في مثل هذا اليوم 17 ديسمبر 2010 دخل محمد البوعزيزي الشاب التونسي الفقير التاريخ من أوسع أبوابه وجسده الملتهب نارا يطلق من مدينة سيدي بوزيد شرارة الثورة المباركة. هكذا انتفضت تونس ولحقتها بعد أسابيع وأشهر مصر وليبيا واليمن وسوريا وبعد سنوات الجزائر والسودان والعراق ولبنان… والحبل على الجرار. وإبان هذه الثورات التي سُميت الربيع العربي، عشنا تجارب غير مسبوقة في تاريخنا،
فجأة عاد الأمل وأصبحت أغلى الأماني كأنها على وشك التحقيق،
فجأة ولو لفترة خاطفة أصبحنا نحبّ بعضنا البعض، نحترم أنفسنا والآخرين ولم يكن ذلك من عاداتنا،
فجأة أصبحنا نفخر بوطننا، نرفع أعلامنا بكل تلقائية وحبّ صادق،
فجأة من شعوب لا يُسمع عنها إلا من خلال أخبار الحروب والإرهاب، أصبحنا محلّ اهتمام عالم أدهشته ثوراتنا بسلميتها وتحضرها، باستعمالها الذكي للتكنولوجيا الحديثة، بتكذيبها أوهام البعض ومخاوف البعض الآخر وهي لا تطالب إلا بالدولة المدنية، بالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية.
فجأة من ضحايا التاريخ أصبحنا من صنّاعه.
*
أي تقييم بعد عشر سنوات لأكبر حدث في تاريخنا منذ التحرّر من الاستعمار في منتصف القرن الماضي؟
ما نحن متأكدون منه أن أهمّ مكسب للربيع العربي تحقّق وهو التغيير الجذري في عقول وقلوب العرب وقد عزموا أنه ” لا خوف بعد اليوم ” في علاقتهم بالنظم السياسية التي تتحكم فيهم منذ قرون.
ما يحقّ لنا أن نفاخر به أن شوكة شعوبنا لم تكسر رغم همجية الثورة المضادة في سوريا واليمن وليبيا ومصر بل وأننا شهدنا توسّع الحراك الثوري مسفّها أماني الحالمين بإرجاع شعوبنا لبيت الطاعة القديم.
وأيضا، يقيننا أن صراع شعوبنا ضد الاستبداد لن يتوقف إلا برحيله كما حدث مع الاستعمار.
إلاّ أن كل هذا لا يخفي تعثّر مسار هذه الثورات والثمن الفظيع الذي دفعته ولا تزال شعوبنا لهذا التعثّر.
فقد دّمرت سوريا وليبيا واليمن وعاد الشعب المصري للعيش تحت دكتاتورية أعنف من التي انتفض ضدها. وفي تونس نجحت الثورة المضادة عبر شركات سياسية وإعلام مرتزق مكلّف بتضليل الشعب في اختطاف الديمقراطية التي جاءت بها الثورة، فإذا بنا ننتقل من استبداد فاسد إلى ديمقراطية أفسد ضيّعت بنفس الكيفية فرص العيش الكريم لشعب يزداد فقرا وإحباطا وغضبا يوما بعد يوم.
أما في الجزائر والسودان ولبنان، فالثورة تراوح مكانها لا أحد يعلم الثمن الذي ستدفعه هي الأخرى.
وراء هذا المصير الذي لم يكن أكثرنا تشاؤما يتوقّعه، كم من عشرات الآلاف من القتلى، من الجرحى الذين يقاسون لليوم الأمرين ! كم من آلاف من المعتقلين، كم ملايين المهجرين، المجوّعين، المعذبين، اليائسين، الفارين من وطن أصبح هو والجحيم سيان!
يا الله كيف انقلب الحلم الجميل إلى مثل هذا الكابوس المرعب؟
*
إن أهم واجباتنا اليوم قبل مواصلة طريق لا بديل عنه، البحث في أخطائنا وتحديد المسئولين عن كارثة لم تعرف لها شعوبنا مثيلا حتى في أصعب مراحل مقاومة الاستعمار؟
كما لا تنفجر قنبلة دون وجود مكوّنات عدة داخلها، فإن الكارثة لم تقع إلا لتضافر أخطاء جماعية لا يمكن لأي من الأطراف السياسية التنصل من مسئوليتها.
الثورة التونسية نموذجا.
كأول رئيس منتخب ديمقراطيا بعد إسقاط الدكتاتورية، أستطيع أن أفاخر بإتمام المهام الثلاث التي انتخبت من أجلها أنا وإخواني وأخواتي في المجلس التأسيسي ألا وهي المحافظة على تواصل الدولة، كتابة دستور الجمهورية الأولى بديلا لجملكية بورقيبة وبن علي والإعداد للانتخابات ليختار الشعب سلطة مستقرة تعيد بناء البلاد.
إلا أنني أعترف وأعتذر عن عدم نجاحي في إبقاء قطار الثورة على السكة.
حقّا جزء من التقصير كان نتيجة سوء اختيار بعض مساعديّ وضعف مواجهة القصف الإعلامي واتخاذ بعض القرارات غير الموفقة . لأؤكّد هنا بمنتهى الوضوح أنني خلافا للأكاذيب الحقيرة لم أسفّر شبابنا لسوريا بل أنا من منعته، ولم أسلم البغدادي المحمودي ومن سلمه هو رئيس الحكومة حمادي الجبالي. أما قطع العلاقات الدبلوماسية مع سفاح دمشق فمساهمتي المتواضعة في دعم ثورة أهلنا في سوريا وهو أشرف وأحسن قرار اتخذته لم ولن أندم عليه يوما رغم تكلفته الانتخابية الباهظة.
إن جلّ نصيبي من المسؤولية نتيجة خطأين أساسيين:
تمثل الأول في سوء تقدير شراسة الثورة المضادة وحقارة أساليبها والدور المدمّر للإعلام الفاسد وعدم التصدي بالحزم الذي يحبّون لأناس يخافون ولا يستحون.
الخطأ الثاني رهان خاسر على التحالف مع حركة النهضة، هذا التحالف الذي فرضته نتائج انتخابات 2011 والذي لم يكن بالإمكان عبور المرحلة الانتقالية الخطيرة بسلام بدونه.
وإن دعوت ولا أزال لتجاوز الخلافات العقيمة بين العلمانيين والإسلاميين لنتجمّع كلنا حول قيم حقوق الإنسان وآليات ومؤسسات الديمقراطية، وإن كنت ولا أزال مقتنعا بأنه من حق الإسلاميين أن يحكموا إن جاءت بهم الانتخابات الحرة، أن أكثرية حركة النهضة ناصرت الثورة وأهدافها ولا تزال، أنه لا حقّ لاحد ولا مصلحة للبلاد في اقصاء -فما بالك باستئصال- جزء ثابت ومكون من الشعب…. فإنني أشهد للتاريخ، عن تجربة مباشرة وبعيدا عن التحامل وتصفية الحسابات، أن قيادة النهضة كانت السبب الرئيسي في إجهاض ثورة ديمقراطية أعطتها السلطة على طبق من فضة، فأرجعتها على طبق من ذهب للثورة المضادة عدوة الديمقراطية.
لقد تمّ ذلك عبر خيارات فاجأت كل الذين قبلوا عن وطنية صادقة وبحثا عن تصالح شقي المجتمع العمل مع الإسلاميين وتمثلت هذه الخيارات التي أجهضت الثورة أساسا في:
1-التصدي لقانون تحصين الثورة والقبول بالمصالحة دون المحاسبة والدعوة في الدور الثاني في رئاسية 2014 للتصويت ضدي أنا الحليف المفترض مرشح الثورة لصالح قائد ومرشح الثورة المضادة علما وأن رئيس النهضة أخفى عني وعن كل التونسيين فحوى الصفقة التي عقدها معه في باريس صيف 2013.
2-التحالف المتواصل مع كل من هبّ ودبّ من الفاسدين الهاربين اليوم وغدا من العدالة، المتجاسرين على اسم تونس يلصقونه انتهازية ونفاقا باسم شركاتهم السياسية المسماة أحزابا.
ويبقى أن السردية المنمقة والمضللة التي تحاول قيادة النهضة تسويقها أعجز من أن تقلب الحقائق طويلا. فسياسة ”التوافق ” مع الثورة المضادة لم تكن أبدا حرصا على الثورة وخوفا على تونس من انقلاب أو حرب أهلية -لم توجد أبدا أي من شروطها الموضوعية كما كان الأمر في مصر وسوريا وليبيا واليمن-وإنما كانت استسلاما مشينا لهذه الثورة المضادة حرصا على الحزب وخوفا من مصير الإخوان المسلمين والرئيس الشهيد محمد مرسي في مصر ما بعد الانقلاب المشئوم صيف 2013.
الأخطر هذا أن دسم كلمات الاعتدال والتسامح والمصالحة تستّر على سمّ زعاف تسلّل للعقول والقلوب متمثلا في انتشار القناعة بأن الإفلات من العقاب أصبح حقّا مكتسبا خاصة بعد رؤية عرقلة العدالة الانتقالية ورفض تطبيق توصيات تقرير هيئة الحقيقة والكرامة. هكذا استبطن الناس بما أن الجريمة لم تعد تواجه بالقانون وأن ثمن الاستقرار المزعوم ” كل شيء للمجرمين لا شيء للضحايا”، فليصبح خرق القانون القاعدة لا الاستثناء. هكذا تغلغل الفساد بكيفية لم يشهدها الاستبداد مهددا تماسك الدولة والمجتمع.
بجانب مسؤولية الإسلاميين، هناك مسئولية يسار أفلس سياسيا وأخلاقيا عندما آثر في مصر الارتماء في أحضان الانقلاب مساهما فيه ومدافعا عنه وعندما نادى في تونس بدافع من نفس الحقد الإيدولوجي لقطع الطريق عليّ في رئاسيات 2014 والتصويت لوزير داخلية بورقيبة السابق ورئيس برلمان بن علي . كم مضحك مبكي أن اليساريين صوتوا ضدي كحليف للإسلاميين والحال أن من صوتوا له كان هو الحليف المستتر والحقيقي للنهضة بعد الصفقة التي تمت في باريس بينهما صيف 2013.
إلا أن سقطة اليساريين لا تقارن بسقطة القوميين الذين أدّى بهم تحجّر الفكر وتصفّح القلب إلى تبرير جرائم أفظع نظام استبدادي عربي ضد الشعب السوري المنتفض من أجل الحقوق والحريات التي ينعمون بها في تونس كأنّ الفساد يصبح مقبولا طالما هو فساد ”ممانع” والتعذيب معذورا طالما هو تعذيب ”تقدمي” والتوريث لا عيب فيه إذا كان توريثا ”مناهضا” للصهيونية والامبريالية والتسليم في الاستقلال ”وطنية” طالما كان لروسيا وإيران وليس لأمريكا وإسرائيل.
لا يجب أن نعفي الثوريين أنفسهم من مسؤوليتهم في الكارثة وقد توزعوا في كل أقطارنا في دكاكين سياسية لا سبب لتناحرها وتفويت الفرص على بعضها البعض تجاه العدو المشترك إلا الزعاماتية.
ويبقى أكبر قسط من المسؤولية لمن يحقّ تسميتهم ”المجرمون مرتين” أي نخب الاستبداد التي أجرمت مرة أولى بدفعها الشباب للتمرد نتيجة سياسات الفساد والظلم والقمع وأجرمت مرة ثانية بالتصدي بكل الوسائل الخسيسة أو الدموية لثورة سلمية ديمقراطية سعت للإصلاح والمصالحة وليس للانتقام.
هكذا عبر أخطاء البعض والسقطات الأخلاقية والخيانات الموصوفة للبعض الآخر، أمكن للثورة المضادة مدعومة بالوكيل الإماراتي -مخلب قط إسرائيل المهتمة بتواصل الخراب العربي لتصفية القضية الفلسطينية -تدمير الثورة في مصر بالانقلاب وفي ليبيا واليمن بالحرب الأهلية وفي تونس بديمقراطية اختطفها الفاسدون. هكذا أمكن لسفاح دمشق التنكيل بالشعب السوري وتهجير نصفه ووضع دولته تحت الوصاية المباشرة للوصاية المشتركة الإيرانية-الروسية.
والخلاصة أن الكارثة التي نعيش عشر سنوات بعد انطلاق الربيع العربي هي فشلنا جميعا ديمقراطيين وإسلاميين ويساريين وقوميين وفلول أنظمة لم تتعلم شيئا من دروس التاريخ. لذلك لا جدوى لرمي هذا الفشل في رؤوس بعضنا البعض والتنصل كل من مسؤوليته وإنما الموضوع كيف نعيد قطار الثورة على السكة التي خرج منها في 2013 وعلى أي أسس نواصل ثورات جريحة لكنها أكثر نضجا؟
*
يتطلب الأمر بداية فهم استراتيجيا الثورة المضادة وهي تختلف من قطر عربي لآخر.
ففي تونس المخطط استعمال المهرّجين والمهرّجات لترذيل برلمان لا يجادل اثنان في أنه خيّب كل الآمال وأثار حفيظة الشعب ضده وجاء به قانون انتخابي خبيث وضع للغرض. إلا أنه من السهل وضع كل العيوب على هذا القانون للتغطية على مسؤولية من انتخبوا ومن سمحوا بعزوفهم انتخاب مثل هذا البرلمان وهو ككل الطبقة السياسية مجرد مرآة لأحسن وأسوأ ما فينا.
ما أظلم وضع أدائه التعيس على حساب أثمن منجزات الثورة أي الدستور والديمقراطية المؤسساتية والأمر–وألا يمثّل-كوضع جرائم داعش على حساب القرآن والإسلام.
بعد الترذيل من قبل أنصار المخلوع تأتي مرحلة دفع الشعوبيين لتغذية غضب الشعب الشرعي وحثّه على القبول بتغيير الدستور لصالح نظام رئاسي. هل من المعقول أن ننسى بهذه السرعة والسهولة أن هذا النظام هو الذي حكمنا نصف قرن وقادنا للهاوية وهو الذي يعطي في مصر السيسي صورة عما سيكون عليه وضعنا لو صُفّي دستور ُصمم لحماية الأجيال القادمة من أخطار الحكم الفردي.
من ينتبه أن الدستور أظهر فعاليته فلولاه لكان ابن السبسي المبوب للوراثة هو رئيس تونس اليوم؟
المرحلة الأخيرة التخلص من الشعبويين بعد انتهاء مهمّتهم ليبرز من داخل المنظومة الديمقراطية المختطفة إن كان طيّعا -أو من خارجها أن تطلب الأمر-الرجل ”القوي” الذي يعدّه الأوصياء والنخب الاستبدادية وهكذا يغلق قوس الثورة وتذهب تضحيات الشهداء عبثا و ”يا بوزيد كأنك ما غزيت”.
في بقية الأقطار العربية المخطّط إحكام قبضة إرهاب الدولة في مصر ومواصلة الحرب في ليبيا واليمن وسوريا لسحق كل بقايا الثورة والتسويف في الإصلاح في بقية الدول ذلك لأن الطغاة ومشغليهم يعتبرون ثورات الربيع العربي نيران التهبت في كومة قش والحال أنها براكين ستعود للانفجار مجددا وهم الساهرون على تغذيتها بما يلزم من وقود الفساد والقمع.
السؤال الوحيد اليوم: أي خطة لإفشال خطتهم ومواصلة مسيرة الثورة لإنجاح مهمتها التاريخية؟
*
إن أكبر خطأ نرتكبه ليس أن نخطئ وإنما ألا نتعلم من أخطائنا لا عن نقص في الذكاء وإنما في شجاعة
الاعتراف بأننا أخطأنا أو بأنكار أن الطرف الآخر يمكن أن يكون له فضل أو أن يكون مصيبا أحيانا ، لذلك علينا لا المكابرة وإلقاء المسؤولية على الآخرين وإنما والعمل بأهم الدروس القاسية التي لقنتنا العشرية الأولى للثورة :
1- التمسّك بالخيار السلمي والتجمّع حول المشترك الوطني الذي هو نفسه في كل قطر أي هيبة الشعب وهيبة الدولة، الديمقراطية والتجذر في الهوية، المركزية والمشاركة الشعبية، الدفاع عن الطبقة الوسطى والطبقة المسحوقة، المحاسبة والمصالحة، الحرية والأمن،
2- بناء جبهات وطنية لمواصلة الثورة المدنية الديمقراطية السلمية على قاعدة توافق يعيد للكلمة معناها النبيل بين أفراد وجماعات تتشارك في نفس القيم والأهداف أي من يساريين اجتماعيين طلقوا اليسارية الايدولوجية ووحدويين قطعوا مع قومية استبدادية وديمقراطيين انتبهوا لسهولة اختطاف الآليات الديمقراطية وضرورة ربط الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية وإسلاميين يضعون الثورة والوطن فوق الحزب وطبقة اجتماعية فهمت خطر ربط بمصيرها بأفسد من فيها.
3-مواجهة الإعلام الفاسد المملوك كليا للثورة المضادة بابتكار أشكال تواصلية جديدة لتحرير الشعب من التضليل الذي يمارسه عليه وأيضا بتجنّد المثقفين العرب لبلورة فكر سياسي للقرن الواحد العشرين يتعلم من أخطاء وخطايا ايدولوجيات انتهت صلاحيتها ويبثّ ثقافة الأمل والعمل في صفوف شباب معرّض أكثر من أي وقت مضى للضياع والإحباط أو الهروب لتشدّد يزيد الطين بلة.
4- رمي الجسور بين الثورات العربية خاصة وأن للثورات المضادة عرّاب واحد وربط المعركتين من أجل الاستقلال الأول والثاني أي التحرر من الاستعمار والاستبداد وهما وجها نفس قطعة النقد. ما أن نحقق الاستقلالين حتى يسهل بين عشية وضحاها إنشاء اتحاد الشعوب الحرة وهو وحده الكفيل بإعطاء أربعمائة مليون عربي المكانة التي يؤهلها لها تاريخهم ويدعوهم لها مستقبلهم.
*
من أين سنستمدّ القوة المعنوية الضرورية لمواصلة طريق هو الأخطر والأصعب والأطول؟
-من الانخراط في الزمن الطويل لملحمة بشرية تتخلص من العبودية وتهزم الاستعمار وتعمل اليوم على القضاء على الاستبداد في آخر معاقله ونحن جنود آخر هذه المعارك.
– من وعينا بأن ثورتنا تتبع مسار كل الثورات التي شهدها العالم حيث لا بدّ من ثورة مضادة بعد كل ثورة ومن صراع طويل بينهما ينتهي طال الزمان أو قصر بتحقيق كلّ أو جلّ أهداف الثورة.
-من تذكرنا بما دفعته شعوب عديدة كثيرة قبلنا لتنعم بالحرية وكان الثمن أفظع بكثير مما دفعنا.
-من ثقتنا بأن شبابنا لن يرضى أبدا بغير العيش تحت راية الحرية والمساواة والكرامة.
-من الحرص على حق أطفالنا وأحفادنا في وطن يصبح الأرض التي يهربوا إليها لا التي يهربوا منها.
-من الجدارة بتضحيات آباء وأجداد حاربوا الاستعمار في أصعب الظروف ولم يستسلموا يوما.
– من الوفاء لتضحيات شهدائنا الأبرار تغمدهم الله بواسع رحمته لا أفظع من موتهم إلا موتهم عبثا.
-من إيماننا بأنه بعد العسر يسر.
وقبل كل هذا من الشعور بالخطر الداهم على وجودنا كأفراد وشعوب وأمة. فما لا يجب أن يغيب عن الأذهان أن إقامة دولة القانون والمؤسسات وبناء فضاء الشعوب العربية الحرة ليست أهدافا في حد ذاتها وإنما الوسائل الوحيدة لبناء دول ومجتمعات قادرة على توجيه طاقاتها لمواجهة الفقر والبطالة وتغيير مناخي قد يجعل كل الوطن العربي غير قابل للعيش في ظرف نصف قرن.
هكذا سنستطيع عبر أنظمة فعالة، شرعية مجمّعة، قوية لا بقوة الدجالين والدجالات وإنما بقوة القانون والمؤسسات، تدارك الوقت الضائع لتعود فرحة الحياة لأمة دفعت ما يكفي من الدم والدموع لتحررها من الاستعمار والاستبداد ويحق لها أن تنعم بكل ما تنعم به الأمم الحرّة.
ولا بد لليل أن ينجلي.
– تونس في 17-12-2020