حوار مع ” الدستور ” الاردنية
الثلثاء 3 كانون الأول (ديسمبر) 2013
المرزوقي: تونس لا تحكمها «النهضة» وحدها.. والربيع العربي ليس موضة
pièce jointe
لم تكن الطريق طويلة إلى أن يصل الربيع التونسي إلى بلدان عربية أخرى، لكن الطريق إلى تونس اليوم وعبر دول الربيع العربي مضنية، وإذ مرت سنوات ثلاث على الربيع العربي، إلا أن الأسئلة تظل ماثلة، عن منجزاته وقدرته على استيعاب مطالب الجماهير التي خرجت من أجله. في تونس اليوم الكثير من الاسئلة والمطالب، والمشهد التونسي مليء بالحيوية والتجاذب والاستقطاب السياسي والكراهيات أيضا؛ ما زاد من تعقيد فرص نجاح الحوار الوطني حول القضايا الأساس التي ستنقل البلاد إن اتفق عليها إلى ديمقراطية ناجزة، وهذه القضايا اليوم تتمحور حول الاتفاق على حكومة ودستور جديد وتحديد موعد للانتخابات مع هيئة مستقلة للانتخابات.
في الشارع التونسي هنا اسئلة حول الفقر والبطالة والأسعار ورفع الدعم عن السلع، وهناك اسئلة عن الفساد والأموال المنهوبة في زمن الرئيس السابق، وفي الرئاسة التونسية يجري الإعداد لنشر كتاب يتضمن فضح اساليب الدعاية والإعلام في العهد السابق، وهو ما يجد هجوما من الأقلام والمنابر الإعلامية التي عملت تحت يد النظام السابق. المهم أن مهد الربيع العربي ما زال يحمل اسئلة عدة، ولكن هناك انجازات على مستوى الحريات والتخصيص المالي المرتفع للتنمية الجهوية، وفي المقابل هناك من يرى ان الاخفاقات متعددة وهو ما يؤكده قادة وسياسيون ونخب واناس عاديون. «الدستور» تفتح ملف الربيع العربي في مهده عبر حوارات مع مسؤولين وقادة ونخب وتنقل صوت الناس، وأول لقاءتها مع الرئيس التنوسي المنصف المرزوقي والذي التقته في مكتبه في قصر قرطاج.
* الدستور: سيادة الرئيس، اشكركم نيابة عن زملائي في جريدة الدستور الأردنية على هذه الفرصة للحوار معكم لنستمع منكم وانت الرئيس العربي الوحيد المنتخب بعد الربيع العربي والموجود اليوم في السلطة، وكمثقف ومناضل اجتماعي، نعرف أن الوقت قصير ولكن ثمة اسئلة ملحة، عن الحالة التونسية ومنها إلى أين تسير الأمور اليوم في تونس على مستوى الحوار الوطني التونسي والحكومة والتنمية والعلاقة مع الغرب والعرب. ثم كيف تقيم الوضع في تونس اليوم؟
المرزوقي: تونس لا تقارن بدول الربيع العربي فهي لم تعرف الحرب، ولا الانقلاب العسكري ولا الانفلات، والتماسك فيها موجود والجيش ظل وطنياً ويحمي الشعب، والشرعية متواصلة، والحوار الوطني موجود وإن بدا متوقفا ونحن ذاهبون للحل، ولما ترى الوضع في تونس ترى أننا مختلفون، والسبب الخصائص الاجتماعية للشعب التونسي، فنحن بلد متجانس والطبقه الوسطى متعلمة مؤثرة، والجيش تاريخيا لا يتدخل في امور السياسة واخيرا الحوار موجود وهذه الخصائص الهيكلية للمجمتع تحفظه من الانهيار. لكن، هذا لا يعني ان الانتقال الديمقراطي سهل، فقد عشنا ازمات وحرائق لكن كل هذا لم يؤثر في الجسم الذي ظل متماكسا، وعندي قناعة أنه ولهذه الاسباب الموضوعية التوحد والتجانس فإننا سنحل المشكلة السياسية، وقبل ايام التقيت صحفيين اجانب وكنت أقول، إنني اتبع سياسة مرحلية زمنياً، فخلال ستة أيام سنجد حلا لتسمية رئيس للحكومة وستة اسابيع لاتمام الدستور وستة اشهر لموعد الانتخابات. على الأقل هذا البرنامج ان شاء الله يتحقق وعلى الأقل هذا هو البرنامج المتاح، وادعو الله ان يتحقق، لكن دائما هناك مفاجآت وهناك تحديات وصعوبات وآمل أن نكمل هذه الأمور. * الدستور: تفضلت بان الوضع التونسي مختلف عن غيره، إلى ماذا ترد ما حدث لوعي التونسيين؟
المرزوقي: في الصيف الماضي بعد اغتيال المرحوم محمد البراهمي (القيادي المعارض) حصلت محاولة انقلاب لتستولي على الشرعية والدولة بالقوة، وجرت محاولة للاستيلاء على المجلس التأسيسي والاستيلاء على مقرات الحكم في الولايات إلى درجة ان ناسا ذهبوا وكلموا الوالي وانتم تسمونه المحافظ وقالوا له: نحن اخذنا المفتاح، وكان المقصود الدخول بالفوضى، وآنذاك تدخل الجيش، وكان مخطط دخولنا في دوامة وهذا كله تبخر بسبب ان الشعب التونسي والجيش وطنيان، وبرغم تحفظ الشعب على أن التروكيا الحاكمة لم تنجح للآن في الحد من الفقر والقبض على الفاسدين، وهو تحفظ محق، اكرر أن الشعب لم يستجب للفوضى والعنف وكل مرة عندما يدعو احد للتظاهر ويهدد بانزال آلاف المتظاهرين لا ينزل سوى مئات. * الدستور: عندما نتحدث عن تحديات الحكم اليوم في تونس، نتحدث عن الاغتيالات السياسية، فما العبء الذي القته عليكم وانتم كنتم من الرافضين لتحول الربيع العربي لعنف ودماء؟
المرزوقي: للأسف الشديد في بلدان اخرى تحدث الاغتيلات السياسية بالعشرات وبالجملة، ونحن آخر اغتيال سياسي عندنا كان قبل ستين سنة للشيخ صالح بن يوسف في العام 1961 (وهو أحد أبرز قادة الحركة الوطنية التونسية. تولى الأمانة العامة للحزب الحر الدستوري الجديد كما تولى وزارة العدل في حكومة محمد شنيق التفاوضية بين 1950 و1952. عارض سنة 1955 الاستقلال الداخلي الذي قبل به بورقيبة؛ ما أدى إلى حدوث صدام بينهما)، ثم جاءت هذه الفترة بعد الثورة وحصلت فيها عمليتا اغتيال بكل اسف. ولما الشعب ينهز وجدانه ومشاعره لاغتيالين سياسيين فهذا معناه أنه شعب متحضر وشعب مصرّ على التغيير، وكان الاغتيالان لضرب العملية الديمقراطية وكان دائما هناك ضربات حساسة في التوقيت فالاغتيال حدث عندما شارفنا على الانتهاء من الدستور في 6 /شباط وفي 25 /تموز 2012 حصلت محاولة انقلاب، والا تعرف أننا ليلة 24 دعينا كل الأطراف لعشاء هنا في القصر، وحضره كل اعضاء المشهد التونسي واطراف الطيف السياسي والخصوم ويوم 25 جويليه/تموز 2012 وكنت عائدا للبيت في سوسه ومرتاح على أساس أننا انتهينا وان الدستور سيسُن خلال شهر ثم تتلوه الانتخابات كنت اعتقد ان الامور انتهت، لكن الاغتيال أخّر كل شيء، وهؤلاء الناس حاولوا الانقلاب على الشرعية وكانوا يخططون لانهاء الربيع العربي باعتبار أنه يجب افشاله في كل مكان وحتى في تونس، وكانت الاغتيالات ضربات قاصمة وصعبة التحمل، والمفارقة أن الحكومة او المشروع الديمقراطي هما الضحية ومع ذلك جزء من المعارضة رأوا ان الحكومة مسؤولة عن الاغتيالات للأسف، وهذا معناه إما انهم لا يعون الأمور والوضع السياسي الحقيقي جيداً، أو أنهم سقطوا في الفخ، الذي نصبه الارهابيون، والوضع السياسي هنا لم يكن المقصود به التسريع بل التعطيل، واليوم جربت قوى التعطيل انها لم تنجح، وهم جربوا تأخير وتعطيل المشروع الديمقراطي ويقينهم أنه يمكن ان يعودوا مرة اخرى وأن يمنعوا الانتخابات مرة أخرة لكن كيدهم سيرد إلى نحرهم، هذا البلد كما قلت لك هيكليا وبطبيعته قادر على أن يصمد في وجه كل الاعتداءات الارهابية ومحاولات وأد الربيع العربي فيه. * الدستور: ما تقييمكم لما انجز على الصعيد الداخلي في مجال التنمية وما رؤاكم من موقعكم كرئيس ومواطن تونسي لقضايا متعددة ومنها: استجابة الحكومات للتحديات، والتنمية وقدرة التجارب الإسلامية في الحكم على تلبية طموح الناس؟
المرزوقي: تونس لا تحكمها حركة إسلامية ولا تسطيع حكم تونس إلا بالتوافق مع من يحكم تونس بالنظام الديمقراطي، ويحكم تونس اليوم تروكيا تضم النهضة وهي حركة ديمقراطية ذات مرجعية اسلامية ومعها حزب المؤتمر وحزب التكتل وسمهم ما شئت، وهناك مرجعيات فكرية عدة في البرلمان، ولا يمكن القول، إن حركة النهضة تحكم تونس عندنا مرجعيات مختلفة، والتوافق شرط للحكم. أما سؤالكم، هل نجحت الثورة؟ فبطبيعة الحال لا، هل يمكن ان تقضي على البطالة او الفساد في ظرف عامين، او تغيير العادات والتقاليد هذا صعب، لكن نقول لكم بكل وضوح ثمة أشياء نجحت فيها الثورة، الحريات التي يمارسها التونسيون إلى درجة الإفراط وبرغم كل التجاوزات التي حدثت إلا أننا كنا نفضل تحمل التجاوزات على الحرية على أن لا نعود لزمن ما قبل الثورة وما قبل الحرية، هذا خيار وننتظر من الجهاز الإعلامي ان يسوي نفسه بنفسه، عوض المرور إلى أو العودة للقمع، والحريات موجودة ومكفولة. فيما يخص الجهات المحرومة أنا اجتمع كل اسبوع مع محافظ منطقة من المحافظات الداخلية، هذه المناطق نسبة الانماء احيانا مرت فيها من واحد إلى عشرة، ضوعفت في سيدي بوزيد وغيرها الموارد المادية التي وضعت هي ضعف ما كان موجودا قبل الثورة، لكن حتى مع ما تم ضخه من مال وجدنا ان هناك مشاكل ولا يمكن ان تؤتي أوكلها الآن، وهناك مشاكل اليوم عقارية ومواطنون يمنعون الطريق، والمقاولات التي قررت لا تدفع لدرجة انه في بعض المحافظات خمسون بالمئة من المبالغ او الاعتمادات التي نعطيها لها صرفت، الإرادة السياسية موجودة والمسألة مسألة وقت ونحن نحتاج للوقت، هناك امور انجزت وثمة امور بصدد الانجاز وهناك اخفاقات في قضية الفساد وفي ارجاع الأموال المنهوبة، لكن المهم اننا في مشروع وهذا المشروع بحاجة للوقت.. * الدستور: ننتقل إلى الشأن الخارجي وبخاصة الموقف الغربي من دول الربيع العربي، يبدو أن هناك تراجعا لدى الغرب، ونحن نتابع التصريحات والمواقف في الولايات المتحدة وفي اوروبا، وهنا المواقف العربية أيضا كيف تراها؟
المرزوقي: ساتحدث فيما يخص تونس، فالموقف الغربي اذا نظرت إليه أنا من خلال الولايات المتحدة فإني أجد دعمها الكامل وقد أكد لي الرئيس باراك أوباما في لقائنا باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه يدعم المسار الديمقراطي الكامل في تونس ومعه في هذا الدعم كل من الاسبان والفرنسيين والبريطانيين. أعود واقول، إن تونس بلد صغير ولا يرتبط بقضايا عالمية كبرى وكل الناس تعرف ان هذه التجربة في الحكم والتي تلتقي بها العلمانية المعتدلة مع الإسلامية المعتدلة هي فرصة لتفادي التصادم بين جزأين مكونين للشعب، أما في القضايا العربية الأخرى فربما اجد الأمر مختلفا عن تونس. * الدستور: وكيف تقيّم الموقف الغربي في الحالة السورية التي اصبحت أشبه بمقاولة سياسية؟
المرزوقي: نحن في تونس استضفنا أول مؤتمر لاصدقاء سوريا، وانا حذرت آنذاك من التسليح والتدويل للمسألة السورية واعتبرت ان ما حدث كارثة، والغرب بقي مترددا وضيّع البوصلة في المسألة السورية، إذ تردد في التسليح أولاً ثم خاف أن تصل الاسلحة للمتشديين الإسلاميين ثانيا، وهو أكثر حيرة، وأنا أرى أن السياسة الغربية متخبطة وكل الاطراف متخطبة وليس فقط الغرب، والشعب السوري هو الذي يدفع الكلفة وراح ضحية التخبط وكل أملي ان تلتقي الأطراف السياسية في جنيف 2 وتجد حلاً. * الدستور: الا تظن ان المشهد السوري انعكس سلبا على الربيع العربي؟
المرزوقي: الربيع العربي ليس قضية موضة او قضية من يؤثر على من، هذه الشعوب اصبحت تطلب الحرية والاستقرار وتنشد الديمقراطية، والشعوب اصبحت على ثقة وقادرة على النقد، والربيع العربي بعث برسالة واضحة إلى جميع الحكام بأنهم يجب ان يتأقلموا بسرعة وأن يجروا اصلاحات تتماشى من مطالب السكان وان تتجاوب معها، لأنه مهما طال الزمن أو قصر فإن الانفجار قادم، لكن الثورة المضادة في كل مجمتع يمكن ان تقوم، وهناك من يحاول وقف الربيع ووأده، وللأسف فإنه يحقق نتائجه بشكل متفاوت من بلد لآخر، ولن يعود الوضع لما كان عليه من قبل، وللأسف أقل زمن لكي يحقق الربيع نتائجه مطلوب أن يكون في تونس ونحن من دفع الثمن، وفي سوريا حيث اكثر من مئة وعشرين ألف شهيد فإن الشعب السوري اليوم يبعث برسالة مفادها أن التغيير سيقع ولو بالثمن السوري، فالتحول الذي بدأ في تونس في علاقة الحكام بالشعوب هذا منعطف تاريخي لن نستطيع التراجع فيه قد يعمل البعض على ان يوقفه، لكن لا تراجع عنه، لذلك أقول لكل الاخوة والزملاء العرب بادروا إلى اجراء اصلاحات جوهرية حقيقية حتى لا نكلف شعوبنا الثمن الذي ستدفعه، لان التغييرات ضرورية وجوهرية طال زمنها أم قصر. * الدستور: فيما يخص العلاقات العربية وكما اشرتم، موقفكم كان واضحا من الأزمة السورية ولكن اليوم بعد كل ما حدث الراهن العربي يشهد حالة من الاستقطاب والانزعاج من بعض المواقف كيف تقيّم مشهد العلاقات العربية؟
المرزوقي: المشهد اليوم صعب، الأمة تعيش فترة انتقالية صعبة نحن نعيش مرحلة مخاض، الآن هناك دول مصابة بالتفكك وانظمة مصابة بالانهيار وبعضها باعادة الهيكلة وبعضها تواجه تحديات كبيرة، هذا وضع صعب وخطير وسيدوم سنوات. وحالة الاستقرار التي نتمناها للشعوب العربية ما زالت بعيدة وكان من الطبيعي ان تكون الصعوبات، لكن الذي يجعلني متفائلا هو ان هذه الآلام آلام مخاض، والآن اصبحت لدينا صورة واضحة عن ماذا تريد الشعوب العربية، هي تريد الحكومة الرشيدة والاعتراف بهويتها وشخصيتها وتريد انظمة غير فاسدة وعدالة، يعني هذه الإرادة لن يستطيع أحد ان يوقفها. * الدستور: الدكتور المنصف المرزوقي المناضل الاجتماعي والمثقف، هناك أناس ما زالوا موجودين في حالة احتجاج في اكثر من بلد عربي ومنها تونس أيضا، ما هي رسالتكم إليهم؟
المرزوقي: منذ سنتين وأكثر ونحن نخوض حربا، ومخاضا، هناك قوى جبارة تريد ان تدمر هذا الشعب، لكن هناك قوى جبارة تريد أن تخلق وضعا جديدا ونجدها موضع مراهنة وانها ستسهم في التغيير، صحيح نحن الآن نرى قوى الخراب تدمر سوريا وفي ليبيا والعراق عنف، لكن وراء هذه الحالة الصعبة من العنف الشديد هناك قوى خلاقة، بسببها سيتم بناء تشكيلات جديدة ديمقراطية وفيها حوكمة، وان شاء الله تقوم دول ديمقراطية مستقلة وتتوحد هذه الدول الحرة الجديدة فيما بينها، ويجمع بينها اتحاد عربي لا علاقة له بالمفهوم القديم للوحدة وهو المفهوم المركزي والقومجي والمخابراتي والذي قاد لكوارث، بل نريد اتحادا على طريقة الاتحاد الأوروبي، اتحادا بين دول مستقلة وحرة تعيد لهذه الأمة القها ودورها في التاريخ. * الدستور: ما رأيكم بمستوى العلاقة مع الأردن وماذا تقول للأردنيين؟
ثَمّ قواسم مشتركة كثيرة بين الشعبين، الاردني والتونسي، نحن شعوب صغيرة عدداً ولكنها شعوبٌ عصامية وجادة، شعوب ليس لها موارد مالية لكن مواردها الإنسانية كبيرة، وتعمل بجد، وهنا اتمنى ان تتكثف العلاقات السياسية والفكرية والثقافية والتجارية واعتقد بان الصلات ليست بالمستوى الذي يجب تكون عليه بين شعبين ودولتين فيهما الكثير من القواسم المشتركة. * الدستور: شكرا لكم سيادة الرئيس.
أجرى الحوار د. مهند مبيضين