خطاب ختم الدستور في 27/1/2014
الاربعاء 29 كانون الثاني (يناير) 2014
السيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي السيد رئيس الحكومة السيد رئيس الحكومة المرتقبة السيدات والسادة نائبات ونواب الشعب السيدات والسادة أعضاء الحكومة السيدات والسادة رؤساء الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني السيدات والسادة أعضاء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية السادة رؤساء وممثلي برلمانات الدول الشقيقة والصديقة السيدات والسادة سفراء البلدان الشقيقة والصديقة السيدات والسادة الضيوف الحضور الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يوم أغرّ في تاريخ تونس سيذكره تاريخ وطننا وستحتفل به ان شاء الله الأجيال المقبلة لجملة من الأسباب هو اليوم الذي نحتفل فيه بولادة النصّ المؤسس لعلاقة غير مسبوقة في تاريخنا القديم والحديث بين الشعب ودولته ، بين المواطنين أنفسهم ، بينهم وبين محيطهم القريب والأبعد
هو اليوم الذي نحتفل فيه بولادة نص فيه عصارة آلامنا وآمالنا هو اليوم الذي نحتفل فيه بولادة نص يشكل شهادة على أكبر انتصاراتنا فهذا يوم اكتمال انتصارنا على الدكتاتورية المقيتة التي قدّمت بممارساتها النموذج المنفّر الذي لا نريده في بلادنا أبدا والتي اطحنا بها بفضل ثورة 17 ديسمبر المجيدة وشهدائها الأبرار وأبطالها من الجرحى.
وهذا اليوم تواصل انتصارنا على الارهاب الذي حاول عبر اغتيال شهيدي الشعب والمجلس الأخوين شكري بلعيد ومحمد البراهمي إيقاف مسلسل التحرّر الفكري والسياسي الذي يجسده دستورنا الذي نحتفل به
قد يكون اهمّ انتصار ذلك الذي حققناه على انفسنا ، على شياطيننا الذاتية ، على نوازع التفرقة والفتنة وبه حققنا انتصارا لنا جميعا حكومة ومعارضة ، اغلبية واقلية ، من اصحاب هذه المرجعية الفكرية أو تلك … بهذا الانتصار نكون قد حققنا الأهم اي انتصار تونس الحبيبة نفسها
أيها الاخوة والأخوات
إن أحسن ما في الدستور الذي سنقرّه اليوم جميعا عقدا اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا بين كل التونسيين والتونسيات وتحت انظار أشقائنا وأصدقائنا في العالم …اقول أحسن ما في هذا الدستور أنه كشف عن أحسن ما فينا. كم نقسو على أنفسنا تارة عن حق وتارة عن ظلم، ها هو الدستور يرجع لنا صورا غير التي تعودنا عليها سواء عن بعضنا البعض وحتى عن أنفسنا. نعم هذا الدستور الذي هو بين ايدينا يرجع لنا في مرآته صورة طبقة سياسية ومجتمعية واعية…مسئولة …ناضجة …اجتمعت حول أنبل القيم وأصعب التحديات…يرجع لنا صورة أشخاص عرفوا في اللحظات التاريخية كيف يتجاوزوا ذواتهم لتمكين الوطن من تجاوز أدق مراحل تاريخه المعاصر. نعم هذا الدستور يؤكّد أكثر من اي وقت مضى حدة وعينا بمسؤوليتنا … شدة حرصنا على حماية شعبنا من ويلات العنف … صدق إرادتنا في إيجاد أرضية العيش المشترك…… قدرتنا على التنازل لبعضنا البعض، براعتنا في التوافق…نجاحنا دوما في الوصول للحلول الوسطى التي لا ترضينا تماما فردا فردا ، حزبا حزبا ولكنها ترضي شعبنا المحتاج إلى أقصى قدر من الامن ومن الاستقرار ليواصل جهاده الحقيقي ضدّ ألدّ اعدائنا الفقر والجهل والمرض .
أيها الاخوة والأخوات ما هو مكتوب في هذا النص بالغ الأهمية لكنني أقول أن الأهم طريقة كتابته. نحن لم نعهد بلجنة مختصة لتدبيجه وعرضه على موافقة صورية بل ارتأينا أن نختار الصعوبة بدل السهولة والتأني بدل العجلة والمشاركة الجماعية بدل الفرض من فوق بإقحام أكبر عدد ممكن من الأدمغة من مختلف المشارب الفكرية والسياسية ليكون بحق دستور كل التونسيين والتونسيات.
ليس من المبالغة القول أن تاريخنا الضارب في أعماق ثلاثين قرنا لم يشهد عملية مثل هذه وأنه لا يوجد لنا نص مشابه هو نص وليد العقل الجماعي …نص له آلاف الآباء والأمهات تقابلوا ، تناقشوا ، تبادلوا الرأي والرأي الآخر ، تخاصموا ، تصالحوا بحثوا عن القواسم المشتركة تاركين جانبا كل ما يفرّق وتوافوا بمحض الرضى ليجتمعوا اليوم احتفالا بوليدهم الذي يعرفون أنه أجمل هدية يقدمونها لذكرى الآباء والأجداد …أجمل هدية يقدمونها للأجيال المقبلة .
من كتاب دستورنا هناك الذين لا أحد يتذكر تضحياتهم طيلة نصف القرن المنصرم والحال أنهم حملوا أفكاره وقيمه داخل عقولهم وقلوبهم والحال أن تضحياتهم الجسيمة هي التي جعلته اليوم بين أيدينا .
هناك كل الذين وشاركوا بصفة أو بأخرى في بلورته وأخص بالذكر
كل المواطنين والمواطنات الذين شاركوا في الاستشارات الجهوية
اللجان المختصة
مكتب المجلس
مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الراعية للحوار الوطني الناجح
الأحزاب والشخصيات السياسية
لجان الخبراء
جنود الخفاء من إعلاميين وإداريين وأمنيين وعسكريين وعمال ولولاهم لما توفرت الشروط الدنيا لتحقيق العمل الجبار
وبالطبع أنتم النواب والنائبات الذين سهروا الليالي
اسمحوا لي هنا أن أحي تحية خاصة السيد رئيس المجلس لما أظهره من حكمة في إدارة كل العملية وأن أحيي نائبيه وكم تعجبت من صبر الثلاثة وكان أحيانا أكبر من صبر ايوب
إليكم جميعا وإلى كلّ من يدين لهم هذا الدستور بالوجود أريد ان اعبر باسم الشعب التونسي وباسمي الخاص عن كل الامتنان والشكر والمحبة والإعجاب.
أيها الاخوة والأخوات
كلنا نعلم أن هذا الدستور خطوة على الطريق ، لبنة من لبنات البناء.
كلنا نعي أن الطريق ما زال طويلا وان البناء عملية شاقة
كلنا نعرف أنه ما زال أمام العقل الجماعي الذي كتب هذا النص ، أمام الإرادة الجماعية التي فرضته الكثير والكثير من العمل لتصبح قيم الدستور جزءا من ثقافتنا العامة والفردية ولتصبح مؤسساته الديمقراطية جزءا من تقاليد راسخة لا يهمها مجيء زيد ورحيل عمرو
لكن الصورة الإيجابية التي أصبحنا نحملها اليوم عن شعبنا ، عن ثورتنا وعن أنفسنا هي أحسن معين على مواجهة كل الصعوبات والتحديات
أيها الاخوة والأخوات
طيلة السنوات الثلاث الأخيرة عرفنا لحظات الحزن والألم ونحن نودع شهداءنا من عسكريين وأمنيين ومدنيين . عرفنا لحظات الاحباط أمام الكم الهائل من المشاكل ومن التوقعات ، عرفنا الشك في قدراتنا على تجنيب بلادنا ويلات العنف وعدم الاستقرار. عرفنا الخوف على بلدنا وعلى مؤسساته الشرعية ونحن نجد أنفسنا أحيانا بين فكي كماشة الارهاب والفوضى.
كل ذلك أصبح الآن وراءنا. هذا اليوم يحق لنا أن نفرح. يحق لنا أن نرضى إذن عن أنفسنا وعن بعضنا البعض .يحق لنا اليوم أن نفخر بشعبنا ، ببلادنا، بوطننا.
لكن علينا أن نعود للطريق وللبناء ونحن واثقون أن ما أظهرناه لحد الآن من حكمة واعتدال وقدرة على التوافق صفات لن تتبخّر وهي جزء من طبيعتنا وثقافتنا وإنما ستزداد رسوخا وهي التي ستمكننا من مواجهة بقية الاستحقاقات السياسية بروح معنوية عالية لنكون بحق أوفياء لدماء الشهداء وأوفياء لوعدنا بأن نموت نموت ويحي الوطن.
قال تعالى ’’واعملوا فسيرى الله أعمالكم والمؤمنون ’’
فإلى العمل وإلى الأمل
تحيا الثورة
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
تحي الجمهورية
تحي الديمقراطية
تحي تونس