي مشكلة مطلقا مع حزب النهضة و أنا واثق من انهم ديمقراطيون. لكنك طرحت سؤالا عويصا و هو ماذا لو أن حزب النهضة بسط سيطرته على الحكم و صار يفعل ما قام به الإسلاميون في الجزائر بدايات التسعينات من القرن الماضي فهل يمكن منعه من الوصول إلى الحكم، هنا المشكلة و أرى أنه ينبغي علينا ترك الإسلاميين يحكمون و لا يجب تكرار ما وقع في الجزائر مهما كانت النتيجة..ومن وجهة نظري لا أعتقد أن جماعة النهضة يحظون بثقة الشعب التونسي المطلقة التي تسمح لهم بتنمية غرورهم السياسي و تحفزهم على الإنفراد بالقرار.
النصر: لكننا يا دكتور بصدد الدخول في عملية انتخابية لا نعرف فيها حجم أية قوة و لا ندري ما يخرج من الصندوق و هي مغامرة سياسية؟
المنصف المرزوقي: لا أعتقد أن الشعب سيميل ميلة واحدة باتجاه حزب معين بل هناك دوما قوى مختلفة متعددة و هذا ما يسمح بخلق توازن بين القوى المختلفة و لن يتكرر سيناريو الانقلاب من العسكر على الحكومة المنتخبة بل سيتم طرد الإسلاميين لو طغوا في البلاد و لم يحترموا قواعد اللعبة من طرف الشعب نفسه الذي أطاح بنظام الدكتاتور بن علي و هذا ضمان جديد من مكاسب الثورة للحريات الأساسية و للتداول على السلطة.
النصر: ما هو الدور الذي تتوقعه للجيش في المستقبل؟
المنصف المرزوقي: أعتقد أن الجيش التونسي الذي حمى الثورة وقف موقفا مشرفا و هو سيحرص على صيانة الصورة المشرقة التي اكتسبها من خلال وقوفه في صف الشعب، و قد حدث تغير في العقيدة العسكرية لدى غالبية الجيوش العربية التي تريد الآن أن تكون بعيدة عن اللعبة السياسية و تفضل القيام بمهامها الأساسية في حماية البلاد و الدفاع عنها، و قد سبق العرب إلى ذلك أنظمة أمريكا اللاتينية التي سلكت الطريق نحو الديمقراطية قبلنا بسنوات و كانت من قبل ديكتاتوريات عسكرية.
النصر: بخلاف العسكر هناك من يخشى في تونس الآن من قيام ثورة مضادة تتغذى من الشعور العام بالإحباط و من تواصل ممارسات النظام السابق على يد الحكم الإنتقالي الحالي فهناك من يقول لا شيء تغير سوى أننا صرنا ثرثاريين و فوضويين. و هناك من يتهم أنصار «الأرسيدي» (حزب الرئيس المخلوع بن علي) بأنهم يتربصون بالثورة.
المنصف المرزوقي: الثورة المضادة لا تأتي برأيي من مناضلي «الأرسيدي» البسطاء فأغلبية المناضلين في حزب الرئيس المخلوع كانوا مناضلين بالقوة، و هم بسطاء فرض عليهم الإنتماء للحزب الحاكم بمنطق الدكتاتورية الذي كان سائدا، لكنني أرى انه بالنسبة للقيادات التي كانت تحكم تونس باسم التجمع الدستوري «الأرسيدي» ينبغي ان تترك الساحة للقوى الثورية و هؤلاء يتم منعهم من الترشح للمجلس التأسيسي الذي قد يكون البرلمان التونسي التعددي الحقيقي الأول، و بعد سنوات يمكننا أن نعيد لهؤلاء الحقوق السياسية التي كانوا سببا في حرمان التونسيين منها لسنوات طويلة.. إن مغادرة القيادات البارزة للحزب الحاكم في تونس سابقا هو لمصلحتها فهي منبوذة شعبيا و غير مرحب بها و ظهورها على الساحة يزيد من حالة التذمر و الإحباط و الشعور بعدم حدوث تغيير جذري.
النصر: ما هو المستقبل الذي تتوقعونه بالنسبة لعلاقة تونس الجديدة بالنظام الجديد الذي سيظهر في ليبيا، خصوصا و أن الشارع التونسي يعيش بقوة على وقع ما يحدث في ليبيا الآن؟ و ما هي هوية «الثوار» الذين يدعمهم حلف شمال الاطلسي للإطاحة بالعقيد القذافي؟
المنصف المرزوقي: بإختصار ، المسألة كبيرة و معقدة و متشعبة في ظل مناخ الحرية و الديمقراطية التعددية ويمكن مهما كانت المعوقات أن تبني الشعوب الحرة أنظمة ديمقراطية تنهي بها «الحقرة» و الاستبداد و الفساد و ذلك مهما كانت درجة الوعي بسيطة لدى الشعوب المطالبة الآن على إمتداد العالم العربي بالحرية و الكرامة..أما بالنسبة لثوار ليبيا هم من عامة الشعب و فيهم مختلف الإتجاهات و الحساسيات تماما مثل الذين ثاروا في تونس مطالبين بن علي بالرحيل. شعوب المنطقة المغاربية متى توفر لديها مناخ من الحرية تستطيع بنفسها تقرير مصيرها وتحدد شكل العلاقة فيما بينها. و أعتقد أن المطالب و التطلعات هي نفسها على امتداد الفضاء المغاربي ، لذلك نترك الشعوب تقرر ما تفعله في المستقبل. و أعتقد أن قيام نظام ديمقراطي في ليبيا سيكون أمرا مفيدا للغاية بالنسبة لتونس التي تربطها علاقات و مصالح قوية مع الجار الشرقي.. و سيزيد إنتصار الثوار في ليبيا هذه العلاقة متانة و قوة.. ونرجو أن يعم خير الثورة كامل الفضاء المغاربي و شمال إفريقيا.