في مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات
د. المنصف المرزوقي على ضوء حواره حول مشروعه السياسي لمستقبل تونس
الثلثاء 22 آذار (مارس) 2011
نوجه إذن اليوم النص الكامل للندوة التاسعة مع د. المنصف المرزوقي والتي تم تسجيلها يوم 5 مارس 2011، وهو لعمري نص فريد واستثنائي لمعرفة هاته الشخصية التونسية عندما غيب أعلام بن علي وعتم عليه طوال 23 سنة ومازال هذا التغييب متواصلا حتى اليوم، بعدم دعوته في الإعلام السمعي والبصري. وهو أمر مقرف وبائس ومدان وغير قانوني وضد مبادئ ثورة الكرامة والديمقراطية نفسها وهي التي جاءت لتقطع مع سلوكيات الإعلام السابق. ليتفضل الرأي العام التونسي والمغاربي والمشرقي والدولي بالاطلاع على هذا النص التاريخي والتوقف مليا حول البرنامج السياسي والفكري لد. المنصف المرزوقي وسوف يتأكد أنه أمام أحد رجالات تونس المستقبلين والبارزين والذين يعول عليهم في كل المواقع التي سوف يعمل فيها، كمدافع مخلص عن تونس الحرية والكرامة والديمقراطية والتنمية المتكافئة والمستدامة، تونس المعرفة والثقافة والتسامح والتوافق الحضاري واحترام كل الحساسيات ببلادنا. كما سيشهد التاريخ أن د. المرزوقي يعد من المعارضين السياسيين الأكثر ثقافة وإدراكا ووعيا بحكم قدراته التحليلية التي منحته إياه مهنته الطبية لتحليل المشهد السياسي لوطننا… إليكم النص الكامل للندوة التاسعة : الندوة التاسعة لثورة الكرامة والديمقراطية حول آليات وإستراتيجية حماية مكاسب الثورة
مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات الرقم : 178 تونس في : 22 مارس 2011
د. المنصف المرزوقي على ضوء حواره حول مشروعه السياسي لمستقبل تونس أ. د. عبد الجليل التميمي
كانت مؤسستنا، الأولى والوحيدة التي قامت بتنظيم اثنا عشر ندوة حتى اليوم حول ثورة الكرامة والديمقراطية باحتضان أكثر من 700 شخصية وطنية، من مختلف التيارات والأحزاب ومن المدافعين الأحرار عن هاته الثورة. وقد منحنا منبر المؤسسة إلى عدد من الفاعلين المباشرين على رأسهم شباب وشابات الثورة أنفسهم عندما احتضناهم وقد أجروا حوارا قيما جدا، كنا قد نشرنا نصه الكامل وأثبتناه على موقع المؤسسة وفي فاسبوك. كما دعونا كذلك كل من السادة : مصطفى الفيلالي والشيخ عبد الفتاح مورو ود. المنصف المرزوقي وأحمد نجيب الشابي والهادي البكوش وأخيرا الشيخ راشد الغنوشي والكاتب الفرنسي Nicolas Beau مؤلف كتاب حاكمة قرطاج. وأثناء هذه الحوارات أعطيت الكلمة بادئ الأمر إلى ضيوفنا لشرح أهداف الثورة والسبل الكفيلة للحفاظ عليها من كل المناوئين لها. وقد تفضل مدعوينا بأخذ الكلمة لتأمين الرأي العام والذي مازال في حاجة أكيدة وملحة لمعرفة الكثير عن هاته القيادات لمشاريعهم السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية. وللعلم قامت مؤسستنا بتفريغ التسجيلات السمعية لكل من السادة مصطفى الفيلالي والشيخ عبد الفتاح مورو ود. المنصف المرزوقي والهادي البكوش واحمد نجيب الشابي، كما سنبدأ قريبا في تفريغ الحوار مع الشيخ راشد الغنوشي ومع Nicolas Beau، وقد تبين لي أن هاته الحوارات جميعها سوف تشكل أول عمل توثيقي دقيق، وهو عبارة عن دائرة متكاملة في حدود 450 ص عندما سجلنا كل نبضات الثورة من خلال التثبت الدقيق لحوار المتدخلين جميعا، إذا أخذنا بالاعتبار أن أغلب ما نشر في الصحف بعد 14 جانفي لا يرقى إطلاقا إلى مستوى شهادات الندوات الموثقة والتي تم تنظيمها بالمؤسسة وتناولت عديد الجوانب السياسية والثقافية والسلوكية واللغوية، بل وأيضا الأبعاد الحقيقية لثورة الكرامة والديمقراطية والنابعة من أعماق الشعب الأصيل، وهي الجوانب المغيبة تماما، وهذا بحكم هيمنة لغة أساتذة القانون الذين لم يساهموا في هاته الثورة من قريب أو بعيد وكان البعض منهم أداة طيعة للنظام السابق من خلال تطويع وقبول كل القوانين البائسة وغير المشرفة للمنظومة القانونية والتشريعاتية لبلادنا والتاريخ يشهد بذلك، ومؤسستنا لمعتزة حقا بهذا الإنجاز التوثيقي والمرجعي الهام. نوجه إذن اليوم النص الكامل للندوة التاسعة مع د. المنصف المرزوقي والتي تم تسجيلها يوم 5 مارس 2011، وهو لعمري نص فريد واستثنائي لمعرفة هاته الشخصية التونسية عندما غيب أعلام بن علي وعتم عليه طوال 23 سنة ومازال هذا التغييب متواصلا حتى اليوم، بعدم دعوته في الإعلام السمعي والبصري. وهو أمر مقرف وبائس ومدان وغير قانوني وضد مبادئ ثورة الكرامة والديمقراطية نفسها وهي التي جاءت لتقطع مع سلوكيات الإعلام السابق. ليتفضل الرأي العام التونسي والمغاربي والمشرقي والدولي بالاطلاع على هذا النص التاريخي والتوقف مليا حول البرنامج السياسي والفكري لد. المنصف المرزوقي وسوف يتأكد أنه أمام أحد رجالات تونس المستقبلين والبارزين والذين يعول عليهم في كل المواقع التي سوف يعمل فيها، كمدافع مخلص عن تونس الحرية والكرامة والديمقراطية والتنمية المتكافئة والمستدامة، تونس المعرفة والثقافة والتسامح والتوافق الحضاري واحترام كل الحساسيات ببلادنا. كما سيشهد التاريخ أن د. المرزوقي يعد من المعارضين السياسيين الأكثر ثقافة وإدراكا ووعيا بحكم قدراته التحليلية التي منحته إياه مهنته الطبية لتحليل المشهد السياسي لوطننا… إليكم النص الكامل للندوة التاسعة : الندوة التاسعة لثورة الكرامة والديمقراطية حول آليات وإستراتيجية حماية مكاسب الثورة مع الدكتور المنصف المرزوقي 5 مارس 2011
د. عبد الجليل التميمي: عمتم صباحا, نفتتح الندوة التاسعة حول ثورة الكرامة والديمقراطية بحضور أحد فاعليها الفكريين والسياسيين وهو د. المنصف المرزوقي. وأنا سعيد جدا أولا بحضور عميد المقاومين التونسيين, سي حسين التريكي الذي وصلنا من الأرجنتين والشخصية التي حكم عليها بالإعدام في العهد الفرنسي والإعدام أيضا في عهد بورقيبة وواكب كل تأرجحات الحركة الوطنية انطلاقا من إنشاء مكتب المغرب العربي في القاهرة وعرف رموزها الفعليين وتعجبني كلمة يطلقها سي حسين التريكي وهي كلمة القديس عندما ينعت الحبيب ثامر نظرا للقيمة الحقيقية لهذا الحكيم, كما أشكر حضور هذه النخبة التونسية بشبابها التطلع إلى الغد وكذا لبقية الحاضرين دون التوجهات السياسية الشبابية.
سي المنصف الجميع يعرف مواقفك منذ 30 سنة وقد لعبت دورا مهما وأساسيا في كشف هذه الجمهورية المافيوزية كما سماها, “نيكولا بو” ومن خلال موقعك على الإنترنت ومن أحاديثك المتعددة والكثيرة, في القنوات التلفزية العربية والدولية, وكذلك نداءاتك المتواصلة الموجهة إلى الرأي العام للشعب التونسي حاثا إياه على ضرورة أن يكون واعيا وأنت بالتالي كنت أحد الفاعلين في تتويج هذه الثورة, والجميع يعرفك بقناعاتك وثوابتك ومدافعتك على تونس, تونس الأخلاق والأمن السياسي والاجتماعي وقد عملت الكثير من جراء وضع الرقابة البائسة والحقيرة التي واكبت كل تحركاتك وأيضا أقلت من الجامعة بطريقة غير مشرفة لكل الجامعيين الذين لم يقولوا شيئا في ذلك الوقت وحيث وجب أن تكون هناك مواقف مشرفة للجامعيين ولكن للأسف لم يتم ذلك واحتضنتك فرنسا باعتبارك رجلا حرا, وتؤمن بتونس قبل كل شيء وتدافع عنها, ورجعت إلى تونس بعد خروج الطاغية واستقبلت في المطار. واليوم نخصص لكم هذا السيمنار وبلادنا تمر بفترة وأحداث سياسية دقيقة جدا ونحن نريد أن نعرف من موقفك كرجل يفكر في مستقبل تونس ما الذي يمكن القيام به للحفاظ على هذه الثورة, كيف نؤمنها من السقوط من العناصر التي بدأت تتسرب للانقضاض عليها, وكلنا ملتزمون بالدفاع عن هذه الثورة, لكن لربما يختلف موقفك وموقعك عن بقية التونسيين, موقعك كرجل ريادي وكلمتك مسموعة في الدوائر الأوروبية وفي دوائر الرأي الحر, بأوروبا, نود أن نعرف هل لك استراتيجيات معينة لمستقبل هذه الثورة؟ هل هناك رؤية أو خطة مستقبلية تبلورت لديك؟ فرئيس الجمهورية المؤقت أعلن عن إنشاء المجلس التأسيسي لإعداد الدستور, وهي هيئة جديدة لتأطير هذه الثورة وللإصلاح السياسي كما قال سي الباجي القايد السبسي. فأين تموقع نفسك يا د. المنصف في هذه الجدلية؟ هل من نصيحة فاعلة وأنت رجل الخبرة الميدانية على الصعيد السياسي الأوروبي مع العلم أن أعدائنا كثر, داخليا وخارجيا. لقد دخل الفساد جميع هياكل الدولة.
نحن نريد أن نبلّغ صوتك واقتراحاتك للشعب التونسي وعلى الشعب وعلى النخبة التونسية أن لا نغيب أمثال المنصف المرزوقي في هذه الجدلية, هذا واجبنا وواجب المؤسسة. لقد اتهمنا بأننا قمنا بدعوة بعض الشخصيات الغير مرغوب فيها, أنا أقول أننا أمناء على الذاكرة الوطنية وعلى الرأي الحر, أمناء على إعطاء الكلمة إلى كل من يريد أن يتكلم ويبني تونس الجديدة, وفي نطاق هذه الرؤية, تعد هذه الندوة التاسعة وقبلها كانت ندوة شبابية قد قمنا بتوزيعها في 28 صفحة. لحوار تم في هذا المنبر ونقلنا ضمنه طموحات شباب الثورة, أرجو أن يقرأ الجميع هذا النص والذي ترجم عن آمال وطموحات شباب الثورة وسنعمل على جمع نصوص كل هذه الندوات في كتاب ليكون سجلا دقيقا جدا لنبضات هذه الثورة.
د. المنصف المرزوقي:
أقدر هذه الدعوة حق قدرها, وربما لاحظ الشعب التونسي أنني مغيب من طرف وسائل الإعلام, وبالتالي فإن وجودي بينكم, له أهمية كبرى وقيمة عالية, على الأقل أستطيع من خلالها أن أبلور الأفكار التي أنا ممنوع من الإدلاء بها, وحتى القناة الوطنية لم تقم باستدعائي ولا مرة واحدة !
أشكركم جزيل الشكر على وجودكم هذا الصباح وأشكر المؤسسة على هذه الدعوة, وأريد أن أضع هذه الثورة المباركة في نسقها التاريخي والجغرافي, أنا عندما رجعت توجهت بكلام إلى الشباب حتى لا يقصوا الشيوخ ويعتبرون ثورة الشباب فقط, واكتفوا بكلمة Dégage وقد قيلت لي شخصيا عندما أنظر إلى شيخ المقاومين حسين التريكي, أقول أن تونس هي عبارة عن تتابع أجيال, جيل قديم ضحى كثيرا من أجل تونس وثمة جيل آخر قام بواجبه أيضا لا أكثر ولا أقل, ثم جئتم أنتم لتتوجوا هذه المراحل وبالتالي فلا فضل لجيل على جيل, فتونس هي تتابع لهذه الأجيال وكفوا عن هذه السخافة, القول بأنها ثورة الشباب لا أنها ثورة شعب بأكمله تتابعت خلاله كل الأجيال وأدى فيها كل الأجيال دوره, هذا
بالنسبة للعنصر الزمني بحيث أن الثورة متواصلة وتتواصل بعد هذا الجيل. أريد وضع هذه الثورة كذلك في إطارها الجغرافي, ما أسمعه اليوم هو الثورة التونسية, الثورة المصرية, الثورة اليمنية, وأسمع مصطلح الثورات العربية, أنا ضد المصطلحين, أعتقد أن هنالك ثورة عربية واحدة في تونس, الثورة العربية في تونس وفي مصر وفي اليمن وفي سوريا وفي الأردن وفي كل مكان, ولا أقول هذا لأنه المعروف عني أنني عروبي وحدودي غير قومي, هي ثورة عربية واحدة, ضد النظام العربي الفاسد المتكون من الأركان الأربعة التي تعرفونها الشخصانية, الفساد, قمع البوليس السياسي والعمل على تأسيس المؤسسات الديمقراطية, هذا هو النظام السياسي العربي الواحد, وبالتالي فالثورة العربية واحدة في أهدافها وهي الإطاحة بهذا النظام واستبداله بنظام ديقمراطي وليس بالخلافة الإسلامية أو بدولة العمال والفلاحين, إذن الهدف واحد, الوسائل واحدة أيضا إذا اعتمدناها في تونس ومصر وفي اليمن مقاومة ميدانية وليست الإصلاح, ثم واحدة أيضا في الشعور العظيم بالانتماء. وأصبحت هذه الأمة تشعر بانتمائها عبر هذه الثورة, وكم أسعدني أن أسمع النشيد الوطني التونسي في اليمن, وهو الدليل على أن الثورة هي ثورة عربية واحدة في أماكن مختلفة. ولهذا أفضل أن أقول أن ما وقع في تونس هي أولا تواصل للأجيال من أجل التحرر الوطني وأنها الثورة العربية في تونس بنفس الأهداف وبنفس الوسائل وبنفس الطبيعة, هذه الثورة بدون صنم, بدون إيديولوجيا, ثورة شعبية, ساهم فيها الشباب وكل الأجيال التي مهدت لها.
أنا كتبت منذ سنوات وقلت إذا كانت قبل القرن 18 الثورة الفرنسية وفي القرن 20 عصر برزت الثورة الصينية والروسية, فإن القرن 21 سيكون قرن الثورة العربية, وأنا سعيد بأن الأحداث صدقت هذا الكلام ويعرفون أن الإنسان يشعر دائما بهذه السعادة عندما تصدق نبوءته وما أكثر النبوءات التي لا تصدق.
نحن إذن أمام الثورة وهذا مهم جدا أن نضع الثورة التونسية في إطارها, يعني أنها الثورة العربية في تونس والتي هي جزء من الثورة العربية التي تقع في كل الأماكن وهذا ضروري للفهم, أن نجاح الثورة في تونس هو رهن لنجاح كل الثورات في الأقطار العربية الأخرى وأذكر أنه عندما حصلت ثورة في مصر, الكل كان منحرفا لأنه إذا ما وقع فشل لا قدر الله في مصر, فإننا سنخسر كل شيء فنجاح الثورة في مصر وغدا في ليبيا, سيدعم هذه الثورة العربية في تونس. الموضوع المطروح هو موضوع سياسي. ما هي الأخطار التي تهدد هذه الثورة وكيف تستطيع مواجهتها, كلنا تونسيون مسؤولون عن نجاح هذه الثورة.
سنبدأ بمكتسبات الثورة, أنا أعتبر أن ما حققته وأنجزته هذه الثورة المباركة في أقل من شهرين, هو شيء لا بد أن نتوقف عنده لأنه لا يستطيع أن نقيس الأخطار ما لم نعرف ماهي الإيجابيات ثم ليعرف ما هي القوى التي ستستعملها لمواجهة الأخطار؟ باعتقادي أن هذه الثورة أرست المواطن وأرست الشعب وأرست الأمة أي إرساء 3 أشياء فإرساء المواطن يعني أن كل النظام الاستبدادي الحقير في كل مكان من الوطن العربي مبني على أساس “رجل كألف وألف كأف”, لأنه لا يوجد في بلد إلا زعيم واحد. وأما هذا الشخص لا وجود لمواطنين ولا وجود لبشر وأن كل ما يمتلكونه من صفات هي صفاته هو.
ما شاهدناه في هذه الثورة هو نهاية هذا النموذج الفكري المتخلف ووجدنا أن التونسيين أحسوا بكرامتهم وتجاوزوا هذا الخوف. إذن الثورة في العقول وفي القلوب وأريت لأول مرة المواطن التونسي وأعطته هذه القدرة على أن نمر من وضعية الرعية إلى وضعية أخرى. وأبرزت هذه الثورة الكبيرة في العقول وفي القلوب, وأعتقد أن هذا الشيء لا يمكن لأي أحد أن يسترجعه. ومن جهة أخرى أرست أيضا الشعب وأنتم تتذكرون ماذا كان يقول التونسيون عن التونسيين منذ زمن غير بعيد, مثل احتقار الذات واحتقار الآخر, ثم اكتشف التونسيون أنه بإمكانهم تكوين شعب ويستطيعون أن يزحزحوا طاغية, الشعب التونسي الذي كان نوعا من الحلم ونوعا من الخيال, تكون في هذه الثورة وبدأ الأفراد الذين كان الاستبداد يحلم بإيجادهم حتى يتمكن منهم والاستبداد لا يتمكن من أي بلد, إلا إذا فتت كل هذه العلاقات الإنسانية, البشرية, العائلية, الجهوية, القبلية. الديكتاتورية تحاول دائما وأبدا أن تفتت كل هذه القوى حتى يتمكن جهاز القمع من مواجهة الأفراد, غياب الأفراد تحولوا إلى شعب وإلى ثورة, هذا شيء عظيم ثم أيضا تكون الأمة تتذكرون أن العرب أصبحوا يكرهون بعضهم البعض أو يحتقرون بعضهم البعض وأن الوحدة العربية انهارت وأصبحت مجرد مذكرة منذ سنين كانوا يسخرون منا عندما يتحدث عن وجود الأمة, ثم فجأة يكتشف أن هذه الأمة موجودة, ويتألم للمصريين ولليبيين. وأن نفس الشعارات تردد في كل مكان, قناة الجزيرة أصبحت تعدل نبض هذا القلب على بعضها البعض, وأصبحت اليوم لا أهتم تقريبا إلا بطبقة ثانوية بما يجري في تونس, بل أصبح عقلي منصب في ليبيا واعتمد أن كلك على نفس المنوال. إذن هذه الثورة أعادت ترسيخ المواطن وأعادت ترسيخ الشعب وترسيخ الأمة.
بالنسبة لي كل ما سنتعرض له من أخطار الآن ومن مشاكل لا يقاس بشيء, الشيء الهام والعظيم والثابت والذي سيكون له تأثيرا في المستقبل قد حصل, الغاية تحققت, الشعور بالانتماء إلى الوطن وإلى الأمة, شعور الثقة بالنفس, تحققت الثورة ولن يستطيع أحد أن ينتزعها منا بحيث يمكن أن نحمد الله على هذه النعمة, وهذا ما يجعلني أقول أنني الآن عندما أتحدث عن كل الأخطار وعن كل المشاكل, فيجب أن ننطلق من شعور القوة, شعور أنه تحقق الشيء الهام والأهم وأن كل ما ستعرض إليه الآن من مصاعب ومشاكل لكن بالقياس إلى ما تحقق, فأنا أعيد وأكرر وهذا ليس فقط لمحاولة إقناع النفس بل هي حقيقة, نحن حققنا أهي شيء وهي ثورة العقول والقلوب, وهي أننا لأول مرة ربما منذ أكثر من 25 سنة, يمكن أن نقول أننا أصبحنا مواطنين وأصبحنا شعبا وأصبحنا أمة وكل ما سيأتي بعد ذلك, هو ثانوي وقابل على التغلب عليه, لأنه بدون هذا الشعور وهذه الثورة النفسية لا نستطيع أن نفعل شيئا, إذن ما دامت هذه الثورة النفسية قد وقعت وما دمنا الآن في موقع قوة نفسية وسياسية, فإننا نستطيع الآن أن نواجه الجزء الثاني من الواقع وهي الصعوبات التي تنتظرنا والمشاكل الكبيرة التي تنتظرنا لكن مرة أخرى نواجهها من منطق القوة ومن منطق الغلبة ومن منطق أننا حققنا أهم شيء في هذه الثورة.
نحن لسنا أول شعب ولا أول أمة قامت بالثورة, الكثير من الشعوب قامت بثوراتها وبالتالي فيجب أن نعود إلى تاريخ هذه الشعوب وتاريخ هذه الأمم لكي نفهم كيف وقعت هذه الثورة, الآن سنكتشف بعض القوانين وهي كلها ليست شارة للأسف من أعمال الشعب ومن وجود البوليس السياسي لأنه أمر طبيعي. لأن من وقعت ضدهم الثورة لا يختفون ولا يتبخرون في الهواء, سيحاولون البقاء وراء الستار ويحاولون استرجاع مواقفهم, أو على الأقل تعطيل مسار الثورة وهذا أمر طبيعي. أيضا من الأمور الطبيعية الأخرى التي نراها في الثورات أن من قاموا بالثورة ليسوا بالضرورة هم من يقنتون بثمارها, أنا أخشى ما أخشاه أن فقراء سيدي بوزيد سيموتون مع فقرهم وسكان المقابر في مصر سيعودون إلى مقابرهم, وإنه في آخر المطاف ربما البورجوازية التي تنتمي لها نحن هي التي ستغنم من هذه الثورة, باعتبار أنه كانت لنا حقوق اقتصادية واجتماعية مضمونة ثم وسعنا حقوقنا إلى حقوق سياسية التي كنت لا نتمتع بها, يمكن القول أن الثورة إلى درجة ما مكنت القوى التي لم يساهم في صنعها من توسيع صلاحياتها, بينما القوى الموجودة الآن في طريق الثورة.
أنا زرت طريق الثورة: تالة, القصرين, سيدي بوزيد, الرقاب, تونس, كل المناطق ومن الممكن أنها لن تحصل على ما دفعت من أجله الثورة وهذه الفكرة يجب أن نحتفظ بها, لأننا عندما نريد بناء هذا الوطن يجب أن نتذكر هذا القانون ويجب أن نقول “لا”, يجب ألا نقبل بهذا القانون ومن قاموا بالثورة هذه المرة, هم الذين يجب أن يتمتعوا بثمارها, المعرفة بهذا القانون جعلنا نعرف إلى أين نتجه.
القانون الثاني, فأحيانا الثورة لا تحقق أهدافها إلا بعد زمن طويل جدا, إذا أخذنا مثل الثورة الفرنسية في 1789 إذ بعد 4 أو 5 سنوات وقع التخلص من هذا الملك, ثم هل تحققت جمهورية الأخوة؟ طبعا لا, جاءهم دكتاتورية أتعس هو Napoléon Bonaparte ليس فقط ملك وإنما إمبراطور ثم ورطهم في حروب ثم بعده لويس 18 ثم شارل 10 ثم نابليون الثالث. والثورة الفرنسية لم تحقق أهدافها إلا بعد قرابة 70 سنة, هذه قاعدة الثورات عندما تحقق أهدافها, فهذا يتطلب الكثير من الوقت.
القاعدة الثالثة هو أن الثورات تدفع ثمنا باهضا, تذكروا الثمن الباهض الذي دفعته الثورة الإيرانية أو الثورة الصينية وهذه جملة من القواعد التي يجب أن نتعلم منها حتى لا نتفاجئ, مثلا أنا عندما يسألونني عن وجود 30 حزب أو 40 حزب أقول أن هذا أمرا طبيعيا, أدرسوا التاريخ وسترون أن بعد انهيار الإمبراطورية اليابانية بين عشية وضحاها وجد 400 حزب, وبعد الثورة البرتغالية كان هناك 80 حزب, إذن كل ما سيتواجهنا الآن هو أمر طبيعي وهي مفيدة للثورة في الواقع, كل هذه الإرهاصات والعنف في الشارع هي من مظاهر الثورة المضادة, ولا يجب أن نعتبر ذلك كارثة.
أيضا نتحدث عن عدم الاستقرار “تعيش فوضى, هذا عادي لأنه هذا ما تعبر عنه بالفوضى الخلاقة”, المطلبية مشتتة وهذا أمر طبيعي بعد الثورة, كل هذه الأمور هي أمور طبيعية ولا أقول صحية, يجب أن نتعامل معها بنوع من الهدوء, وبنوع من الصبر باعتبار أننا لا نستطيع أن نقفز فوق الواقع ولا يستطيع أن نسرع بالزمن ولا بد أن نمر بهذه المراحل, وهذه المراحل قد تكون طويلة, وقد تكون عسيرة وقد تكون خطيرة, لكن أكرر وأقول أن الأهم هو تكوين الأمة والشعب نفسانيا وهذا هو الأهم. كيف يمكن أن نواجه الوضع الحالي سياسيا وفكريا؟ هناك أمل كبير, علقها هذا الشعب على هذه الثورة, أولا هو أن لا نعود أبدا إلى الوضع الذي عشناه وأن نتحقق النظام
الديمقراطي الذي نحلم به وأن نحقق هذه الحريات الفردية والجماعية وأن نضمن للأجيال المقبلة نظاما سياسيا, يحمل هذه الأجيال من عودة حكم المافيا, ومن عودة الاستبداد الفردي, من عودة هلوسة الزعيم الأوحد, وأنتم تعرفون أن بن علي هو نوع من حادث المرور التاريخي الذي مرت به الأمة وبالرغم من أنه كان موجودا بصفة حنينية لنظام بورقيبة لأنه لو لا الشخصانية البورقيبة, لولا حب هذا الرجل للبقاء في السلطة إلى مدى الحياة ولو لا إحاطة نفسه لكل متملق ولولا كل هذه المصائب كلها, لما وصل شخص مثل بن علي إلى الحكم, قد يكون يقطن في حي مشبوه لكن هذا الرجل, بفضل هذا النظام البورقيبي استطاع التسلق وأن يصبح وزيرا للداخلية, ثم رئيسا للحكومة ثم رئيس الدولة. إذن حماية الأجيال المقبلة من مثل هذا النظام, هي المسؤولية التاريخية الملقاة اليوم على عاتق الثورة, وهذا يطرح إشكالية مرحلية, وهي مواجهة أعداء الثورة وهو الآن البوليس السياسي القائم بوزارة الداخلية, والتي يجب تطهيرها, أنا قدمت البارحة قائمة بأسماء الجلادين على صفحات الفايسبوك الموجودين الآن بوزارة الداخلية لأنها وكر من أوكار الدكتاتورية وهي خطر مسلط على شعب ظالم وإذا لم تطهر وزارة الداخلية فليس لنا أي أمل.
أنا أعتبر أن وزارة الداخلية هي عبارة عن Bastille. tunisienne أنا أقول أنه يجب أن يحوّل هذا المبنى ساحة خضراء ونصب للشهداء, هل تعلمون أن غرف التعذيب لا تزال موجودة في هذه الوزارة؟ وهل تعلمون أن هنالك سجنا مضيقا, هذه البناية هي رمز للفساد والتعذيب وعليه وجب إيجاد حل للبوليس السياسي نحن نطالب بحله وإحالة رموز الفساد الكبرى رموز التعذيب على المحاكمة.
اليوم في مصر وقع حل البوليس السياسي, لذلك يجب إحالة رموز التعذيب على المحاكمة وإن لم يفرض الشعب التونسي هذا الحل, فإن الخناجر ستكون موجهة إلى ظهورنا وأنا أكمل مسؤوليتي في هذا الكلام, أعرف أنني قد أكون مهددا في حريتي أو في حياتي. وهنا يجب أن تكون القوى السياسية في هذه الحكومة للقيام بهذه الإصلاحات ثم التبرع لفرض هذه الإصلاحات إذا ما تطلب الأمر, طالما لم يقع تطهير هذه الوزارة فليس هناك أمل, إذن الخطوة الأولى تطهير وزارة الداخلية يمكن أن يجعل منها متحف تضع بها آلات التنصت الداخلي التي يتنصتون بها على الشعب.
ذهبت أنا و عبد الرؤوف العيادي, أول البارحة 3 مارس 2011 للسيد الوزير الأول, وقد شاطرنا الرأي هو نفسه مهدد والشعب التونسي مهدد, من هذا الوضع السياسي الذي يجب أن يستقر وأنا أعجبني كلام الشباب في القضية عندما قالوا نحن نعلق الاعتصام, إذا هم علقوا وإذا عادوا عدنا, يجب الانتباه للتخلص من ثلاثة أخطار التي تهددنا. فالخناجر في ظهورنا وهي البوليس السياسي والمافيات, التي تركها الطرابلسية وRCD, هذا التجمع اللعين الذي يجب أن يختفي نهائيا, لأنه وصمة عار في تاريخ الأحزاب ولا تجمع ديمقراطي وإنما تجمع كل ما هو فاسد, لا علاقة له حتى بحزب بورقيبة, وحزب بورقيبة لا يمكن إعادة بنائه, الحزب الديمقراطي هو حزب مافيوزي أكثر منه حزب سياسي, هذا الخطر الأول.
أما الخطر الثاني فهو عدم الاستقرار, حكومة محمد الغنوشي وترددها وضعفها ومحاولاتها اليائسة للإبقاء على النظام البائد عبر خمسة وزارات ثم عبر تسمية الولاة والمحافظين, كل هذا كان جزءا من عدم الاستقرار. ونحن نعتقد أن وجود حكومة لها الحد الأدنى من المصداقية يمكن أن تلعب دورا في تهدئة الشارع وفي عودة الناس إلى العمل, والشعب لن يرجع إلى العمل إلا بعد أن تصفى القضية الداخلية, وهذا يتطلب وجود حكومة قوية فعلا يستطيع أن تواجه هذه الفلول وبدون هذه الحكومة القوية وهي لا تكون قوية إلا بشرعيتها, إلا بجسارتها وجرأتها على هذه الفلول, فإنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار وسنواصل المظاهرات وأخشى ما أخشاه أن تتعمق الأزمة, إذن الحكومة القوية يمكن أن يستعيد ثقة الشعب وفتح الآفاق وفق ما نستطيع أن نحدد مسار توجهنا.
النقطة الثالثة والتي أعتبرها مهمة جدا في قضية الحفاظ على الثورة, هو أن هذه اللجان الشعبية ومجلس الثورة الذي وضع, وكل هذه المؤسسات التي وصفها الشعب يجب ألا تختفي ولا تضعف ولا تضمحل, لأنها في آخر المطاف هي الضامن الوحيد لمواصلة الدفع حتى نستطيع مواجهة هذه الثورة المضاءة بغض النظر عما سنضع في المستقبل من آليات قانونية, دستورية فإن وجود هذه الديمقراطية القاعدية إن صح التعبير بالنسبة لي, هي أهم شيء للحفاظ على الثورة, يجب أن نجد صبغة قانونية لإعطاء نوع من الوجود القانوني لكل مجالس الثورة الموجودة الآن على الأرض في كل مكان.
وهذه المجالس هي في آخر المطاف الضمان الوحيد لكي لا تنتصر الثورة المضادة على الثورة, لأنه مهما وصفنا من آليات, في آخر المطاف وعي المواطنين وتشكلهم في هذه اللجان القاعدية والممارسة القاعدية الجديدة للديمقراطية هي التي ستحيي النظام الديمقراطي لا يجب أن نقول؟؟؟ وأننا سننشأ برلمانا أو نظاما رئاسيا, ثم سيكون هناك ديمقراطية, أقول لا, الدفاع عن الثورة هو أن يكون هناك نسيج اجتماعي كثيف من مؤسسات المجتمع المدني, من الأحزاب من المؤسسات المختلفة العلمية ووجود هذه المجالس, مجالس حماية الثورة في كل مكان وأتمنى أن تصبح هذه المجالس حتى بعد استتباب الدولة الديمقراطية, أن تبقى موجودة وأن يكون لها دورا في محاربة الفساد, دور في مراقبة الخطأ الذي يمكن أن يأتي من سلطة موجودة على الأرض, تصوري للمستقبل هو أن المجتمع الديمقراطي الذي يجب أن نبنيه يكون موجودا على طريقتين متوازنين, الطريق الأول هو طريق المؤسسات المعروفة, البرلمان, الحكومة…, وطريق ثان مواز له يلعب دور المراقب ويكون ممثلا في هذه المجالس الثورية, التي لا يجب أن تختفي وإنما يجب أن تتغير لتصبح مجالس منتخبة, مهمتها هي مراقبة الفساد, مراقبة الشطط, مراقبة التعذيب, مراقبة الأخطاء وأن يكون دائما وأبدا هناك جسر بخطين متوازيين وإلا فإن الخط الأوحد الذي يمكن أن نتصوره حتى ولو كان ممثلا أنا أعتبره أنه لا يكتفي للحفاظ على الثورة ولمنع الانزلاق التي يمكن أن تحصل في كل سلطة.
الآن القضية الكبرى التي ستطرح هي قضية المجلس التأسيسي الذي استطعنا في آخر المطاف أن نفرضه على النظام, وهذا المجلس التأسيسي ضد الموافقة على القيام به يوم 24 جويلية, أنا أتمنى أن تكون العملية أسرع ما يمكن, لأن المجلس التأسيسي سيقوم بتسمية حكومة, ثم هذه الحكومة ستدخل في إصلاحات وستدعو إلى انتخابات برلمانية ورئاسية. والمهم أن هذه العملية ستستغرق وقتا طويلا, يجب أن ننتبه إلى أننا سنعيد البناء على خراب, لأن بن علي ترك لنا القضاء في حالة خراب, الأمن, الاقتصاد, التعليم, كل هذه المؤسسات تتطلب الدخول في عمليات إصلاح قد لا تؤتي أكلها إلا بعد 20 أو 30 سنة من إعادة بناء التعليم الذي هو يمثل أكبر مصيبة في هذا البلد, لأن ثورة تونس تتجسد في التعليم, وإصلاح كل هذه القطاعات يتطلب وقتا وحكومة قوية وشرعية, إذا ما بدأنا في هذه الإصلاحات, هذا غير ممكن, إذن للحفاظ على هذه الثورة يجب الإسراع في عملية الإصلاح السياسي وأتمنى شخصيا أن يدعى المجلس التأسيسي في فترة لا تتجاوز شهرين, أن يصدر دستورا جديدا في فترة لا تتجاوز شهرين, أن تدخل بداية من شهر أكتوبر في عملية البناء والتأسيس ابتداء من حكومة شرعية, حكومة قوية, برلمان قوي, أيضا مؤسسة رئاسية تمثل شرعية متواصلة للدولة. بالرغم من كل شيء, نحن بدأنا في هذه الإصلاحات ورغم البطء فإن المجلس التأسيسي سيعيد تكريس حقوق المواطن وسيعيد تكريس سلطة الشعب لأول مرة. والآن القضية التي ستطرح حسب رأيي هي ما نوعية الدستور وما نوعية النظام السياسي الكفيل بحماية الثورة, لا أعتقد أنه سيكون هناك خلاف كبير في قضية الدستور, ربما جزء من اليسار سيطرح قضية البند الأول, تونس دولة دينها الإسلام ولغتها العربية.
لا أعتقد أنه سيكون نقاش عبثي, لأن الشعب التونسي يرغب في الإبقاء على هذا الفصل, ثم بعد هذا لا أعتقد أنه سيكون هناك خلاف في المجلس التأسيسي حول الحريات العامة, بل على بالعكس أعتقد أن الناس ستتزايد على بعضها البعض وحسبما تفعل عندها تضمن كل الحريات وكل الأمور وخاصة المساواة من الجنسين, كل هذا سيكون من السهل إدراجه في الدستور لأنه لا يمكن أن يكون هناك خلاف حوله, وأعتقد أن كل الناس ستلغي تلك الجملة الخبيثة, الدستور يضمن الحرية, بما ينظمه القانون, لأنها من أخطر الجمل, وبالعكس ربما ستضيف في الدستور مهمة القانون هو إيصال الحقوق إلى أصحابها وليس التضييق عليها, وكل ما من شأنه منع وصول هذه الحقوق إلى أصحابها فهو مناف للدستور. يجب أن تكون هذه الجمل واضحة جدا في الدستور بحيث سيقع الاختلاف في قضية النظام السياسي, هل سيكون نظام برلماني أو رئاسي, هنا أنا كتبت مقالا صدر في الجزيرة نات, أقول فيه نحن لم نقم بتجربة نظام رئاسي وإنما نظام دكتاتوري, مثل ما عشنا في جمهورية مزيفة وإنما في جملكية, بحيث لا يستطيع أن نقول بأننا كنا في نظام رئاسي, هنا سيقع نقاش بين الأطراف حسب رأيي في المجلس التأسيسي وكل شخص “عندو شيطانه في جيبه”, تصور بعض الأشخاص الذين يريدون الوصول إلى الرئاسة سيحاولون إبقاء أكبر قدر ممكن من السلطات لرئيس الجمهورية, بعض الأطراف السياسية التي تعتقد أنه يمكن أن تحصل على رأي الأغلبية في البرلمان فإنها ستطالب بالنظام البرلماني بالأغلبية.
بعض الأحزاب التي تعلم أنها لا تستطيع أبدا الوصول إلى الرئاسية ولا إلى الأغلبية البرلمانية ستطالب بالاقتراع النسبي . النظام السياسي المثالي لا وجود له, كل نظام له سيائته وله حسناته سنحاول أن نقدم سلبيات وإيجابيات النظام الرئاسي, كما هو موجود في أمريكا. وفي فرنسا حسنات وعيوب النظام التمثيلي بالأغلبية حسنات وسيئات النظام بالنسبية, ثم سنحاول أن نطرحه على هذا المجلس التأسيسي ما نقول أنه بالمهم ليس خدمة هذا الحزب أو خدمة هذا الشخص وإنما خدمة المصلحة الوطنية كيف تستطيع أن نخلق نحن كتونسيين, كما خلقنا ثورة أدهشت العالم, نظاما سياسيا, يضمن الاستقرار ويضمن الديمقراطية ويضمن الفعالية ويوزع السلطات ويحمي الشعب من عودة الاستبداد, ابتداء من تجارب الشعوب, فانطلاقا منها سنستعمل عقولنا وسنكشف صيغة جديدة للنظام السياسي, ولسنا بالضرورة نطبق وصفة جاهزة في هذا البلد أو ذاك, أن تمتثل لهذه الوصفة أو تلك, ابتداء من مصالحنا الذاتية, هذه ستكون “خارطة الطريق”, سأختم بكلمة الذي يقول لا يوجد خطيب مفوض يتكلم أكثر من عشرين دقيقة إلا وأثار في نفوس مستمعيه نية القتل.
أتمنى أنه في شهر أكتوبر سيكون لنا حقيقة نظام سياسي ودولة تستطيع أن تدخل على إصلاحات, علما وأننا سنعيد بناء هذا البلد, وبالنسبة لما حدث وما سيحدث في البلدان العربية, فلي أمل كبير بأننا ستنجح في إرساء هذا النظام الديمقراطي في تونس, أنا لي زيارة إلى الدوحة وسأسعى مع بعض المثقفين للتفكير في قضية الاتحاد العربي لأنه عندما تنهار الديكتاتورية مثلما حدث في أوروبا, استطاعت أوروبا أن تتحد بانهيار الديكتاتورية. مشروع الاتحاد العربي كان مجمدا لأن الدكتاتوريات العربية لا تتحد لكن بانهيار الدكتاتوريات العربية, فإن الفضاء ستنفتح فقط لوجود الديمقراطية في كل بلد, وإنما في جميع الدول العربية وسيجدد الحكم العربي, وأنا قلت بأنني عروبي وحدوي, وليس قومي لأن فكرة الوحدة العربية بالشكل البعثي أو الناصري القديم, ذهبت مع الاستبداد.
ترون أن الآفاق قد فتحت فجأة والحائط قد أزيل, الحائط انهار, والماء تدفق. القضاء مؤسسة خربت شأنها شأن كل المؤسسات وحتى يكون القضاء نافعا ونزيها, فيجب تطهيره, قضاة يجب إحالتهم على التقاعد وآخرون إحالتهم على المحاكم, حتى يقضوا بقية أعمارهم في السجون, بعد ذلك يجب هيكلته في إطار الهياكل الأخرى, والحكومة الوطنية المؤقتة هي التي تستطيع القيام بذلك. للأسف لا الحكومة الحالية ولا الحكومة الانتقالية التي يمكن أن تسميها المجلس التأسيسي تستطيع القيام بذلك, لذلك يجب أن يكون لنا بسرعة نظاما سياسيا فعالا, بالنسبة لي حكمي على القضاة هو حكم قاس, هم مسؤولون على التدهور الأخلاقي والأمن والعدلي والحضاري في هذه البلاد أكبر من مسؤولية البوليس السياسي
وفيما يخص علاقتي بالنهضة, أنا الآن في الفايسبوك هناك من يتهمني بأنني “خوانجي” ملحد, بارك الله في أصدقائي اليساريين الذين كانوا يذهبون ورائي في فرنسا ليقولوا لكل أصدقائي الفرنسيين “المرزوقي إسلامي,؟؟؟ ثم بعد ذلك يتهمونني بالإلحاد والمناداة بهجرة الجوامع للمساهمة في الثورة, في التسعينات كان الناس يقولون نحن كنا يساريين علمانيين ديمقراطيين عروبيين, فخار يكسر بعضه, فلنترك السلطة تخلصنا من الإسلاميين, انطلاقا من مبدأ حقوق الإنسان, نحن لا نقبل ذلك قلنا كديمقراطيين الديمقراطية لا بد أن تكون لعبة سياسية بين أطراف سياسية حقيقية, إذن هؤلاء الناس موجودون على الساحة فلهم الحق في العمل لم نخرج أبدا عن هذا الموقف.
الآن هو جزء من العمل السياسي ماداموا يقبلون الديمقراطية, الدستور, الحرية, الحداثة والمساواة بين الرجل والمرأة والتي كانت بالنسبة لنا خط أحمر وليس خطا عقائديا هو خط سياسي أنت مع الديمقراطية أو ضد الديمقراطية من هم ضد الديمقراطية سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين, أنا ضدهم ومن كانوا مع الديمقراطيين, أنا مستعد للتعاون معهم. قضية أحداث ليبيا هي كارثة, كنا نريد أن تكون الثورة العربية ثورة مسالمة, ومدنيه وهذا ما وقع في مصر وتونس, هذا ما أتمنى أن يقع في سوريا, المشكلة أن السفاح في ليبيا جعل من الثورة السلمية حربا أهلية, وهذه الموجه بشكل خطير كبيرا, نحن لا نستطيع إلا أن نتعاطف مع إخواننا الليبيين, أنا سعيد وفخور بهذا التعاطف الموجود بكل القوى, وهذا شيء يشرفنا, وقد كنا رأينا الإخوان الليبيين تأثروا جدا بهذا الموقف وهذا يدل على حضارة شعبنا, ويجب أن نبقى منتبهين إلى أن نخلص هذا الشعب من الدكتاتور المجنون. ثمة صديق قال لي بأن هذا المجنون على الأقل خدمنا في شيء, قد أظهر إلى كل من ينتظر دوره بأنهم حتى لو استعملوا ما استعمله القذافي فهذا لن ينقذهم ولهذا يجب ترك الباب مفتوحا لأن نابليون يقول يجب أن تصنع قنطرة من ذهب للعدو الذي يفر, والاستراتيجية الصينية تقول يجب أن لا نحاصر العدو من الجهات الأربعة, حاصره من جهات ثلاثة, اترك له منفذا.
القذافي كان من المفروض أن يترك له منفذا لكي يرحل, لكنه أغلق على نفسه على الأقل كل الأبواب الديكتاتورون العرب الذين ينتظرون دورهم للمرور إلى مأصلة التاريخ على الأقل يفهمون أنه ليس بالضرورة إعادة النموذج السيء بل ليفتحوا بابا ليرحلوا منه وبالتالي ما أدعو إليه يجب أن تدعو في سوريا, في اليمن, في البلدان التي لم تحقق بها الثورة العربية, تقول اتركوا بابا لخروج هؤلاء الناس حتى لا يتكرر المشهد الليبي الذي أتمنى أن يكون الشاذ وليس قاعدة فيما بقي من الثورة العربية.
د. عبد الجليل التميمي:
شكرا لك د. المنصف على الطرح الجيد ونعتقد أنك من الأناس الفاعلين في بناء مستقبل تونس بهذه الاقتراحات البناءة والواضحة ونأمل أن تساهم من قريب ومن بعيد في بلورة المستقبل السياسي لتونس وأن يكون لك كلمة في جميع الأجهزة وأن تمنح لك أيضا فضاء في التلفزة الوطنية لكي تعبر عن آرائك واجتهاداتك وقناعاتك السياسية وهذا ما يمتلك من الاتصال بالرأي العام التونسي على اختلاف مشاربه فالجيل الجديد يحتاج إلى مثل هذا الطرح الفاعل في ديناميكية التحولات الجديدة للمشهد السياسي ببلادنا, بطبيعة الحال نحن نركز دوما على الحوار بين الضيف وبين الحاضرين وأعطي الكلمة للحاضرين لإلقاء أسئلتكم:
زيادة:
نشكرك على مداخلتك, أنت قلت أنه ممنوع من الظهور في التلفزة أو الإذاعة, ثمة وسائل أخرى يمكنك الظهور مثل الفايسبوك الذي يشاهده قرابة 2 مليون شخص, وتود لو أنك تقوم بتصوير فيديوات وتنقل داخل ولايات الجمهورية وتقوم بالتوعية بهذه المخاطر وطرق التصدي لها؟ هناك فيديو أنت قمت بتسجيله تقول فيه بأنك لا تحب الإسلاميين وقد ألقي عليك كثير من اللوم من طرف الكثير من الناس. أنا شخصيا مازلت مترددا بين النهضة والحزب الذي تنادي به؟
البشير بن سلامة: أنا أقوم بتعليقات على مجمل ما قاله سي المنصف المرزوقي, أولا أنا أتابع كل السمينارات في هذه المؤسسة لأني أجدها الملجأ العلمي لأقول الكثير من الأشياء التي لا يمكن أن أقولها في مكان آخر, أنا منذ سنة 1986 لم أظهر في التلفزة ولا في الإذاعة, وأصدر كل سنة كتابا, ولكن لا يقع الحديث عن ذلك, لكن الموضوع خطير والذي أعتقد أنه يلتقي مع يقوله الأستاذ المرزوقي وكيف يمكن أن يبقى على هذه الجدولة الثورية بدون ثقافة, الثقافة مغيبة في تونس بأتم معنى الكلمة, وقبل كل شيء هي قيم ثقافية وأنا ناضلت كثيرا من أجل تنظيم فئة ثقافية وأنا عندما تولت وزارة الثقافة دعيت إلى قمة ثقافية وربما يستطيع إقناع الرؤساء والملوك العرب بقيمة الثقافة ولكن لا وجود لم يسمعك. وهناك فكرة سأطرحها قريبا هي فكرة إنشاء برلمان للمثقفين, السلطة الرابعة التي يحصرها البعض في الصحافة والكتابة فقط, بينما هي سلطة المثقفين كلهم, القيم الثقافية ويجب أن تدرج في الدستور كسلطة رابعة وتنظم وأنا طرحت منذ 1990 هذه الفكرة, أنا أكتب في كل مرة ولم ينقدني أحد إيجابا أو سلبا, ما عدا وزير الثقافة قال لي في لجنة عندما ذكر البعض بمشروعي الثقافي قال “هذاك قاعد يخرّف”. لذلك إذا لم ننظم هذا البرلمان للمثقفين الذي يجب أن يضم أشخاصا منتخبين من الجمعيات الثقافية الكبرى والتي هي نفسها تحرص على المخططات الثقافية وتحرص على القيم الثقافية فإنه لا يمكن لنا أن نتقدم ولا خطوة واحدة.
محمد الهواري:
شكرا سي المرزوقي, وأنا أوافق على النقاط التي قمت باقتراحها كلنا يجب مراجعة أفكارنا والتحليل ووجود حلول لتجنب ما وقع, ونحن نتحدث عن الثورات الفرنسية والبلشفية, لكن ليسوا الوحيدين, ثمة ثورات أخرى, وهي ثورة قريبة منا كثيرا ولم يتحدث عنها أحدا وقد شهدوا تكتلات مثل الذي حدث في إسبانيا, والذين استطاعوا التخلص من الديكتاتورية, الثورات ليست كلها دموية, دائما نقول لا يجب أن تكون الثورة هكذا لأنه كلنا لنا نموذج للثورة. النقطة الثانية أوافق تماما ما ذكرته, بخصوص إنقاذ الثورة. أظن أن هناك جانبا اقتصاديا لم يتحدث عنه, وهذا المتعلق بالجانب الاقتصادي الذي غيب وحتى الذين يتحدثون عنه يطلقون عليه تسمية “فزاعة”.
فتحي التريكي:
أريد أن أبدأ بنفس الشيء الذي قاله سي الهواري, مسألة غياب الجانب الاقتصادي في الإطار السياسي, حسب رأيي هو نوع من النقص يمكن أن يؤثر سلبا على خطاب رموز المعارضة وأنا أؤكد على نقطتين, أولا هي مسألة توعية الاتحاد العربي, بالفعل يمكننا الانطلاق لا على أساس القائم المشترك, اللغة والدين والثقافة, ولكن على أساس المصالح الاقتصادية وهي كبيرة وهامة والنظام الاقتصادي الموجود الآن يحاول تغييبها وتشتيتها, في حين أننا اليوم في عصر التكتلات, النظام الموجود بصدد خلق تكتلات تؤثر على المؤسسات العملية, ليشتت المجهودات وهنا أريد أن أذكر الإخوان أنني تلقيت هذه الأيام نصا بالأنقليزية كتبه جوزيف؟؟؟ وهو اقتصادي متحصل على جائزة Nobel 2001, وفي ترجمته إلى الفرنسية هو يمجد ثورة الديمقراطية التونسية ويرى أنها نمط يقتدي به العالم, ومن خلال سينقد النمط الديمقراطي الذي من خلاله يسيطر على 1% من الناس على 1/4, ثورة البلاد والآن جوزيف قد ظهر على الساحة في ظل الديمقراطيات الجديدة, أنا أقترح أن تضم اقتصاديين وسياسيين نفكر في نمط السياسي الاقتصادي الذي يضمن إعادة بناء الدولة.
النقطة الثانية التي أريد التأكيد عليها سي المرزوقي, تتداول على المسامع أن سي المرزوقي قدم إلى تونس وفي نيته الترشح للرئاسة, إذا كانت صحيحة فأنا أعتب عليك. بالعكس أنا احترمت المعارضة التي لم تدخل الحكومات المؤقتة, لأنهم فهموا أن مكان المعارضة ليس في الحكومة, ولكن على مستوى الشعب والتهيؤ لأرضية للحياة الديمقراطية للأسف إلى غاية الآن لم نضعها على السكة. وسؤالي ماهي فكرتكم للربط بين الاقتصاد والسياسة في النمط الذي يمكن أن يمثل نموذجا يحتذى به.
أجوبة د. المنصف المرزوقي على القسم الأول من التساؤلات التي طرحت عليه:
السؤال الأول يتعلق بالفايسبوك, أنا اكتشفت أنه سلاح ذو حدين, قد تجد أشياء تعجبك وأشياء لا تعجبك, تضم خاطئة, أعتقد أنه لا يمكن أن نستسلم بسهولة وبسرعة, أنا أعتقد أن هناك مسائل تتطلب إعادة قراءة من طرف الشباب يفكر ويناقش الفايسبوك, لا يمكن أن يكون المدرسة أو لنقل المدرسة الوحيدة. ربما أنا لدي موقف “رجعي” لكني مازلت أؤمن بالقراءة والكتابة, يجب أن تعرف ما هو الحل الوسط الذي تتجاوب مع مطالب الشباب والناس ومواجهة الدكتاتوريات, لأنه ليس بالضرورة أن أرد على كل كلمة, ليس بالضرورة في أن أدخل في منطق سؤال وجواب, أنت شاب يجب أن تبحث وتخرج من هذا الاستهلاك السريع.
فيما يخص مسألة تغييب الثقافة وبرلمان المثقفين, لكن أنا أريد أن أسألك سي البشير ماذا تقصد بالمثقف؟ هناك الأطباء وهناك الأساتذة, ثمة المبدع والكاتب والمفكر, هل هؤلاء مثقفون؟ هل أن يكون المبدع هذا يعطيك صفة مثقف, بالنسبة للمثقف هو مبدع وملتزم بقضايا اجتماعية وسياسية, وبدون هذا الالتزام بالقضايا الأخلاقية للمجتمع, فأنت لست مثقف, أنت تقترح برلمان مثقفين كم يوجد من مثقف في تونس 5 أو 6, نحن عندما كنا نناضل ضد التعبير. الإنسان الذي يسخر علمه وثقافته من أجل المبادئ ويستعد لدفع الثمن, وأنتم تعرفون أن Victor Hugo دفع الثمن وVoltaire دفع الثمن, ليس هناك مثقف يقف ضد الاستبداد ولا يدفع الثمن, إذن الثمن الباهض والالتزام السياسي مع وجود قيمة علمية هو الذي صفته هو المثقف إذن, أنا أستبعد موضوع برلمان المثقفين.
أنا للأسف الشديد أعتقد أن العصابات المفيبوزية التي حكمت البلاد كان هناك صمت كبير جدا ومخيف ومريب, ليس هناك بحث في الأسباب, أنا أطلب أن يقع التساءل حتى نؤمن الحلول, ونكون مستعدين لاحتمال عودة الدكتاتورية, عصابة تمتص وماء هذا الشعب وآلاف الأشخاص تحت التعذيب والأساتذة الجامعيون محاصرون, وهذا عار.
بالنسبة للانهيار الاقتصادي, قد نهب وكانت تونس من قبل على هذه الحالة 20 أو 30 % من PIB لتونس قد سرق أن نهب, اليوم عندما نقول أن الاقتصاد متدهور وينهار أكثر أقول لك ليس بالضرورة يجب أن نتريث ونأخذ الوقت الكافي لحل المشكلة السياسية, لكي نتمكن فيما بعد وضع الاقتصاد على أرضية صحيحة, لأن الاستقرار الشكلي الذي كان موجودا في تونس لأن المعركة الحالية هي معركة سياسية, قبل كل شيء يجب فرض مجلس تأسيسي لكي نفرض الدولة الديمقراطية الجديدة, يجب أن نتخلص من فلول الاستبداد, إذن عندما نستطيع حل المشكل السياسي فكل القطاعات الأخرى سوف تحل أيضا.
بالنسبة لمسألة الترشح للرئاسة هذه قصة ويل للمصلين, نفس الشيء الذي فهمه الناس عندما طلبت من الناس عدم الذهاب إلى الجوامع, بل أن يجوبوا الشوارع, وفهم الناس أني ضد الإسلام, المقولة كانت بسيطة, الشيء الحقيقي هو ضرورة مقاومة الاستبداد وهذه هي الفكرة, وعمر بن الخطاب أتى فوجد الناس تصلي بالجوامع فقال لهم, “اخرجوا للجهاد”, الغاية من قوله هو أن الجوامع لا يجب أن تكون ملجأ للهروب من الديكتاتورية, وإنما يجب أن تكون جزءا من محاربة الديكتاتورية, لأن الهاجس الوحيد اليوم هو تخليص الشعب من هذه الآفة, وهذا المقصود من كلامي, فلعب المقص دوره وأصبح القول بأنني أرفض الجوامع.
نفس الشيء وقع بالنسبة لمسألة الترشح للرئاسة, والمشكلة أنني لم أصدر بيانا, سألتني الصحافة, قالوا لي أنت ترشحت للرئاسة سنة 1994 في وقت بن علي, وفعلا كان ترشحي استفزازيا, وقد أدخلت بعده للسجن ولو لم يخرجني منه Mandela لبقيت إلى اليوم. وسألوني عن الانتخابات في 1999, وفي 2004 وفي 2009 سألوني لماذا لم أترشح قلت لهم, كيف أترشح هذه مهازل انتخابية, هناك بعض السياسيين المحترفين يريدون القيام بالإشهار عندما سألوني في 25 من الشهر الماضي هل سأترشح للرئاسة؟ قلت نعم إذا ما استعاد الشعب سيادته ووقع إنشاء دستور جديد, وأصبح كل الأشخاص لهم الحق في الترشح فسأترشح, ماهي المشكلة إذن؟ لماذا تريدون أن أجيبكم بنوع من النفاق والكذب مثلما يفعل البعض؟ يقولون نحن مازلنا نفكر بينما هم دخلوا الحكومة المؤقتة على ذلك الأساس,. أنا لا أسحب شيئا من هذه الكلمة وهذا هو رأي, الترشح للرئاسة هو من حقي ومن حق كل المواطنين.
منصور عيوني:
أنا أصيل منطقة الرقاب كنت محظوظا أنني عايشت هذه الثورة منذ بدايتها على مستوى ميداني قبل أن تنتشر في جميع المناطق التونسية, أنا ناشط على الفايسبوك ومقيم بتونس العاصمة وبالتالي كان لي الحظ للمشاركة في فعاليات الثورة في تونس العاصمة. سي المرزوقي أنت لم تستطع أن تضع على الفايسبوك لمدة 5 دقائق أشياء في الوقت الذي كنا نحن مطالبون في دقيقتين بها يطرح أسئلة تغلي في رؤوسنا.
أولا أريد من الدكتور المرزوقي وللتاريخ أن أقول شيئا مهما جدا وهو أن الدكتور المرزوقي لم يكن شخصا غير مرغوب فيه في الرقاب وفي القصرين وحتى في اعتصام القصبة, الأشخاص الذين تحركوا للقيام بحركات معارضة وتم تصويرها, هم أناس مندسون. هذه مسألة أريد تأكيدها لكل الناس. ما أطرحه على د. المرزوقي هو إشكالية مقبولية, صحيح أن الشباب ليس له رغبة واستعداد ليبذل وقتا كبيرا ليستمع إلى طموحات والتي تمثل أمرا لازما, ولا بد منه لكن هناك نوع من المقبولية على مستوى طريقة الخطاب, كيف يستطيع الشخص “تسويق” نفسه حتى على مستوى الخطاب لأنك عندما تتحدث عن عدم أهمية الفايسبوك قد يذهب البعض إلى تصور أنك إنسان رجعي.
النقطة الثانية, موضوع الندوة الحالية بعنوان “آليات واستراتيجية حماية الثورة”, أنا أطرح الكثير من المستويات بخصوص الصعوبات, أولا: يجب أن نعرف إن كان ما يتحدث الآن وما عشناه هو فعلا ثورة أو انتفاضة؟ ثورة شهرين أو ثلاثة أو هي ثورة 20 سنة, يجب أن تحصل في الرأي على مستوى العقل, أنا قمت برسم مبسط يتضمن مكاسب الثورة, ثم الثورة في حد ذاتها الإطار الثقافي العام, وعي الثورة, سي البشير بن سلامة أشار إلى هذه النقطة, حسب رأيي فإن الاستراتيجيات لا تأتي على مستوى المكاسب. الاستراتيجيات يجب طرحها على المستوى الثقافي العام, ما الذي يجب القيام به في هذه الفترة كي يشكل الوعي ونتقرب من الشباب الذي كان يمثل النواة, نساعده على فهم تاريخ بلاده, ومن زاوية أخرى وليس كما كتبتها الكتب وكيف نجد النفس لمواصلة هذه الثورة, إذا كنا هناك سقف فالإستراتيجية على مستوى ثقافي فأولا وثانيا ليس استراتيجية فنحن ننتظر استراتيجيات, سيناريوهات لاستراتيجيات, لأننا كشباب لم تتشكل لنا رؤية واضحة وبالتالي إذا ما توفرت 5 أو 6 أو 7 استراتيجيات أسهل بالنسبة لنا لكي نجد الاختيار. النقطة الثالثة: الأفكار التي قدمها الدكتور المرزوقي هي أفكار ثابتة جدا, أنا كشاب, هذه النقاط تجيب على تطلعاتي, فنحاول أن نربح هذا الشباب المتعلق ببعض الأشياء وقد تطرق إلى هذه الأشياء بطريقة مباشرة, ونحن سنقوم بتغطية هذه الاقتراحات على صفحتنا, حتى يحس الشباب بأنه توجد أشياء لا نستطيع نحن التعبير عنها, ويتطرق لها الجيل الذي سبقنا بحكم خبرته والإحساس بالقوة وهو أننا حققنا ثورة لا توجد ثورة في العالم, نتواصل بدون أمل, الثوار قاموا بثورتهم لأن لهم يقين ولهم سيكولوجيا عالية, نقطة هامة جدا, ثورة قلوب وعقول, ثورة نفسية, أنا عندما أرى أن ثورتنا هي ثورة عقول وثورة ذكاء, النموذج التونسي ليس هو نفسه النموذج المصري, الذي به شعبية كبيرة ولهم ثقل, نحن ليس لنا شعبية كبيرة وكانوا يخرجون في الشوارع وفي شارع الحبيب بورقيبة أعداد محدودة. عندما أقول أنها ثورة عقول وهذا يعني أننا نستطيع المواصلة, حتى لعشرين سنة قادمة, إذا ما ربطنا بها بالأحداث الحالية وبمطالب المرحلة فإنها ستنتهي بسرعة.
أنت قلت أن أكبر كارثة هي التعلم, هذا صحيح ومقاربة بالكفاءات التي صنعها لنا وقاموا ببيعها لنا, أنا حسب رأيي يلزمنا مقاربة جديدة للتعليم بالكفاءات وليس ولا يجب أن ينشأ صغارنا على الطريقة التي تحمل بها الهاتف, لكي يصير بعد ذلك يشتغل في Centre d’appel, أنا أسعفني الحظ أن عشت في فترة مخضرمة ودرست على أساس صحيح. النقطة الموالية التقييم الموضوعي الذي قمت فيه للمرحلة التي نعيشها, هناك ثورة مضادة, ثمن باهض يجب دفعه, ويجب أن نصبر ونعيشه لكن أهم نقطة ربما الثوار الذين قاموا بالثورة, لن ينعموا بها, لكي أكون واضحا, الأشخاص بالمناطق الداخلية أي نموذج للتنمية وأي استراتيجية, هنا نعود إلى البعد الاقتصادي, وهذه ليست مشكلة اقتصاد أو سياسيين يهتموا بالاقتصاد, المشكل هو مشكل نموذج جديد للتنمية نموذج بدأ في عهد بورقيبة وتواصل في عهد بن علي وتأثر به عوامل عالمية ليس هو ذاك النموذج الذي يلائمنا. النقطة الأخيرة, أعتبر أنك في مداخلتك قدمت خطوات عملية وحاسمة, ونقطة أساسية من بينها هي إسقاط القلعة الفاسدة وهي الداخلية وبمجرد أن تقول أنت هذا الكلام, هذا يعطينا نحن كشباب تعبئة كاملة للتحرك في هذا الاتجاه والسؤال هو إلى أي مدى تستطيع الطبقة السياسية الموجودة الآن أن تقنعنا نحن كشباب للانسياق معها في نفس المسار ولا تضطرنا للخروج غدا للشارع لإسقاط هذه القلعة؟
عمر الطيب:
نشكر الأستاذ عبد الجليل التميمي لأنه أتاح لنا فرصة مقابلة الدكتور المنصف المرزوقي الذي نتابع نشاطه منذ يوم الانقلاب الذي وقع على الديمقراطية, ومداخلتي هي في ثلاثة نقاط, أولا حديث الدكتور المرزوقي على البوليس السياسي وتحدث عن المؤسسة الدستورية وتحدث عن الاقتصاد.
أنا منذ 1984 دخلت السجون ومكثت في زنزانة الداخلية كبقية الناس, أنا أقول أنه لا يمكن أن تحصل ديمقراطية والأشخاص الجلادين, ما يزالوا موجودين بالداخلية, وكنا نراهم ونحن نجول شارع بورقيبة وهم يبتسمون ابتسامة لئيمة تهكمية, ثم انقلبوا وكانوا هم الأداة الرئيسية لقمع الناس والعبث بهم, هذا الرئيس الذي قضى على حرمة البلاد منذ 23 سنة. إذن لا يمكن أبدا أن يقع تحول في هذه البلاد بدون عمليات التطهير التي يجب أن يقع داخل مؤسسات الأمن, وخاصة البوليس السياسي, نحن نعرف أسماءهم ووجوههم أمثال محمد وقدورة والطاهر, أنا أطالب كل المؤسسات المدنية وكل المؤسسات الحكومية وكل الأشخاص الذين مورس ضدهم التعذيب, والذين اكتووا بالتعذيب والأزواج الذين عانت عائلاتهم وأولادهم من التعذيب, قدم قائمة لمحاكمة هؤلاء الناس.
النقطة الثانية هي مسألة مستقبل البلاد وبالتحديد المستقبل السياسي للبلاد, أنتم ترون شبابنا اليوم وتفاجأنا بهذه الثورة التي وقعت, لكن وقتها عندما كنا شباب انخرطنا في الحركة الوطنية وفي العمل ضد الدكتاتورية وضد بورقيبة, شباب اليوم هو شاب تراكم نضال آبائه وأجداده, ودفع إلى الأمام, يوم 14 جانفي لو أن الجيش لم يطلق النار وأن الانقلاب الذي وقع من طرف السرياطي ضد بن علي, والذي لم تتكلم عنه وسائل الإعلام من المفروض أن ينقلوا لنا أحداث 14 جانفي, إذا الإعلام وطريقة التعبير على الخطاب هو مازال نموذجا في القديم, ويقصي الناس ويقوم بتغييب المعلومة بل الإعلام يقوم بالتعتيم بالضبابية المرحلة القادمة هي مرحلة التطهير على كل المستويات.
المسار السياسي ممتد على شهرين كما قال الدكتور المرزوقي, كل الناس تتحدث عن طبيعة النظام, برلماني, رئاسي, والشباب الذي كان مغيبا انخرط في الحديث السياسي فكان الأخرى حسب سذاجتي السياسية, أنا تصورت لو أن الشهرين المنقضين فتحا لمناقشة الحياة السياسية ولتقريب المفاهيم السياسية للشباب حتى تكون لهم تجربة انتخابية تجعلهم يعرفون أسباب اختيار النظام البرلماني أو النظام الرئاسي. وبهذه الأفكار ينطلق الجميع في مسار تعيين نص دستوري واضح نلغي منه الفقرات اللئيمة والخبيثة ونتوجه به نحو نظام ديمقراطي أو رئاسوي أو برلماني ثم في الإصلاح السياسي, نحن لنا موروث سياسي, فالوزير ينصب أقربائه وهكذا دواليك, بينما الديمقراطية تبدأ من القاعدة وليس من القمة, مثلا أنت عندما يتقدم واليا من سوسة وتنصبه في تطاوين أو واليا من تطاوين وتنصبه في بنزرت, طبيعيا أن لا يعرف أحوال البلاد ومشاغل أهاليها فضروري أن يكون الوالي منتخب وفي نفس الوقت رئيس المجلس الجهوي, كل شعب هو أدرى بمشاكله وبالتالي تسجيل عملية الإصلاح أن كان يجب القيام بتجارب مثل أستراليا أو الأرجنتين؟ بالنسبة للتنمية المستديمة, نحن اليوم منخرطون في العولمة بشكل أو بآخر, هذه العولمة من الليبرالية المجحفة حول هموم الأرض كلها ماهو إيديولوجي وماهو بيني.
عبد الحميد الجويني:
نشكر سي المنصف على البرنامج الذي وضعه, هناك نقطة أريد أن أتوسع في الحديث عنها, كيف يمكن تفعيل الطبقة الوسطى لتساهم مساهمة فعالة وتكون رافدا من روافد الثورة, لأن 23 سنة من حكم بن علي أوجد طبقة لها نسبة معينة من الانتهازية والتي استفادت من تلك المرحلة سواء كان بمحادثة النظام أو بالاستفادة في الجانب الاقتصادي. والطبقة الوسطى هي طبقة مهمة جدا في هذه المرحلة, مثل ما يمكن أن تشكل بعض الخطر على الثورة باعتبار أن لها بعض المكتسبات والتي ستحارب بطريقة ما إن تحافظ عليها, هل ما يمكن إذا ما أوجدنا الأطر مثل الجمعيات أو المؤسسات التي يمكنها من المساهمة, ويمكنها أن تكون عاملا مهما في ترسيخ فيم ومبادئ وقواعد عمل وتقاليد, كي يمكن أن نبدع اليوم؟ ربما ثمة أشخاص ما يزال لهم حساسية من بعض الأحزاب السياسية باعتبار التجربة والمرحلة التي مضت فأصبح الناس يتجنبون العمل السياسي, لكن مستعدين للعمل الجمعياتي لدعم بعض المؤسسات ولبعض بعض المشاريع وكيف يمكن تفعيل هذه الطاعة العامة.
في نفس السياق بالنسبة للطبقة الوسطى نعرف كلنا من مداخلة د. علي المحجوبي يقول أن 25 سنة الماضية لم يكن هناك توازن جهوي ولم يكن هناك تكافئ فرض بين المناطق الداخلية والمناطق الساحلية وهذا أوجد اختلالا كبيرا جدا ولا يمكن القضاء عليه أو معالجته في ظرف سنة أو اثنان أو ثلاثة, لأن المناطق الداخلية ليس لهم من يمثلهم في تلك الوزارة أو في تلك المؤسسة, وهذا سيشكل صعوبة كبيرة للنهوض بهذه المناطق باعتبار أنه حتى وإن كنت مثقفا أو إطارا من المناطق الوسطى يضطر للهروب إلى تونس للعمل.
العمل الجمعياتي حسب رأيي هو مهم جدا ولا بد من إيلائه أهمية كبيرة لأن فكرة الأحزاب صحيحة والعمل السياسي كذلك لكن لا بد من إيجاد أطر موازية, وهي التي تساهم في دفع التنمية وتستلهم في إعطاء الفرص وإيجاد تكافئ فرص. السؤال الثاني هو الأخطار الإقليمية أنا اشتغلت مدة في بلد مجاور وهناك أشخاص ينظرون بعين الريبة لهذه الثورة. هناك أشخاص لا تخدمهم هذه الثورة, فكيف يمكن إيجاد نوع من الكوابح لهؤلاء الناس ولا يفسدون علينا فرحتنا.
البشير الخنتوش:
لا بد من الثناء على الدكتور التميمي ومؤسسته التي سيذكر التاريخ أيضا المنبر الوحيد الذي تداول عليه كل رجالات تونس وكل الاتجاهات السياسية مهما كانت آراؤها وأفكارها وكان دوما يقبل الرأي والرأي المخالف. تقديري وتحيتي للدكتور المنصف المرزوقي وإن كنت لم أعرفه مباشرة من قبل, فعلا سي المنصف لما كان الكثير من المثقفين وأشباه المثقفين بقوا صامتين بل أقول يأكلون من موائد بن علي, كنت أنت صامدا في تونس وتحملت ما تحملت وصامدا بالخارج ولازلت كلمته مدوية, وما آثار إعجابي اليوم هو أنك تكلمت على نفس الخط المستقيم ولم يتغير والصراحة غالبا تسبب المتاعب والصراحة لا يحبها الناس, وخاصة السياسيين ومن الصعب أن يكون صريحا في إطارها. وأنا صريح مثلك وتحملت نتيجة ذلك ما تحملت في عهدين, بورقيبة وبن علي, وسي الهادي البكوش يعرف هذا جيدا بحيث في مداخلتك كانت هنالك ملاحظات دقيقة جدا وأفكار جيدة وأسمح لي أن أقول أنني لم أسمع إلى الآن تدخلا في الأوضاع الحاضرة والمستقبلية بمثل هذا الوضوح حول من قام بهذه الثورة؟ وهل الذين قاموا بهذه الثورة هم الذين سيستفيدون منها؟ هذا ما طرحته وتحدثت عن الثورة المضادة, أنا أشاركك الرأي, أنا أخشى ما أخشاه على الثورة ولا أتردد في القول أن من جملة من سرقوا الثورة هم الحاكمون الآن بزمام الأمور, طبعا هناك حلول آجلة وحلول عاجلة, كنا قد ألقينا اللوم على محمد الغنوشي وتردد حكومته وضبابيته في اتخاذ القرار, الآن مع تسمية سي الباجي القايد السبسي ما الذي جد؟ أمر بتعليق العمل بالدستور بمؤسساته كلها, لا فضاء ولا مجلس دولة ولا محكمة ولا أمن, ثم وقع بلاغ برئاسة الجمهورية بعد ذلك وقال أن المؤسسة القضائية مستمرة.
هذا غير معقول يجب التثبت قبلا خصوصا وهم رجال قانون وهنا أقول أن التذبذب لازال موجودا الذي قد يدوم لا فقط أشهر أو سنوات وتصبح الثورة مهددة. الآن رئيس الدولة المؤقت كان مدير أمن (بوليس صغير) والوزير الأول كان وزيرا للداخلية, بوليس أكبر, وأن أؤيد الأستاذ المنصف المرزوقي فيما ذهب إليه حول وزارة الداخلية وهل يمكن أن نستثني هؤلاء الأشخاص ورئيس مجلس النواب السابق؟
أجوبة د. المنصف المرزوقي على القسم الثاني من التساؤلات:
أنا تنبهت لفكرة أن من يقومون بالثورة ليسوا من يستمتعوا بثمارها حتى نكون على وعي بهذا القانون ونخرقه, الثورة وسعت في حريات الطبقات الميسورة, الحريات السياسية بالإضافة إلى الحريات الاقتصادية, ويجب أن نتذكر أننا مدينون بهذه الثورة إلى ذلك الخط الفقير, وأن واجبنا هو العمل على دفع التنمية بهذه الجهات. أنا لدي فكرة واقترحها وتتمثل في تحويل العاصمة إلى القيروان, لأن الحل الوحيد لإعادة التوازن حتى يمكن الاتساع على كامل البلاد التونسية هذا حتى نبين لكم إلى أي مدى نحن نفكر في قضية التنمية الجهوية. بالنسبة لإسقاط قلعة الداخلية أنا سعيد جدا اليوم لأنه في مصر تم إلغاء البوليس السياسي, تطرح قضية كيف سنتعامل مع مخلفات نظام العهد البائد؟ هناك أشخاص أجرموا حق الإجرام في حق الشعب التونسي في تعذيبه وفي سرقته أنا لا أرى حلا غير إحالتهم على القضاء بكل وضوح وثمة جزء كبير من الأشخاص الذين تورطوا في جملة من الأخطاء والأعمال وجب محاسبتهم قضائيا,
أنا أعتقد أنه بإمكاننا السير في هذا الطريق, ثمة أشخاص ارتكبوا أخطاء كبيرة يجب أن نطرح عليهم حلا, أما أن يطلبوا السماح ممن أخطأوا في حقوقهم, ويعترفوا بأخطائهم حتى يتم تنظيف القلوب وثمة جزء ثالث, ويخص الأشخاص الصامتين, وهنا لا يكلف الله إلا وسعها, لا يستطيع أن نلومهم على سكوتهم بهذه الكيفية, نستطيع التوفيق من بين العدل الذي هو يمثل ضرورة بالأساس وبين ضرورة السماح والعفو حتى لا تبقى في منطق تصفية الحسابات التي حسب رأيي لن توصل إلا إلى المشاكل.
فيما يخص انتخاب الوالي, أن قلت أن الديمقراطية ليست متمثلة ففقط في الرئيس المنتخب والبرلمان المنتخب, هذا صحيح لكنه لا يكفي, وإنما يجب إعادة هيكلة تونس إلى 6 أو 7 جهات حسب تقسيم معين وأن كل جهة تنتخب المجلس الخاص بها, وهذا المجلس يتولى انتخاب المسؤولين ونكون بالتالي هناك ديمقراطيات محلية. في قضية تفريق الطبقة الوسطى, هي بدأت تضمحل في تونس اليوم والميكانيك الاجتماعي هو وجود طبقة تتمتع بكل شيء فأول شيء يجب حماية الطبقة الوسطى, هذا أول شيء وجملة من الإجراءات الاقتصادية, ثم كيف يمكن تفعيلها؟ هي ستفعل نفسها بنفسها اليوم عندما نعطي حرية الرأي والتعبير, سينظم الناس, يجب أن تكون ثقتنا في شعبنا وفي الطاقات الخلاقة. والمهم هو وضع الآليات الصحيحة التي تمكنه من النشاط وتكوين جمعيات, هذا جزء كبير من البرنامج السياسي الإصلاحي.
قضية الأخطار الإقليمية فعلا ليس فقط من طرف الليبيين, إذ كل الأنظمة الدكتاتورية تتمنى الفشل لثورة تونس, أنا سمعت خطاب ساركوزي, حقيقة هو خطاب بمنتهى الحقارة, يقول أن الشيء الذي بصدد الحدوث في تونس وفي جنوب البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يؤدي إلى دكتاتوريات أخطر من الديكتاتوريات التي عرفناها ويمكن أن تخلق مشاكل لأوروبا وهي مشاكل الهجرة والإرهاب. لم يرى الانتصار الديمقراطي والقيم التي تدافع عنها, هو لم يرى سوى الأمور السلبية, وثمة أشخاص يعرفون أن العجز العربي اليوم سواء في حل القضية الفلسطينية أو في فتح المجال الاقتصادي والاجتماعي في تكوين الاتحاد العربي هم يساعدهم أن تبقى الجموع متخلفة وإذا ما نجحنا في إقامة نظم ديمقراطية أو إقامة اتحاد ديمقراطي عربي, سيكون ثالث تجمع بشري بعد الصين والهند, 500 مليون, هذا يلائمهم سيجدون أنفسهم أمام طرف منافس, فهم يقولون ألا يكفينا الهنود والصين؟ سيضاف إليهم العرب أيضا, لكن كما يقول نيتشه الأحلام التي وعدتنا بها الحياة نحن من سيحققها, لقد تحققت الثورة ويجب أن تحقق الأحلام التي وعدتنا بها الحياة.
الحبيب نويرة:
هذه الندوة تناولت مجمل القضايا الراهنة, بكل اختصار ورد في كلامكم عبارة “مبادي الأمة”, أول من نطق بهذه الكلمة المرحوم علي بلهوان ونحن لسنا أمة. الأمة هي التي لا يشاركها في خواصها أحد, الأمة العربية من الخليج إلى المحيط ليست تونس وحدها أمة.
أنت تحدثت عن ذهابك إلى قطر لكن قبل الوحدة الكبرى هذه الوحدة الخاصة بنا هي وحدة المغرب العربي أين هي؟ أنا في وقت من الأوقات كنت سفيرا في سوريا جاء بعض الجزائريين يريدون من سوريا أن تؤيد الجزائر في قضية البوليساريو قال نحن مبدئيا وحدويون وأن بعض الأشخاص يمثلون 15 أو 20 ألف شخص لا يشكلون دولة لكنها في الأخير نجحت الجزائر في جلب سوريا إلى منطقتنا, نحن الآن 22 دولة, نريد أن نختصرهم, أنا رأيي أن حكومتنا الجديدة يجب أن يقف موقفا ضد هذا ومع الأسف أغراض شخصية نتركها على جانب, لا يجب أن يقف المغرب العربي على شيء بسيط وهذا ليس حمقا.
السلطات الثلاث لا يجب أن تستحوذ سلطة واحدة على جميع السلطات, السلطة الأولى التشريعية والثانية القضائية والثالثة التنفيذية, تملي على الكل, يجب أن نجد طريقة للحد من السلطة التنفيذية, لا يجب أن تكون هي السلطة المنافرة. وليس القضاء هو الذي يفتح السنة القضائية والمجلس هو الذي يعينه, ما كل هذا؟ السلطة الأولية هي التشريعية والقضاء يقضي بما تقوله السلطة التشريعية والتنفيذ ينفذ ما يحكم به القضاء, يجب أن يصدر منشورا بذلك. تحدثت عن حكومة قوية لكن هذه الحكومة هي مؤقتة وإن شاء الله يتركونها تشتغل.
بالنسبة لوزارة الداخلية كفانا تهديما, يكفي أن تقوم بإقفال الزنزانات بين مجلس ثورة ومجلس تأسيسي, الكلمة الأخيرة لماذا؟ ينشأ مجلس تأسيسي ويجابهه مجلس ثورة, الأول منتخب والثاني منتخب إذن لننشأ مجلسين, مجلس نواب ومجلس شيوخ أما مجلس ثورة !
الهادي الفيلولي:
هناك ثلاثة أسئلة أريد أن أسأل الدكتور المنصف المرزوقي, أنا كنت من المواكبين للاعتصام الأول والثاني, إن تدخل في جدل الترشح للانتخابات هو أجاب على هذا السؤال, هل ترى أنه في تونس اليوم ضرورة تشكل ما يسمى بالكتلة التاريخية التي هي قادرة على حماية هذه الثورة أو احترامي لك, كشخصية وطنية ولا نشك في ذلك, نرجو منك التخفيف ربما في أي ندوة يحكى عن اليساريين بهذه الطريقة أو عن الإسلاميين, أنا أنقل لك ما يجري في الشارع, القوى التي كانت فاعلة في القصبة, كل القوى تجمعوا في القصبة وكونوا ما يسمى بكتلة 14 جانفي بأنهم أصبحوا من ما في الديكتاتوريات, أقول لا القوميون تغيروا وأصبحوا يؤمنون بالديمقراطية والبارحة كنت مع العجمي الوريمي نتحدث عن الديمقراطية وسيشارك معنا في ندوة حول هذه المسألة, هذه القوى هي موجودة على الأرض والانتخابات الرئاسية وإذا أردت أن تترشح للانتخابات رئاسية عليك الاقتراب من القوى الفعلية الموجودة في الشارع لأن المثقفين غير قادرين على إعطائك 1000 صوت حتى إذا ما اقترعنا بأطروحاتنا.
أنا قومي وباحث وأؤمن بالديمقراطية وليس لي أي مشكلة مع اليساري والإسلامي الذي يؤمن بالديمقراطية هؤلاء الموجودون من الناس والمعتصمين وشاركوا مشاركة فعلية في إسقاط بن علي من خلال المقالات والفايسبوك من خلال تغلغلكم في النقابات.
بالنسبة للإعلام, أنت تطرح قضية تحويل القيروان إلى عاصمة بهذه الطريقة أنت تستعدي سكان العاصمة وجماعة الساحل, أنت تبحث عن مزيد من العداءات.
السيد عامر قريعة:
أنا عشت وأنا أعرف جيدا سي المنصف ولكن هو لا يعرفني. أنا أصلي مرزوقي وعشت 4 سنوات في تونس و4 سنوات واليا في قبلي, وأفتخر ببلادي وبأصلي سواء في مسقط رأسي أو أين عملت لأن التنمية ليست واليا فقط, وليس معتمدا فقط, التنمية هي رؤية للأشياء, النقطة الثالثة هي تعاون الجميع ومحبة الناس, وهي نقطة هامة جدا هناك ولاة أو متعمدون يعينون في جهات حتى خروجهم لا يعرفهم الأهالي, وثمة أشخاص يمرون بداخل الأرض وفي نفوس الناس ويقع الانسجام بينهم وحتى الأشياء الصعبة لنقص صعوبتها, إذا ما أصلحنا السياسة في تونس وفي الهياكل الرسمية ولكن أنا أنبهكم إلى أن السياسة وحدها غير كافية.
أقول أن الثورة ليست في هؤلاء الشهداء رحمهم الله, الثورة في نفوس أولادنا وأحفادنا, هناك ثورة في المجتمع التونسي ضد الظلم, هنا لا يمكن أن نقوم بثورة وحكومة ورئيس جمهورية, المهم الآن هو تسيير الأمور السياسية, لكن لا يجب أن ننسى أن الجهات في حاجة إلى عناية كبيرة, لا يجب أن نقوم بتجريح الناس, أنا سنة 1990 ثرت على نظام بن علي ورميت بورقة الاستقالة أمامه وخرجت من السلطة, ونشرت ذلك في الصحافة, أنا تعايشت مع المتساكنين لكن الوالي لا يجب أن يكون “درويش”, وقتها تنهار الأمور وأنا بخصوص مسألة انتخاب الوالي, اسمحوا لي فالحكاية ليست مسألة تعيين من اليمين ومن اليسار, الوالي يجب أن لا يكون بعيدا عن الناس, أي يمكن أن يكون من هذه الجهة, نحن في بلادنا هناك العروش لا ترضى أن يحكمها شخص من الجهة الأخرى في الشمال وفي الجنوب أيضا, يقول مجلس منتخب, مجلس جهوي هذا مقبول, حتى يحضر الوالي يجب أن يكون هناك هيئة انتخابية قوية, نزيهة وثورية.
محمد الهادي حمزة:
سؤالي الأول, أنا أعتقد أن اللغة العربية هامة جدا في بناء الشخصية العربية وهذا ما يبرر عدم حضوري في أي اجتماع يتكلم خلاله المتدخلون بلغة غير العربية, أشير إلى أمر الدستور خاصة في الأمور اللائيكية خصومات تقع يوميا خاصة من طرف المرأة أكثر النساء يطالبن باللائيكية خوفا من الاتجاه الإسلامي الذي يمكن أن يحرم المرأة من بعض المكتسبات, أنا أقول أن هذا غير ممكن, وأنا تفاءلت من كلام سي المنصف عندما قال أنه لا عدول في الدستور عن اللغة العربية. ذكرني د. المنصف بدكتور آخر, في ماليزيا أول دولة عربية إسلامية موحدة, أنا أتمنى أن نكون عنصر موحد لا مفرّق وكلامك يدل على أنك صادق وأنك لست ملحدا.
النقطة الأخيرة هي موقفنا نحن كعرب من الدول الأوروبية خاصة أننا نعلم أن أوروبا “تمهطل” وتنافق لمصالحها, وهذه قضية عصرية ارتبطت بقضية العنف وأنا لدي مشروع كباحث لأن كل القضايا سواء في العالم أو في البلاد هي مرتبطة ببعضها.
أجوبة د. المنصف المرزوقي على التساؤلات:
فيما يخص الوحدة المغاربية, هي معظلة مثل ماهو الشأن للوحدة العربية لأن قانون الأنظمة الدكتاتورية لا تتحد, لا نستطيع الحديث على وحدة لا مغاربية ولا عربية, طالما لم ينهار النظام السياسي بعد, عندما يصبح المغرب مملكة دستورية يحكمها برلمان ويكون الملك مجرد رمز للوحدة عندما تصبح الجزائر دولة ديمقراطية آنذاك كل شيء ممكن, هذه الآفاق التي تفتحها الثورة العربية.
فيما يخص السلطة التنفيذية, الدستور سيكون واضحا منذ الآن السلطة القضائية ستكون مستقلة استقلالا تاما ونهائيا عن الرئيس, السلطة التشريعية كذلك, القضية في السلطة التنفيذية هي نفسها يجب أن تجزأ, سألني أخ عن النظام السياسي الذي أراه مناسبا, بالنسبة لي النظام الرئاسي لا يعني الدكتاتورية لسبب بسيط أن في أمريكا وفي فرنسا هناك نظام رئاسي وليس هناك نظام دكتاتوري, النظام البرلماني لا يعني ضرورة وجود ديمقراطية موسيلني أو هتلر, أخذ السلطة بالانتخابات الديمقراطية ثم أصبح دكتاتورا القضية الآن هي ليس كل طرف تصور النظام السياسي لمصلحته الخاصة.
يجب أن نتعظ من هذه التجارب وأن يكتشف في آخر المطاف, أن أحسن نظام هو النظام الذي يفصل فصلا كاملا بين السلطات الثلاثة, ويوزع السلطة التنفيذية بين المؤسسة الرئاسية والمؤسسة البرلمانية حتى لا يصبح رئيس الوزراء دكتاتورا وحتى لا يصبح الرئيس دكتاتورا, يعني في آخر المطاف الدكتاتورية الموجودة بأمريكا, هي أن الرئيس يقيض عنق البرلمان والبرلمان يقيض عنق الرئيس هذا هو فعلا ما يضمن عدم الوصول إلى الاستبداد وإلى التجاوزات ولهذا أنا مع نظام مزدوج رئاسي برلماني, مع العلم أن النظام الرئاسي لا علاقة له بما وجد عندنا سابقا الرئيس يجب أن يكون مسؤولا أمام القضاء ولم يعد له حصانة, جملة من القرارات التي تقطع مع أية رئاسوية دكتاتورية التي لم يعد لها مكان في بلادنا, نقطتين يجب أن نحمي البلاد ضد عدوة الاستبداد والظلم وعدم الاستقرار, النظام السياسي لا يجب أن يكون فقط ديمقراطيا وإنما يجب ان يكون أيضا مستقرا, فنحن في حاجة إلى أن نعيش ديمقراطية على الطريقة العراقية, يلزمك 7 أشهر لتكوين حكومة والتضامن يدور بين فسيفساء من الأحزاب تنازع يوميا.
فيما يخص بشكل الكتلة التاريخية وأنني تعجبت من القوميين واليساريين والإسلاميين, أنا لا أدري كيف استخلصتم هذه الفكرة, إن صح التعبير نظرا لكوني طبيب صحة عمومية, واشتغلت أكثر من 20 سنة في تنظيم الصحة العمومية للفقراء, أنا ذهبت إلى الصين لما لم يكن يذهب إليها أحد, في السبعينات لدراسة تجربة الطب الوقائي, آنذاك في الصين حاولت, يجعلني ملما وواعيا بأهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهي بالنسبة لي, أمر أن أكون أفهم اليسار. فيما يخص القوميين هل يمكن أن يزايد علي أحد في تعلقي باللغة العربية, في العروبة, في أملي بالوحدة العربية, لكن المشكلة هو أنني فعلا أعتبر أن القومي في وقت من الأوقات أخطأوا كثيرا عندما قارنوا الوحدة بالاستبداد والآن يجب فض الارتباط ويمكن فضه حتى بالتخلي عن قيمة القومية لماذا لا نتحدث عن الوحدويين الغرب أو عن العروبة, كل الناس ستجد نفسها في نفس الخانة أو سأكون أول واحد.
بالنسبة لقضية الإسلاميين أنا ليس لي أية مشكلة مع الإسلاميين للأسباب التي شرحتها, وهو لا بد أن نفهم أنه لا بد أن يكون له مكان على الساحة السياسية, ثمة اختلافات فعلا وثمة مرجعية فكرية, أنا مرجعيتي علمانية وهذا لا أنكره. أنا أذكر يوما أنني ألقيت محاضرة في باريس بدأت بتعريف نفسي, أنا ديمقراطي وحدوي علماني, فأخذ من يجلس بجانبي المصدح وقال أنه ليس ملحد, ففهمت وقتها أن بالنسبة للإسلاميين علماني يعني ملحدا, العلماني هو من لا يريد أن يستبد أحد باسم الدين هذه هي الفكرة الوحيدة, هي أن نحمي الدولة من استبداد الدين ونحمي الدين من استبداد الدولة, لكن هذا يتطلب شرحا متواصلا للشعب, داخل الحزب قلنا, من هنا فصاعدا يجب أن نتحدث عن المجتمع المدني, عن الدولة المدنية, الدولة المدنية هي التي تحمي المرأة التي ترغب في وضع الحجاب وتحمي المرأة التي لا تريد وضعه, الدولة موجودة لحماية من له عقيدة ومن ليس له عقيدة.
في قضية القيروان وإثارة العداوات والجهويات, أولا أن إنسان عالمي, عربي, تونسي, ويقف الترتيب هناك. فالجهويات لا أعترف بها ولا أهتم بها لا محالة هي واقع سياسي, يجب أن ننتبه له لكن لا يجب أن يبالغ فيه وهي مجرد فكرة. كلمة أخيرة فيما يخص اللغة العربية, الأشخاص الذين اعتبروا منذ 50 سنة أن اللغة العربية لا يمكن أن تكون لغة علم, أنا أكتب الآن كتبا علمية باللغة العربية. قناعتي أن هذه الأمة يجب أن تسترجع اللغة العربية كلغة أساسية وكلمة علم. البرنامج أساسي الذي اقترحه هو تعريب كل العلوم.
الهادي البكوش:
ترددت كثيرا قبل قدومي إلى المؤسسة وذلك تحت رغبة الأستاذ عبد الجليل التميمي الذي شجعني أولا كمواطن ونحن في عهد تزايدت فيه التضييقات وفسحنا المجال لكل المواطنين الصادقين في الاستماع إلى بعضهم البعض وهذا فيه فائدة كبيرة, ولذلك من خلال إبداء الرأي بكل ما يتعلق بالوضع الحالي.
وشجعني كذلك لأنني تركت المسؤولية أو أبعدني عن المسؤولية منذ أكثر من 21 سنة وليس لي أية مسؤولية, ولكني وطني, كنت شابا ملتزما وناشطا لحقنا الضرر من الاستعمار الفرنسي لأننا ساهمنا في المعركة التحررية وعملت مسؤوليات قاعدية ووسطى وعليا, سعيت إلى تحملها بصدق بدون استغلال حسب القانون وحسب الأخلاق, والآن أنا متقاعد ولكني أهتم بشؤون الوطن لذلك حرصت على الحضور معكم, كما حضرت في ندوات عديدة قبل الثورة والآن وغدا. وهي مناسبة كذلك تمكنني أن أحيي الأستاذ الدكتور المنصف المرزوقي الذي تتبعنا خطواته الأولى في كلية الطب في سوسة, وتتبعت خطواته ومسؤولياته في حقوق الإنسان, وتتبعت بأسف كبير وأستطيع القول بتعاطف كبير, المحنة التي كان يعانيها عندما كان مشردا, بعيدا عن بلاده وقدرت فيه صراحته التي أستطيع أن أقول أن لا حد لها, أولا هو منصف وشيء رائع أن نستمع إلى فاعلين مثلما هو شأنه وهذا مما يزيدنا اعتزازا بانتسابنا إلى بلادنا.
تكلم أحد الحاضرين عن انزعاجه لحضوري هذه الندوة بالرغم من أننا تبعث كلامه باهتمام وكان كلامه مقنعا, وقدرت فيه تجربته, وأنهى كلامه بملاحظة لا أرى لها مبررا, بالنسبة لشاب أو مواطن وطبعا له الحرية في ذلك.
أنا عشت الثورة منذ اندلاعها لأنها ثورة شعبية وثورة عارمة, أنا باركتها لأنه لولا هذه الثورة ما كان لنا أن نتخطى عهدا من الفساد السياسي والفساد الأخلاقي والفساد المالي, ولو لا هذه الثورة ما كان لنفتح أمام شبابنا وأمام شعبنا آفاق جديدة فالشعوب لا بد أن تعيش في مسيرتها هزات وشيء من الشدة ولكن تعطيها دفعا جديدا, الآن لا بد من تحقيق هذه الثورة, أنا أشاطر رأي أن نتبع كل مواطن أساء التصرف في أداء مسؤوليته واستغلها وكما قال المرزوقي نفرق بين المجرمين وبين الصامتين ويجب أن نقضي على أشكال الفساد لضمان مستقبل الأجيال القادمة والوصول بنا إلى نظام ديمقراطي تكون الحرية أساسه والنظام الديمقراطي القائم لا بد أن نعتبر المرء, كنا طلبة وعقدنا في سنة 1955 ندوة كبيرة حضرها المنجي سليم رحمه الله, عنوانها “النظام السابق في تونس”, كيف يكون ملوكية جملوكية أو يكون برلماني أو رئاسي بحكم أنني كنا في إطار تاريخي ضد فرنسا وكنا نؤيد النظام الرئاسي ولكننا جربنا مع بن علي ومع بورقيبة قبله, النظام الرئاسي تطور مع الأسف إلى نظام مطلق, إلى نظام فردي, لا بد لتونس في رأيي أن تجرب نظاما جديدا, يقطع مع ما عشناه بهذه الصفة يمكن أن تكون تونس الغد واحة تقدم أن تكون بلدا رائدا في العالم العربي الإسلامي.
محمود بالسرور:
أود أن أتوجه بجزيل الشكر إلى د. التميمي الذي نظم هذا اللقاء الرائع وأود أن أحيي د. المرزوقي على نضاله وعلى توجهاته وعلى تمسكه بمواقف سلبية من شأنها أن تبعث مستقبل البلاد على أسس سليمة, في إطار نظام ديمقراطي حقيقي بعد انهيار الدكتاتور وإن شاء الله في القريب العاجل الدكتاتوريات الأخرى.
أريد أن أسأل د. المرزوقي عن الاختيارات الكبرى للأنظمة الدستورية أنا فهمت من الكلام الذي تفضل به أنه قال في نهاية المطاف أن أخطار النظام المزدوج في إطار الإعداد للدستور الجديد للبلاد, فأنا أود لو بتعميق أكثر في الحديث عن هذا النظام ونظرا لأن النظام المزدوج موجود في عدة بلدان, وخاصة في منطقة عشت فيها في جنوب شرق آسيا تحديدا في أندونسيا بعد انهيار الدكتاتور الجنرال سوهاردو, وبعد احتلال الأندونسيين للبرلمان الأندونيسي ووقعت الانتخابات ووقع الانتقال من النظام الدكتاتوري إلى النظام الديمقراطي, وقع كذلك انتخاب برلمان ولكن في نفس الوقت انتخاب رئيس الجمهورية في نفس النظام لكن بعد التجربة تبين أن الوضع السياسي والوضع الاقتصادي في أندونيسيا اليوم برزت إشكاليات تجعل أنه الاختيار في النظام المزدوج أمامه نقطة استفهام كبيرة.
مع الملاحظة أنه اليوم بعد الثورة المباركة ثمة توجه عام في داخل الاتحاد العام التونسي للشغل وداخل التيارات السياسية والأحزاب السياسية أن الشعب التونسي يطالب بنظام برلماني ويقطع القطيعة القاصلة مع النظام الرئاسي والرئاسوي. أنا شخصيا أفضل أن يكون النظام البرلماني عقلاني على نظام ألمانيا.
د. سالم البيض:
ملاحظة أولى حول موقف المنصف المرزوقي كشخصية سياسية وكحزب إلى سماعي من المؤامرة التي وقعت في تونس ليلة الثورة, لأن ما وقع على حد علمي براهين هو أن ليلة الثورة سمير العبيدي وهو الذي كان وزيرا للاتصال وهو من أصول يسارية وكان كاتبا عاما لاتحاد طلبة تونس وكان حوله الاجتماع من قبل اليساريين بالجامعة سلم له ملف الإعلام قبل أن ينهار نظام بن علي, وكأنني به نقل المؤسسة الإعلامية من سلطة التجمع الدستوري الديمقراطي البنفسجية إلى سلطة أخرى هي سلطة يسارية قريبة من حركة التجديد وأنا تقريبا ليلة واحدة, لا أشاهد فيها شخصية من شخصيات التجديد تتكلم في أحد القنوات أما في تسمية أو في حنبعل أو في التلفزة الوطنية في يوم واحد نرى في برامج متعددة نفس الشخصية.
المؤسف أن الذين يظهرون بالتلفزة منهم من لم يقل كلمة في حياته ولم يكتب مقالا واحدا وأنا تمنيت أو يكون المشهد شبيها بالمشهد الأوروبي عندما يتم استدعاء شخص يقوم بتقديم كتاباته وقراءاته لا أن تكون ظاهرة صوتية دون أي موقف وهنا للأسف سي المنصف المرزوقي لم ألاحظ ردة فعل تجاه هذا الانقلاب الخطير الذي تم على حساب هذه الثورة العظيمة التي وقعت والتي هي ثورة متعددة المشاهد السياسية, المشهد السياسي يتضمن تقريبا 4 أو 5 قوى كبيرة فيه اليسار وحتى اليسار ووقع إقصائه من المشهد التلفزي, وهناك القوى الليبيرالية وهناك القوى القومية العربية وهناك القوى الإسلامية وهناك الآن بروز مشهد آخر ما يسمى بالقوى البيئية, يعني أنه في هذا المشهد المتعدد, لا نجد إلا هذا اللون الواحد ونحن نسكت ولا نتحدث عن هذا أمر خطير جدا وهذه السرقة وأكبر سرقة من الناحية الإعلامية.
بودي أن يوضح لنا سي المنصف المرزوقي هذه الأشياء, النقطة الثانية في تاريخ المنصف المرزوقي, وإن كان يروج لنفسه على أنه قومي عربي, ولكنه طور خطابه ربك العروبة بالديمقراطية ولكن لا يمكن أن ندين هكذا للأنظمة التاريخية التي وجدت لأنها دكتاتورية لأنها مرحلة بناء وطن.
عندما نأخذ جمال عبد الناصر التي ترفع صوره الآن صحيح أنه مارس السلطة منذ 1952 إلى 1970 إلى حين وفاته لكنه كان يشكل رمز مرحلة بناء وطني ومسألة الديمقراطية لم تكن مطروحة عندهم بنفس الطريقة التي طرحت عندنا الآن, برأيي لا بد أن نتوخى الكثير من الحذر, في هذا الخطاب السياسي والمنصف المرزوقي من حقه أن يقول أنا عروبي وحدوي, لكن ليس من حقه أن يحدد للآخرين أن يكونوا قوميين أو إسلاميين أو السمة السياسية التي يروجون لأنفسهم من خلالها.
نقطة ثالثة, أنا لاحظت أن الأستاذ المنصف المرزوقي في قناة الجزيرة وأنا سمعت أنه سيترشح لانتخابات رئاسية, هل الشيء قبل كنوع من الاحتراز, وجد بالرفض على مستوى الشعب لأن المبرر الذي قبل الدماء ما يزال يسيل والدكتور المرزوقي ترشح للرئاسة, وهذا ما استفاد منه راشد الغنوشي ومصطفى بن جعفر, ثمة ذكاء سياسي وذهب السيد المرزوقي إلى القصرين ولكنه لم يستقبل استقبال الأبطال, شيء مؤسف لأن تلك المرحلة من المحطات الكبرى وقع إجهاضها بطريقة أو بالأخرى, أنا أعتقد أن هناك خلل آخر وهذا يعودنا إلى نقطة هامة جدا, يجب التفكير فيها هي, هذا الزخم الكبير من الأحزاب السياسية في تونس, الآن نحن لنا 16 حزب لهم تأشيرة من بينهم أحزاب مسجلة على عهد بن علي وأكثر من 40 حزب قدموا مطالب تأشيرة, المجموع أكثر من 56 حزب, كيف يتم بناء الأحزاب؟ هذه إشكالية سوسيولوجية مهمة جدا, هل أن بناء الأحزاب يتم من القاعدة باتجاه القمة أم تبنى الزعامات ثم تبنى الأحزاب؟
أنا في رأيي أن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ربما لظروف سياسية كانت تعيشها تونس, الدكتاتورية, الإقصاء والتهميش, ربما وجد نفسه يتحرك حول رمز المنصف المرزوقي ولما وصل المنصف المرزوقي إلى القاعدة, لم يجد تلك القاعدة التي تسنده وتحميه من أهالي القصرين وسيدي بوزيد وصفاقس, ربما وجهها بشكل قمعي, في دور وفي منطقة المرازيق, لسبب ولآخر لكن لم تجد لها في المناطق الأخرى. هذا يطرح السؤال على كيفية بناء الأحزاب السياسية, وأنهي بنقطة يجب أن يكون محل نقاش في الفترة القادمة أن الأحزاب السياسية يجب أن لا يكون لها تمويل خاص يجب أن تمول عموما, لأنه إذا ما وقع تمويل الأحزاب السياسية تمويلا خاصا هذا سيخلق الرشوة من جديد داخل الأحزاب السياسية, وسيتم شراء الأصوات وتصبح هناك معضلة كبيرة, لذلك يجب أن نفكر في هذه القضايا لأنها قضايا مهمة جدا ويتعلق بمستقبل هذا البلد.
فريدة نصري طيف:
أنا أعرفك جيدا وأتابع محاضراتك وأعرف مقوماتك, أشاطرك الرأي فيما يتعلق باللغة العربية والتي تحمل الفصل الأول من الدستور وهذا ما لا رجعة فيه, النقطة الثانية هي الثقافة وأشكر الزميل لأنه أعطى دور الوعي الثقافي والفايسبوك هو أداة هامة جدا, تساعد على الفهم والتثقيف مما يساعد الشباب التونسي على التعلم السريع. مطلبي هو أن نقسم الثورة بعدل ومساواة ويجب أن يكون ذلك خاصة بالنظام الجبائي.
نقطة أخرى أطالب بها كل الأحزاب, ثمة جزء من المياه الإقليمية وقع التفريط فيها من قبل الرئيس المخلوع لفائدة إيطاليا ومما تسبب في خسارتنا ثورة سمكية هامة جدا, ولذلك نطالب كل الأطراف بالتعامل معها وباسترجاع هذا المكتسب التونسي.
أيضا نطالب بالديمقراطية بالديمقراطية ولا نستطيع أن نتحدث عن ديمقراطية في تونس إلا إذا سلمنا المسؤوليات لأناس أكفاء وأن تصبح المصلحة العامة فوق مصلحة الفرد, بالنسبة لاقتراحك حول تحويل العاصمة إلى القيروان أنا أجد أنها فكرة رائعة جدا, لأنه من أولوياتنا هو الاعتناء بالمناطق النائية وتقرب منها مركز القرار السياسي, لدى اقتراح مثلا بالنسبة للعاصمة السياسية نختار تونس والعاصمة الاقتصادية والإدارية يقع تحويلها إلى القيروان.
محمد عبد الناظر:
أخي الدكتور سي المنصف المرزوقي لأنه عبر عن أفكار ومقترحات وله رؤية واضحة وجلية لمستقبل تونس, وإن كان هناك بعض الاندفاع في مقترحاته كعمل القيروان وهدم وزارة الداخلية, يمكن أن نقترح تعويضها بوزارة أخرى عوض تهديمها.
لدي ملاحظتان, الأولى فيما يخص الجانب الاقتصادي والتنموي الذي يجب أن نعيره اهتماما كبيرا, الجانب السياسي له دوره وأهميته في الظرف الحالي لكن كذلك الجانب الاقتصادي لا يجب إهماله.
أردت سؤال السيد المرزوقي عن الدور الذي بصدد القيام به الاتحاد العام التونسي للشغل حاليا وهو دور لا يشرفه كمنظمة عريقة وقديمة شاركت في الكفاح الوطني وفي بناء الدولة التونسية, قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل هي لا يقوم بدورها الآن, أريد أن أعرف موقف سي المنصف من الاتحاد العام التونسي للشغل في العديد من الأحداث.
عبير بن كيلاني:
أنا سعيدة بالاستماع إليك سي المرزوقي حقيقة ما سمعته عنك في فيديو فايسبوك خصوصا في مسألة الحجاب والصلاة شيء يستغرب له.
أنا أريد أن أوصل لك نبض الشارع بكل موضوعية الشارع يتحدث اليوم عن المنصف المرزوقي ابن فرنسا, وأنت قلت اليوم أن زوجتك فرنسية, هذا لا يخدمك في الانتخابات, يجب أن نعرف كيف نتصرف مع ذلك وتوظيفها إيجابيا في الحملة الانتخابية !
نقطة ثانية لاحظت أنك عفوي وتعبر بكل صراحة عن رأيك لكن في الانتخابات لا يجب أن نصرح بكل شيء. وبالنسبة للفايسبوك العصر الآن هو عصر الفايسبوك والآن أغلب الشباب والناس يتناقلون الأخبار عبر الفايسبوك.
ثمة أشخاص بدؤوا حملتهم الانتخابية عبر الفايسبوك حتى قبل 14 جانفي, في الوقت الذي لم يكن لهم أي مستوى ثقافي, فلما أنت ترفض هذه الطريقة حتى الأشخاص الذين هم ضدك يعترفون بقوة خطابك, لماذا لا تقم بتسجيلات تعبر فيهم عن برامجكم؟ نقطة أخرى حول تهديم وزارة الداخلية يجب أن نتخلص من كلمة تهديم يمكن أن نحولها إلى شيء آخر. النقطة الأخيرة تتعلق بالقيروان, أنا أقترح أن يقوم بـ Sondage على الفايسبوك نسأل الشارع عن فكرة تحويل العاصمة إلى القيروان ونقدم الأسباب ونسأل الشرائح الاجتماعية كلها والشرائح السياسية بعد ذلك وبعد الحصول على النتيجة نستطيع إصدار بيان للحكومة.
علي عبد اللطيف:
أولا لدي ملاحظة لكثير من الناس يؤكدون بعد الثورة على أن هذه الثورة لم يصنعها الأحزاب وكانت ثورة عفوية, أنا أدعو صديقي سالم الأبيض باعتباره مختص في علم الاجتماع السياسي أن يؤكد لنا هذا. أنا أعتقد أن هذا الاعتقاد هو اعتقاد خاطئ لأن الأحزاب قدمت نضالات تراكمية وهي التي جعلت أن الثورة تعطي ثمارها في شهرين فقط, التعذيب الذي تعرض له الدكتور المنصف المرزوقي وإقصاءه من مهنة التدريس ثم تعذيب الإسلاميين في السجون والمنافي, ثم عذابات القوميين الذين سحقهم نظام 7 نوفمبر ونظام بورقيبة من قبله, تعذيب اليسار وحزب العمال الذين انتقل أحدهم من الكاف إلى العاصمة سيرا على الأقدام بدون مأكل وبدون أموال, هذه الأحزاب هي التي صنعت نظاما تراكميا, لصنع الثورة ولتصعيدها بتلك الطريقة, أنا أعتقد أنه ومخطئ الذي يقول بأن أحزابنا لم تساهم في الثورة, وهذه المقولة خاطئة.
بالنسبة للأسئلة فمعروف عن د. مرزوقي أنك صحبت الغنوشي من النهضة وأن مقولة منذ 1995 أن بن علي لا يصلح ولن يصلح, هل كان ذلك بناء على مقولة فكرية كانت نتيجة لنظرة سياسية للأحداث رغم أنكما دفعتما ثمن هذه المقولة غالبا حتى أنه ثمة جزء من أنصاركما انشقوا عنكما ومنهم من حاربكم وتحالفوا مع أجهزة الأمن, فهذه المقولة كانت بناء على ماذا وكنتما أول من توقع انتفاضة الشعب من تحت الركام, في الوقت الذي كان يقول فيه الشعب التونسي يستحيل أن يقوم بثورة.
السؤال الثاني أجهزة الدكتاتور لا تزال الآن نافذة في عقول الجماهير والأقوال عديدة مثل “سي المنصف المرزوقي مهبول, مجنون, لا يعرف الديمقراطية لا يعرف إلا نفسه, في بعض الأحيان روجوا مقولة أنك في أحد الجلسات اتفقت مع مجموعتك على جلب اللوائح ثم أخرجت لهم من محفظتك لوائح, أمامهم هذه المهمة من الصعب أن تقوم بها, كيف تستطيع أن تفككه من أذهان الناس ولعل هذا يفسر ذلك, وتكون محبوبا لدى النظارة وعندما دخلت البلاد أصبحوا يحلفون لك المشاكل وهذا يشكل تحديا كبيرا أمامك في هذا الجانب.
نظرتك للديمقراطية, أراك في بعض الأحيان تسيء إلى فكرك ونضالاتك, مثلا أن تقول أن القوميين ليسوا ديمقراطيين, حتى أن البعض أجابك بمقال “الدكتور المرزوقي وسيناريوهات الرعب”, يجب أن نتجاوز هذه الأشياء. سؤالي هو ماهو مفهومك للديمقراطية؟ لا نستطيع أن تلوم عبد الناصر لميولات الديمقراطية الحديثة. ولا نستطيع محاسبة صدام حسين !
ماهو موقفك بالضبط من العقيد الليبي باعتباره يمثل جزءا من التجربة القومية؟ سؤالي الأخير المعروف أن حزبك يضم 80 من الإسلاميين الذين كانوا يمثلون أنصار النهضة, فهذا الحزب هل هو يساري أو إسلامي أو ليبيرالي؟ لا يوجد حزب ديمقراطي لأن كل الأحزاب ديمقراطية, هذا الحزب هو حزب جمهوري ليبيرالي؟ أم هو حزب إسلامي باعتبار أن 80 % وبعض مناضليه أساسا سي عبد الرؤوف العيادي الذي كان أمين سر الاتحاد العام التونسي.
د. عبد الجليل التميمي:
سي علي أنت تحدثت عن الأحزاب, أنا أتصور أن القمع الفكري الذي سلط على المؤسسة قد تم تغييبه خلال 23 سنة, تحملنا الأمرين بين هذا النظام وتناولنا قضايا لم نتناولها ولها مؤسسات أخرى, نظمنا 6 مؤتمرات عن الرقابة الفكرية في البلاد العربية نظمنا أيضا مؤتمرات عن الديمقراطية, عن الشراكة الأورو مغاربية, عن التنمية المستدامة في البلاد العربية وأسباب عدم تحقيقها, ما يترجم أن دور المؤسسة كان أساسيا في خلخلة القمع الفكري في بلادنا منذ كنا في زغوان كنا نخضع إلى الرقابة المتواصلة من طرف البوليس السري وكانت كل الشخصيات التونسية والمغاربية التي تزورنا مراقبة مراقبة شديدة.
سليم القديري:
سأدخل في صلب الموضوع, هناك الكثير من الشخصيات السياسيين الأخرى والتي لهم تاريخ سياسي مهم, سجنوا من طرف النظام البائد, ولكن ما نفهمه نحن التونسيين الآن في عصرنا الحالي, هو عدم النظر كثيرا إلى التاريخ بل ننظر للأشخاص السياسية ما إذا كانت أقوالها متناسقة مع أفعالها وأنت سي مصطفى المرزوقي إلى حد الآن تمثل هذا النوع, أنت رفضت الحكومة “الغنوشية رفضت الحكومة “التجمعية” رغم أن أحزاب مثل حزبي أحمد إبراهيم ونجيب الشابي قدما استقالتها قد عرفنا تاريخهم وأنا أسميهم وأحزاب ديكور في عهد الغنوشي.
ثلاثة نقاط أريد التأكيد عليهم, من الناحية الإصلاحية, ومن الناحية السياسية, أنا أقترح إصدار قانون يمنع أي شخصية سياسية الترشح للرئاسة, إذا لم يكن لها مشروع جاهز, شخص ليس له برنامج لا نحتاجه في الساحة السياسية حتى يعيث بها فسادا, وهذا موجود حتى في الدول الأوروبية يتسلم الأشخاص السلطة بمجرد وعود شفوية مثل Sarkozy, نحن نريد مشروع سياسيا واقتصاديا واضحا.
النقطة الثانية, لا أسمع في التلفزة ولا في الإنترنت, وحتى الشخصيات السياسية, يتحدث عن الاستعمار الفكري, مثل في أمريكا هناك حقوق لا تنبض أكثر من حقوق الأسود لأن الأبيض هو القادر على حمل البلاد. والأسود ليست له قيمة ومهمش, هذا يوجد أيضا على الشعب العربي وعلى الشعب التونسي, على مستوى البوليس مثلا عندما نتكلم عن البوليس نسميه حاكما, فهذا تغير كثيرا لأنه بهذه الطريقة الحاكم هو الذي بيده الأمر والنهي وأنت كمواطن ليس لك أي حق, الحاكم هو الذي بيده الحل والربط, لا الدستور ولا القانون يستطيع أن يقلص من صلوحياته وهذا نوع من الاستعمار الفكري في أمريكا, السود خشوا أنهم أقل شأنا من البيض, في تونس الشعب أحس أنه أقل شأنا من الحاكم المتمثل في البوليس.
النقطة الثانية مسألة الإسلاميين والليبيراليين, أنا معترف تماما بمسألة الإسلاميين, مصطلح الإسلاميين مصطلح قادم من الغرب, وقع استقدامه للقول أن الإسلام لا يجب أن يدخل في السياسة, لا يجب أن يدخل في السلطة, أنا لا أتحدث عن الدين والسلطة بل عن الإسلام والسلطة, ولها الكثير من المعاني الأخرى, هذا كذلك نابع من الاستعمار الفكري سواء بالداخل أو بالخارج وأنا سمعتك سي المنصف قلت كلمة “خوانجية”, أنا شخصيا جرحتني هذه الكلمة, ولها نفس التأثير على الكثير من الناس أيضا.
النقطة الأخيرة: التفريق بين إسلامي وليبيرالي, هذا ليس له أي معنى, ما حصل أن أول من استعمل هاته الكلمة هو Nixon في سنة 1969 استعمله للوقوف ضد الطلبة خصوصا في حرب الفيتنام وNixon استعمل الكلمة لإخراج الناس الذين هم ضد الثورة حتى يواصل هو حربه في الفيتنام, أنا أتصور أن المؤامرة مازلت متواصلة. ماهو رأيك في هذا؟
خالد بن بدر:
ثمة 3 نقاط, نريد من سي المنصف إيضاحها, حتى لا يكون هناك ارتباك, أنت تذكر لنا مانديلا كشخص كان سبا في إخراجك من السجن, مانديلا لم يغيّر التركيبة الاقتصادية والاجتماعية لجنوب إفريقيا وصارت تصفية لأصحابه في النضال قبل أن يحدث توازن اقتصادي بين الغرب والمجموعة التي حررت جنوب إفريقيا. نقطة ثانية تحدثت أنه في أمريكا الرئيس والكونغرس كل يراقب الآخر, أقول لك أن اللوبيات هي التي كانت تحكم والسياسة لا يمكن أن تتغير لا السياسية الخارجية ولا السياسة الداخلية. أنت ذكرت ربما هفوة لسان عن “الكارثة”, تقصد حدث في ليبيا, ما يجري في ليبيا هو تحرير حقيقي بخلاف الثورة التي صارت في تونس والتي تسمونها ثورة الياسمين والثورة في مصر يطلق عليها رمز الورد.
المنصف المرزوقي:
سعيد جدا, بأن النقاش عميق وهذا يدفعني إلى مزيد تعميق الحديث والتعمق في المواضيع, وأنا سجلت كل التساؤلات ويجب أن أعيد الاشتغال عليها, لأنها تساعدني على فهم الكثير من الأشياء. بخصوص النظام الدستوري والتوجه للنظام البرلماني أو الرئاسوي إلى آخره. أنا أقول بكل وضوح أنه يلزمنا نظاما سياسيا يوفر كل الحقوق ويوضح الواجبات ويضمن الاستقرار للبلاد لمزيد التواصل والفاعلية. كيف ذلك؟ أما بردود الفعل أن نقول لم يكن لدينا نظام رئاسي بل نظام دكتاتوري, ثانيا حزب تعير أن له الأغلبية هذا سيختار النظام البرلماني, هناك أحزاب صغيرة تعتبر أن ما يفيدها إلا النظام البرلماني, الذي يعتمد على التسمية وسيقع التسمية, شخص آخر يريد نظاما رئاسيا, مثلما كان موجودا وكل الناس أذكياء ولها قدرة قوية على الكلام, ونستطيع الدفاع عن مشاريعها, كل نظام به سلبيات وإيجابيات, أنا بذكائي أستطيع تدمير النظام الآخر لأنه يتضمن سلبيات, وتعم الفوضى فيما بعد, بأمر من رئيس الجمهورية سيقوم بتشكيل لجان تعمل على كل الأنظمة, دراسة سلبيات وإيجابيات كل نظام على الأقل عندما نصل إلى المجلس التأسيسي, نضع معلومات عن النظام المزدوج مثلا في أندونيسيا,… فلنتبع نظاما سياسيا للأجيال المقبلة لا لأشخاصنا ولأحزابنا, يجب أن نخترع منح تجربة, فالتجارب وجدت لكي نتعلم منها, يجب أن يستفيد من إيجابياتها وسلبياتها, أنا أعتقد أن هناك أخطاء لن تتكرر والشيء الذي يتم الاتفاق عليه في إطار هذه المنهجية, فإننا سنتوصل إلى حلول سياسية جديدة قادرة على حماية الأجيال المقبلة, وأنا شخصيا سأتبع هذا النظام لأنه ليس لي خيارات مسبقة.
فيما يخص السرقة الإعلامية هي تدخل في إطار محاولة سرقة الثورة, لأننا سنرى مع السيد الباجي قايد السبسي في الحكومة هل أن هذه السرقة سيقع وضع حد لها؟ هل ستغير وجوه المشهد الإعلامي؟ إذا كان هذا قد أعطى نفعا فيا حبذا, أما إذا كان العكس فنبشر في النظام, نحن عندما ناضلنا ضد حكومة الغنوشية ومن جملة الأشياء التي ناضلنا لأجلها, هي أن فلول الأمن مازالت موجودة والتعتيم الإعلامي مازال موجودا. فيما يخص توضيح موقفي من القوميين, أنا كنت ناصريا وولدت في بنية عروبية وأعتبر الآن أن تراكمات التاريخ تجعلنا نتجاوز تلك الحقبة, أنا لا أدينها, أنا أعتبر أنه يجب تجاوزها, نحن نعتبر بذلك الموروث لكن يجب تجاوزه, هذه هي فقط فكرتي ليس لي نية إذ أن القول أنه وقعت أخطاء يجب الاعتراف بها ليس هناك قداسة لا لشخص ولا لنظام ولا لإيديولوجيا.
القداسة هي لمستقبل الأمة, يجب أن تسير في هذا المستقبل وفي هذه التراكمات ونخرج من الإيديولوجيا, أنت قومي ناصري, أنت قومي بعثي, هل معقول أن توجد 7 أحزاب قومية, هي كلها تريد عودة اللغة, عودة المجد عودة الأمة إلى ساحة الفعل السياسي, ولنترك التقسيمات القديمة والأحقاد الماضية, أنا هذا ما أدعو إليه. فيما يتعلق بالخطأ السياسي الذي ارتكبته في القول بأنني سأترشح للسياسة, أنا رددت بكل عفوية على التساؤلات وصارت لها تداعيات, أنا لدي قناعاتي لأني ذهبت في قضية التأسيس لا في قضية الانتخابات الرئاسية, ولدي قناعة بأنه يجب أن نسير في أحسن نظام سياسي ممكن, وما سيقرره المجلس التأسيسي بكل ديمقراطية وبكل وضوح أنا سألتزم به.
أنا أكذب أنه تم الاعتداء على شخصي في القصرين بالعكس, أنا استقبلت استقبالا رائعا في القصرين, المكان الوحيد الذي وقع فيه الاعتداء على شخصي, تم في القصبة, كتبت الجرائد ووسائل الإعلام أنني ذهبت للترويج لحملة انتخابية, هذا خطأ, أنا أول شيء قتله عندما نزلت لتونس قلت بأنني سأذهب لأترحم على روح البوعزيزي, لأنه أرجع له الفضل في أنني إنسان حر اليوم, لكن الخلاف وقع أن الناس في القصرين وفي الرقاب وفي بعض الجهات يلوموني لأنني أزور مكانا وأترك آخر, في كل هذه الجهات, ثمة ضحايا وشهداء وصدقوني لم يكن هناك شيء مبرمج ولا هناك حملة انتخابية وإنما 4 أيام ثم أخذ بي خلالها من مكان إلى مكان. أنا لا أقدم على ذلك بالنسية لي كانت لقاءات حميمية, فيما يخص المنصف المرزوقي, وانتهت بمسألة الحزب المؤتمر بالجمهورية, هذه فعلا إشكالية ونحن يبعثها الآن, نحيي قائمة لوسائل الإعلام بأسماء الأشخاص للاتصال بهم ليس فقط المرزوقي وأنا لذا أبقي رئيسا للحرب بعد المؤتمر حتى يتم تجديده وأنا من الأشخاص الذين تضايقوا كثيرا من قضية الشخصانية للحزب لأنني ضد هذه الفكرة.
دور الاتحاد العام التونسي للشغل أقول كلمتين, القيادة هي نظام ما قبل 14 جانفي, القيادات هي قيادات فاسدة, ويجب أن ترحل مع البوليس ومع النظام, هذا لا شك فيه ويبقى الاتحاد جزءا من تاريخيا ومن نضالنا ومن قواعدنا ويجب الاعتزاز به وبنضالاته. بقي التساؤل عن مستقبله لأن الاتحاد لن يلعب دورا سياسيا في ظل وجود الأحزاب, مستقبله سيكون محل نقطة استفهام خاصة أنه من الممكن أن تدخل في التعددية النقابية والتعددية السياسية والتعددية الحقوقية, هذا شيء لا جدال فيه, مثل ما أن لي صعوبات للتأقلم مع الفايسبوك ويجب أن أتدارك الوضع, الاتحاد يجب أن يتأقلم مع الأحزاب الجديدة.
مسألة الفايسبوك, أنا أفهم دوره وقوته وأعتبر أنه قد تكون أداة مهمة للتخاطب مع الجمهور, وفي نفس الوقت أنا أعتبر أنه يتضمن الكثير من التشويش والكثير من المغالطات, يجب أن يجتهد الناس في معرفة الخطأ والصواب, فأصر على ضرورة تجاوز الشباب للتثقيف الصحي عن طريق الفايسبوك, بل أدعوه إلى المطالعة, والرجوع إلى التاريخ لأن ذلك هو الكفيل بإعطائه الحرية الحقيقية.
بالنسبة لنبض الشارع والقول بأنني “ولد فرنسا” هذا شيء مضحك, السنوات الأخيرة التي عشتها في فرنسا, كانت كل وسائل الإعلام تتفاداني, وقع اكتشافي الآن في كتابي الأخير Dictateur en sursis كنت أقول فيه للغرب أنهم على خطأ في حكمهم على العرب, في حكمهم على المسلمين, هذا الكتاب ترك على جهة, لست عميلا لهم, وهم يريدون أشخاصا طوع أيديهم, هم يعرضونني أنني مع الأمة العربية, إنني وحدوي, إنني مع المساواة, أنا ذهبت لأخذ ثقافتهم واستعمالها, لا أن أصبح عبدا لها, أنا حاولت تعريب الطب وحاولت كتابة أول كتاب طب بالعربية, تحصلت من خلاله على جائزة المؤتمر الطبي العربي في أواخر الثمانينات, بحيث أن وفائي للغة العربية لا نقاش فيه, إذن عندما يقولون “ولد فرنسا”, فالناس يجهلوني. الآن أنا بصدد كتابة كتاب ضخم عنوانه, “المدخل إلى علوم الصحة” وأنا أحاول القيام بترجمته, أريد أن أضمنه كل تجربتي في الطب الجراحي باللغة العربية, فيما يخص كلامي عن بن علي أنه لا يصلح ولن يصلح, هذه الفكرة هي نابعة عن قدرة التشخيص, الأطباء يقومون بالتشخيص وبتقديم الدواء وإذا هذا لا يعطي نفعا تبعا لإبدال ذلك الدواء, وثانيا القدرة على استقراء المستقبل حسب التجارب الطبية, إذن بالنسبة لبن علي قمنا بتشخيصه وهذا التشخيص ماذا أعطى؟ دكتاتورية مافيوزية وكانت الأمور واضحة, أنت تقول بأنك ستدخل معهم لتوسيع رقعة الحرية, على من تضحك؟ هذه ليست دكتاتورية إيديولوجية, هذه دكتاتورية “سراق”. الانتخابات جعلت للضحك على العقول, وأنا لا أريد الدخول في هذه اللعبة البائسة, قل لي في أي مكان في العالم أصلحت الدكتاتورية, نحن نعلم لا النازية أصلحت, الفاشية أصلحت, ولا Franco أصلح, طبيعة الدكتاتورية, أنها تصل إلى القمة ثم تسقط, ما دام قد شخصنا هذا النظام وتبينا أنه ليس نظاما ديمقراطيا وإنما هو نظام ديكتاتوري, توقنا سقوطه, هذا هو التشخيص, وهذا التشخيص تبين أنه صحيح, ثمة من يقول أنا سأدخل معه في الانتخابات لتوسيع رقعة الانتخابات, وهل توجد في الأصل حريات لتوسيعها, أقول أنه كان هناك خور مبني على تشخيص خاطئ واضح أيضا أن خيار المقاومة المدنية كان الخيار الأنسب لماذا؟ لا تستطيع إصلاحها, المقاومة المسلحة, الدواء أمر من الداء, ورأينا هذا من خلال التجربة الجزائرية. في 2006 عندما تكلمت في الجزيرة وقلت يجب المقاومة المدنية وفشلت العملية لأن الشعب لم يكن جاهزا قلت لا يزال يحتاج قليلا من الوقت.
سأروي لكم قصة حدثت معي في سنة 1994, تم استدعاني من قبل سفارة السويد, عندما كان بإمكاننا أن نتحرك بحرية, تحدثت مع السفير فنظر إلى السفير وقال: “غريبة دكتور مرزوقي, أنت إنسان طبيعي, كانوا يقولون عنك مجنون”, فقلت له النظام الدكتاتوري يغير المعارض إما مجنون أو غير واع, هذا منطق الدكتاتورية, ثمة شخص اسمه مرجان بسيس له تكتيك خاص, أول ما يبدأ بالكلام يقول نطلب الشفاء للمرزوقي, أنا لي ثقة في ذكاء البشرية, فسأتكلم وأكون صريحا مع الناس والناس في آخر المطاف سوف تكتشفك.
فيما يخص النظرة للقوميين وللإسلاميين وغيرهم, أنا أقول وأعيد من حسن الحظ أن الإسلاميين والقوميين وغيرهم كلهم يغيرون في الأفكار بعضهم من بعض على أساس المنظومة الديمقراطية, وهذا يجعلني متفائل جدا, بقيام حكومة وحدة وطنية ليس هناك في هذه البلاد من يدعو إلى الخلافة الإسلامية, اللهم إلا قلة لا يحسب لهم حساب أو دولة عمال الفلاحين ثمة توافق كبير في بلادنا حول الخطوط العريضة للنظام السياسي المقبل فيجب أن يكون بعيدا عن الدكتاتورية والفساد, في بعض الأحيان نقول عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم, إذا كان 20 سنة مدتنا بقواعد ما لا يجب أن نقوم به واستطعنا إنجاز ذلك. إذا ما حسبا حساب الأجيال المقبلة, ونضع لهم نظام سياسي, يحميهم وقتها يمكن أن يقول أننا حققنا مكاسبا.
فيما يخص مؤتمر الجمهورية وقع إنشاءه في 2001 بن علي كان يقول أنا أنظمكم فقلنا له نحن ننظم أنفسنا, ذهبنا إلى المجلس الوطني للحرية فلم يقع الاعتراف به, فأنشأنا رابطة اتحاد الكتاب, حاولنا إنشاء كنفدرالية, فلم ننجح للأسف ثم قررنا إنشاء حزب سياسي فتجمعت الناس حولنا بدافع أن التنظيم ينبع من الأشخاص لا منك أنت يا بن علي, ووقتها اكتشفنا أنه بإمكاننا تنظيم حزب سياسي غير مبني على خيارات عقائدية إلى حد الآن الأحزاب السياسية, حزب شيوعي, مبني على اختيارات شيوعية أو حزب إسلامي مبني على كذا, نحن اخترنا تنظيم حزب يسهل مأمورية الوفاق الوطني ولهذا فتحناه بكل التيارات للدخول معنا, المهم قبول البرنامج السياسي وإخلال النظام الجمهوري لا نظام ديمقراطي وعقيدتك هي مسألة تهم كل شخص على حدة, انضم الكثير من الإسلاميين والكثير من العلمانيين وأنا فخور بأن الناس تعايشت داخل هذا الحزب رغم اختلافاتها العقائدية وهذا بالنسبة هام جدا في المستقبل.
فيما يتعلق برموز الغرب وبمنديلا أنا من تلاميذ مانديلا ومعجب به كثيرا وقصة علاقتي به هي قضية مضحكة في سنة 1991, كرئيس رابطة ثم استدعائي في مؤتمر الكراييب على أساس منظر حقوق الإنسان, فوضعونا حول طاولة فالتفت فوجدت مانديلا إلى جانبي, كنا نسعى لإقامة مؤتمر لحقوق الطفل, وكنت دعوت الكثير من الأشخاص لحضور بمناسبة صدور الوثيقة العالمية لحقوق الطفل, فقلت له ما رأيك سيدي الرئيس هل تستطيع تشريفنا؟ أعتذر وقال يستطيع منحك رسالة, منذ الغد طلب مني مقابلته استقبلني نصف ساعة سألني عن أجواء تونس, وفي الأخير أمدني لرسالة يعتذر من خلالها لعدم حضوره.
صحيح أن جنوب إفريقيا لم تتحقق بها الثورة الاقتصادية لكن ذلك هو الثمن, إما أن تقبل مرحلة انتقالية طويلة أو حمام الدماء, هو رجل كان بصيرا, يريد تفادي حمام الدماء يقول شيء هذه الدولة وبطول الزمن سوف يتحسن الوضعية وهذا ما وقع اليوم في جنوب إفريقيا وهذا الرجل أدين له بتجربتي لأنه بعد 1994 بعد أن سجنني بن علي جاء هذا الرجل بالصدفة واتصلت به خديجة الشريف وبعض الإخوان وتدخل واضطر بن علي لإخراجي من السجن. فيما يخص اللوبيات التي تحكم أنا أوافقك الرأي, لكن رغم كل شيء ثمة ديمقراطية على الأقل شكلية التي هي تعطي الحق الأدني من الحقوق والحريات, هنا أيضا نفس الشيء اليوم الذي سيبنى فيه نظاما سياسيا, لا يجب أن توجد لوبيات تحكم الأمور الاقتصادية وأمنية إلى آخره. لهذا أنا أقول أنه لا يجب أن يكتفي بالنظام البرلماني أو الرئاسي لكن يجب أن تكون لنا ديمقراطية قاعدية لتراقب اللوبيات الموجودة والفساد هي مثل “النجم” دائم النمو ما الفرق بينه وبين ماهو موجود في الغرب هم لهم الآلة لقطع النجم, أما نحن فليس لنا ماهي هذه الآلية؟ هي الديمقراطية القاعدية, هي حرية الصحافة, هي استقلالية القضاء, لذا نخاف إذا ما تمكنا من بناء الدولة الديمقراطية فإن “النجم” سيبقى موجودا, لذلك يجب مراقبة هو ينمو وأنت تقوم بقطعه ما الذي حصل مع بن علي, هو ليس له آلية حتى أكلنا “النجم” كلنا.
د. عبد الجليل التميمي:
شكرا عميقا حضرة الزميل د. المنصف المرزوقي, فقد اكتشفنا منصف مرزوقي جديد تماما ومبادئه وبقدرته الخارقة للعادة, بقناعاته, بالقدرة على الإقناع وأنا أعتقد أنك في مستوى طموحات الثورة تحتاج إلى أكثر من فضاء للإبلاغ والاتصال بالشعب حتى يتعرف عليك الرأي القيم التونسي عن قرب ولا شك لدي أنك مقبل على أداء دور سياسي طلائعي في المشهد السياسي التونسي الجديد.