عبد الله القلال والشلاكة
الاحد 2 كانون الثاني (يناير) 2011
قرأت هذا الصباح في الجزيرة نت أن عبد الله القلال رئيس غرفة المستشارين ( ما هذا الشيء ؟) هاجم الجزيرة واتهمها أنها تعادي تونس . ما استوقفني ليست هذه المبتذلة الممجوجة التي تجاهد لتجعل تونس ممثلة في شخص مثل بن علي، فهي لم تعيد تثير إلا السخرية ، وإنما تدافع الذكريات عن هذا الشخص الذي قاد وهو وزير الداخلية في بداية التسعينات أوسع عملية قمع وتعذيب وانتهاكات في تاريخ تونس الحديث.
يومها كنت رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي كانت في أروع معاركها ضد التعذيب وكانت السلطة آنذاك لا تزال تريد بسط بعض الستر على ممارساتها وخاصة استمالة الرابطة لتتخذ على الأقل موقفا محايدا من موجة القمع التي كانت تسحق الإسلاميين. .لم أفاجأ إذن أن أتلقى دعوة من هذا الشخص لمقابلته في مكتبه في الوزارة لسماع تذمره عن آخر مواقف الرابطة ولإسماعه طلباتها المتكررة بالكف عن ممارسات يندى لها الجبين. أذكر أن النقاش كان صريحا لأنني لست من النوع الذي يسمع الناس ما يحبون ولكن مما يجب عليهم سماعه وكان باردا وجافا ومؤدبا …إلى مفاجأة الباب .
فعند المغادرة لم يمدّ لي الرجل يده للمصافحة البروتوكولية وإنما سلّط عليّ نظرة باردة قائلا بصوت واضح : “يا دكتور ما تخلّيناش نشلّكوك “(لإخوتنا العرب: المعنى لا تتركنا نجعل منك شلاكة، والشلاكة بالعامية التونسية هي أحقر الأشياء وأكبر سبّة لأنها تحيل للجزمة الشعبية من البلاستيك الرخيص). فغرت فمي من الدهشة . هذا الرجل يهددني!!! بل ويهددني أن يمشي عليّ ويمرّغني في التراب ثم يلقي بي في المزبلة . بداهة ملفات الوزير لم تكن دقيقة وإلا لكان فيها أنني من طينة بشر لا تذل ولا تمارس الإذلال ، لا تظلم ولا تقبل الظلم ، لا تهدّد ولا ترضخ للتهديد .
بسرعة البرق تتالت في ذهني كل الردود الممكنة ومنها صفع الرجل وليكن ما يكن. ما منع الانزلاق الوعي بأنني لا أمثّل نفسي وإنما منظمة لها قيمة وتدافع عن قيم لها قيمة أكبر. أدرت ظهري لكبير البوليس وانصرفت قائلا أحسن ردّ هو أفعالي التي ستصله أخبارها بأسرع مما يتصوّر فجأة انتبهت أن الوزير ورئيس العصابة الذي يخدم لا يهددان في الفارغ وأنني سأدخل نفقا مظلما لا يعلم إلا الله متى سأخرج منه . وفعلا هذا ما حصل حيث بدأت محاولة “التشليك ” من الغد وتواصلت على امتداد عشرين سنة ولا فائدة في العودة لتفاصيل البعض يعرفونها والله وحده يعلم ما تكلفته من آلام. للصراحة أقول أن هذه الآلام وآلام الآلاف من أبناء شعبنا الذين حاول هذا النظام الشرير سحقهم حتى العظم ، ملأتني لسنين طويلة بالبغض لناس تسلطوا علينا بوسائل وتقنيات وذهنية فاجأتنا كلنا ونحن شعب عائلي ومسالم غير متعود على تقنيات حكم جديرة بأمريكا الجنوبية في الخمسينات.
ثم تطورت المشاعر شيئا فشيئا أمام اتضاح عمق الفساد وسذاجة الكذب وخساسة أساليب التعامل مع المعارضين إلى احتقار دفين جاهدت للتخلّص منه لإيماني أنه لا كفر إلا الاحتقار وأنه يدمّر حامله مثلما يدمّر الذي يسلّط عليه.
بمرور السنوات أصبحت لا أشعر تجاه القلال وسيده وكل من حملوا على كاهلهم هذا النظام المشين سوى شفقة لا حدود لها.
كلّهم ولدوا كما ولدنا جميعا بحسّ كرامة فطري …أغلبهم حملوا مثلنا وهم شباب مشاريع طموحة ونبيلة لأنفسهم ولوطنهم ، لكن النفس الأمارة بالسوء والضعف والكسل الفكري وإغراء الحلول السهلة جعل منهم ما نعرف . رجاء يا إخواني لا تضعوا يوما الحبل في عنق هذا الرجل وجلاديه . المقاومة المدنية ليست تقنيات تظاهر وعصيان مدني فقط وإنما روح معنوية شعارها إذا كانت موازين القوى ضدي لا استسلم وإذا كانت معي لا أنتقم. لا تنتقموا أبدا لا من هذا الرجل ولا من غيره يوم تدور الدوائر. أي حاجة للانتقام وهم انتقموا من أنفسهم بهذه الكيفية الرهيبة عندما جعلوا من الذوات النبيلة التي خلقهم بها الله أقبح الشلايك وأكثرها اهتراء والدليل الاقتراب السريع لزمن رميها في مزابل التاريخ